لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي تُستخدم للعلاقات الشخصية والبقاء على اتصال مع الأصدقاء والأحبة أو حتّى التعرّف إلى أشخاص جدّد. على هذه المواقع، يوجد أيضاً صفحات للترويج لرحلات الهجرة غير الشرعية. وقد أصبح موقع "فيسبوك" باباً رئيسياً لهذه الهجرة، مع عشرات من المجموعات والصفحات التي تجذب العابرين وتحمّسهم للدخول بشكل غير شرعي إلى بلدانٍ أوروبية مع وعود بأنّ رحلاتهم ستكون "مضمونة".

مجموعات وأرقام هواتف

تختلف تسمية هذه المجموعات ودرجة الخصوصية فيها، فبعضها مغلق ويحتاج لموافقة سابقة من مسؤول الصفحة للانضمام إليها. بعضها الآخر – ومعظمها ربما – صفحات مفتوحة تحظى بإعجاب الآلاف أحياناً وفيها الكثير من التعليقات. ومن ضمن التعليقات، يمكن إيجاد روابط لصفحاتٍ أخرى تهدف لنفس الغرض: تأمين رحلات "مضمونة" إلى الخارج.

ويبدو أنّ هذه الصفحات تعلب دوراً هاما في هجرة المواطنين بطريقة غير شرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، كأنّها أصبحت خلية افتراضية للتهريب وتسهيل التواصل واستقطاب العدد الأكبر من المسافرين. يضع القيّمون على الصفحة عادةً أرقام هواتف علناً ويطلبون من الراغبين بالهجرة أن يتواصلوا معهم عبر "الفايبر" أو "الواتساب" لأنّ الاتصالات تكون مجانية.

مبالغ طائلة

يروي أحد الأشخاص الذي حاول اتّباع هذه الطريقة للسفر أنّه تواصل مع أكثر من مجموعة، لكنّ الأشخاص الذين تواصل معهم طلبوا أموالاً كثيرة ليس قادراً على تأمينها. يحاول هذا الشخص، الذي رفض نشر اسمه، منذ أكثر من ثمانية أشهر مغادرة تركيا بعد تمكّنه من مغادرة الأراضي السورية حيث كان مقيماً.

بعض المجموعات مغلقة

يقول إنّه يقطن في منطقة بعيدة عن "أزمير" وإنّه لا يجد مهرّباً بسهولة. لذا يستعمل العالم الافتراضي كلّما توفّر له الانترنت للتواصل مع هذه المجموعات. يضيف "في البداية، يطلبون مبالغ طائلة ويعدون بأنّ الرحلة ستكون مضمونة. شيئاً فشيئاً، يخفضون سعر التذكرة... بعضهم عرض أن أضع المبلغ في مكتب تأمين والبعض الآخر أن أرسله عبر الويسترن يونيون أو Money Gram ، لكنّي لا أستطيع المغامرة هكذا من دون تأكيدات للسفر". يفضّل هذا الشخص دائماً أن يراسل هذه المجموعات عبر الرسائل الخاصة لأنّه لا يريد "أن يكشف أحد ما يخطّط له".

التنوّع في الترويج

بعد المرور سريعاً على هذه الصفحات، يشعر المتصفّح بأنّه في سوق تنافسية واسعة. هناك دعوات للشباب لحجز أماكنهم على ظهر المركب بأسرع ما يمكن لأنّه على وشك الإبحار قريباً، أو دعوات لتشكيل مجموعات للحجز والسفر معاً على متن قارب أو حتّى تسويق من نوع تقديم وجبات خلال الرحلة. صفحات أخرى تدّعي أنّها تستطيع تأمين فيزا قانونية (عمل أو للعلاج) إلى دول أوروبية من دون تهريب.

ترد الاستفسارات عبر هذه الصفحات دائماً

وتختلف الوجهات من صفحة إلى صفحة، فبعضها صفحة للهجرة من ليبيا إلى إيطاليا وبعضها إلى أوروبا عن طريق ليبيا وبعضها إلى اليونان. ولا يقتصر الأمر على الرحلات في البحر، فبعض الصفحات تعرض  تقديم فيزا "شنغن" وهي أيضاً "مضمونة".

الطريق إلى أوروبا

كما انتشرت لمدّة من الوقت صفحة تدعى "الطريق إلى أوروبا" وكتبت عنها صحيفة "الغادريان" تقريراً مفصّلاً. واعتبرت الصحيفة أنّ "تجّار البشر" يستغلون موقع الفايسبوك لإغراء الناس برحلات إلى أوربا. كما تنشر بعض الصفحات صور لمسافرين وصلوا إلى إحدى الجزر بعد أن اجتازوا البحر بسلام. وترد تعليقات مشابهة بـ"متى ستنطلق رحلة جماعتي" أو استفسارات حول تكلفة الرحلة أو حتّى تعليقات كـ"اتصلت بك عبر الفايبر لكن لم أجد إجابة على اتصالي".

إحدى الصفحات على موقع فايسبوك

خارج السيطرة

يشير خبير أمني في مكافحة الجرائم المعلوماتية إلى أنّ محاربة الصفحات التي تروّج للهجرة غير الشرعية "مسألة بالغة الصعوبة والتعقيد".

وبحسب الخبير، وهو لبناني رفض نشر إسمه، لا يمكن دائماً السيطرة على هذه الصفحات أو طلب إزالتها لصعوبة تحديد البلد الذي يمكن المحاسبة منه. وأضاف "معظم هذه الصفحات لا تحدّد البلد الذي تروّج منه ولا يوجد قوانين كافية في معظم الدول العربية للمحاسبة لأنّ هذه الصفحات جديدة نوعاً ما وانتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة من دون أن يكون لدينا وقت لإدراج القوانين المختصة".

*الصورة 1: مهاجرون غير شرعيين بعد إغاثتهم قرب السواحل الإيطالية / وكالة الصحافة الفرنسية

*الصور الأخرى: عن موقع فيسبوك

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".