يعبر الكثير من المهاجرين أميالاً طويلة من دون أن يعرفوا فعلياً إن كانوا سينجون من الصعوبات التي تواجههم. البعض يعتبر أنّ الفرار إلى المجهول أفضل من البقاء في وطنٍ لم يعد لهم فيه مكان، على الأقلّ حتى تستقر الأمور في بلدانهم.
بعد الوصول إلى الوجهة المنشودة – إن نجوا – تتضارب التوقعات مع الواقع وتبدأ مرحلة أخرى للمهاجرين.
فرحة واحتفالات
حفلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً بأخبار المهاجرين سواء كانت أخباراً سيئة أو جيّدة. ويقوم الناجون أحياناً بنشر فيديوهات تظهرهم يحتفلون فرحاً. البعض الآخر يحاول توثيق رحلته. في target="_blank">فيديو لشبّان سوريين وصلوا إلى اليونان، يظهرون فرحين على الرغم من الصعوبة. يتصرّفون باستهزاء كأنّ اليأس يجعلهم غير مبالين بحيواتهم، كأنّ رهانهم على الرحيل أشبه بنرد يُرمى ويحدد أيّ وجهة ستتخذها حيواتهم.
يظهر في الفيديو شاب يقول "مرحباً.. أول وصولنا إلى اليونان أنا وصديقي". يقول الآخر "لاجئون سوريون يصلون إلى اليونان" كأنّه مدرك لتحول أبناء بلده لمادّة إخبارية تتداولها وسائل الإعلام. يضحكون ويقولون إنّهم في منطقة لا يعرفها أحد وإنّهم سيستمرون في تسلق الجبل ويكملون المشوار ويقول أحدهم "تصبحون على وطن". في target="_blank">فيديو آخر انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر لحظات وصول قطار ينقل حوالي 200 مهاجر إلى النمسا، حيث يلقى الواصلون ترحيباً حافلاً من قبل النمساويين.
صعوبات لاحقة
لكنّ الانطباع الأوّل والفرح بالنجاة لا يعكس دوام الحال، فالعديد من المهاجرين لا يحصلون على المساعدة الكافية بعد وصولهم. نجيب رحيم من ضمن المنتمين إلى هذه الفئة. وصل إلى اسبانيا حيث بقي عالقاً هناك في مركز للاجئين ولا زال حتّى الآن لا يعرف وجهته الجديدة.
يقول نجيب "أنا موجود هنا في مركز للاجئين، لكن سيتوجّب عليّ ترك المكان عند انقضاء إقامتي فيه. منذ أربعة أشهر، لم يدفع مكتب اللاجئين أيّ مبلغ على الرغم من أنّ القانون ينصّ أنّه يحق لنا الحصول على المال للغذاء والبطاقات للمواصلات".
يتابع نجيب "لا أشعر بالندم لمغادرتي بلادي سوريا.. الأحوال هناك لا تطاق. توقّعت ربما أن نلقى معاملة أفضل. الآن أواجه مشكلة أخرى، يتوجّب عليّ ترك المركز ولا أعرف أين سأذهب بعدها".
حكاية مهاجرة
في بقعة أخرى من هذا العالم، هناك حكاية لمهاجرة شابة لا تعرف من أين ستبدأ حياتها من جديد. وصلت راغدة الحاصباني من بلدها سوريا لتصل إلى ألمانيا بعد رحلةٍ عصيبة تختصرها بأنّها "أسوأ ما اختبرته في حياتها". تفاصيل الرحلة ليست ما يؤرق راغدة الآن بجميع الأحوال، بل ما بعد هذه الرحلة. تقول "مضى على وجودي في ألمانيا حوالي ثلاثة أشهر كلاجئة.. لم أتصوّر يوماً أن تنقلب حياتي هكذا رأساً على عقب".
في بلادها سوريا، فقدت راغدة شقيقها من دون أن تعرف هوية القاتل الحقيقي. تقول إنّ هناك "جماعات متشعّبة ومن الصعب التأكّد من هويّة من ارتكب الجريمة". تضيف "ذهب أبي للتعرّف إلى الجثة حين أخبروه بأنّها قد تكون لأخي منذ عامين. لم يقوَ والدي على العيش بعده وتوفي من شدّة التأثّر".
وصلت راغدة إلى ألمانيا وهي تحمل الكثير من الشجن والتصميم أن تدفع حياتها باتّجاه مختلف، لكنّها تجد صعوبة في الاندماج بالمجتمع الجديد. تقول "الألمان لطفاء معنا، لكنّ اللغة مشكلة فعلية بالنسبة لي. أحياناً يتطوّعون هم لتعليمنا مجّاناً ويعطوننا دروس خاصة لكني لا أفهم ما يقولون".
تتابع راغدة "أشعر في الكثير من الأحيان بالرغبة بالتواصل مع السكان هنا. أرى في أعينهم رغبة بالاستماع لحكاياتنا، لكن لا أملك أدوات التعبير". بالنسبة لراغدة، أصعب ما عليها أن تواجهه يومياً هو شعورها بأنّها لا تعرف إلى أين تتّجه حياتها. تكرّر جملة "ما كان بدّي أطلع" خلال حديثها معنا، وتضيف "اضطررت إلى ذلك هرباً من الخوف المزمن".
لا تستطيع أن تصف نفسها بالسعيدة الآن على الرغم من "الودّ" الذي تلقاه هنا. تقول "كنت أفضّل لو تمكّنت من الذهاب إلى بلد عربيّ لأنّي لن أشعر عندها بهذا القدر من الغربة".
تتشارك راغدة الآن غرفة مع عائلة لاجئة أخرى في إحدى مخيّمات النزوح. هذه العائلة ليست عائلتها لكنّها رافقتهم في الرحلة. تؤكّد أنّها تحاول أن تستجمع قوّتها للمضي قدماً بحياتها. "قد أسعى للعمل في ألمانيا بعد تعلّم اللغة. سألوني كثيراً عن أيّ مهارات أملكها وقالوا إنّهم سيعلمونني ويساعدوني لإيجاد عمل في مرحلة لاحقة".
*الصور: عدد من اللاجئين السوريين في الأوروغواي يتظاهرون مطالبين بالسماح لهم بمغادرة البلد بسبب الظروف الصعبة التي تواجههم هناك/وكالة الصحافة الفرنسية