الأردن – بقلم صالح قشطة:
مع كل هجمة إرهابية تتبناها التنظيمات الإرهابية، تحتدم النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي. وكان هذا الحال مع الاعتداء الإرهابي الأخير في مدينة أورلاندو، والذي تبناه تنظيم داعش، مخلفاً عشرات الضحايا ما بين قتلى وجرحى.
وللوقوف على حقيقة الموقف الديني مما تدعيه تلك التنظيمات الإرهابية وعلاقتها بالإسلام، التقى موقع (إرفع صوتك) الدكتور حسان أبو عرقوب، الناطق الإعلامي باسم دائرة الإفتاء الأردنية، وكان الحوار التالي:
ما تعليقك على جميع الاعتداءات الإرهابية التي بتنا نشهدها بشكل كبير مؤخراً في مواقع مختلفة حول العالم، والتي ينسب كثير منها إلى الإسلام وتتبناها منظمات تصف نفسها بالإسلامية؟
لا شك أن الإسلام هو دين الرحمة، ودين العدل، ودين التعايش. ربنا سبحانه وتعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ). وبيّن بهذا أن سماحة النبي والرحمة التي أودعها في قلبه هي سر قبول الناس له، وأن الغلظة والفظاظة هي سبب نفور، فإن كان قد نهاه عن الغلظة وعن الفظاظة فكيف يسمح له بالقتل والاعتداء والسبي وإيذاء الناس؟
ديننا دين الرحمة، ولو فتحت المصحف فأول آية ستجدها هي (بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ)، والمكتوب يقرأ من عنوانه، وعنوان هذا الكتاب هو الرحمن الرحيم، أي الرحمة والتسامح وقبول الآخر واحترامه، وليس سفك الدماء ولا قتل الأبرياء، وليس الاعتداء على الناس، ومن يقوم بهذه العمليات فإنه يسير على منهج لا شك أنه يختاره هو، وليس المنهج الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لنا أبداً.
ماذا تقول لمن ينسبون هذه الأفعال للإسلام، وللمنظمات الإرهابية التي تنفذها باسم الإسلام؟
لا شك أنهم يسيئون للإسلام بنسبهم هذه الأعمال المخالفة لتعاليمه له، فالإسلام بريء من كل هذه الأعمال الإرهابية التي تدل على التطرف وعدم قبول الآخر. الإسلام يسع الجميع، والحل هو حل فكري، لا بد من محاورة هؤلاء، وإعادة الحوار إلى الأرض بدلاً من استخدام العنف، لأن العنف لا يولد إلا العنف، والدمار لا يولد إلا الدمار. لكن من خلال الحوار الفكري والساحات الفكرية يتم تبادل الأفكار وتغيير المواقف، فمشكلتنا معهم هي مشكلة فكرية، لديهم فكر منحرف، فكر ضال ومتطرف، ولن نستطيع أن نعالجهم إلا من خلال الفكر، بأن نعيدهم إلى الوسطية مرة أخرى، وأن نذكرهم بآيات الله وبكلام رسوله.
بالنسبة للعملية التي حصلت في أورلاندو مؤخراً، ظهرت مجموعة من الأصوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مسلمين وعرب أيدوا مقتل الضحايا بسبب توجههم الجنسي كمثليين ووصفوهم بـ “الشذوذ"، هل تعتقد أن التعاطف والإدانة يفترض أن يكونا مرهونين بمعرفة بالتوجه الجنسي للضحايا، أو بمعتقداتهم الدينية وانتماءاتهم العرقية؟
لو افترضنا أن الخبر كان صحيحاً وأن هؤلاء الذين تم قتلهم والاعتداء على أرواحهم هم من الشواذ جنسياً، أيهما أفضل كان، أن نحاور هؤلاء الذين نراهم من وجهة نظرنا على الأقل خطأ، وأن نعيدهم إلى الصواب، أم أن نقتلهم؟ هل هذا الحل لكل إنسان يخالفني بقضية جنسية، أو فكرية، أو قضية عقائدية؟ أيها أفضل، أن أحاور هذا الإنسان لأعيده على الأقل من وجهة نظري إلى الصواب، أم أن أقتل هذا الإنسان وأتخلص منه؟
لو كان القتل هو الخيار فسيقتل بعضنا بعضاً، وربنا سبحانه وتعالى بين أن (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، فقتل النفس الإنسانية بغض النظر عن انتمائها وعقيدتها ولونها وتوجهها حرام لا يجوز، ولا يحل قتل الناس هكذا، وبالتالي نحن نعقد المشكلة ونزيدها تعقيداً ولا نحلها، فالحل عن طريق الحوار، إن كنت تراه من وجهة نظرك خطأ فهو يرى نفسه على صواب، وهو لا يتحداك بذلك، فقط يرى نفسه صواباً، وإن كنت تراه خطأ فاجلس معه وحاوره وفهمه خطر الشذوذ وأضراره على الإنسان وعلى المجتمع، عسى أن يعود إلى جادة الصواب، أما أن أقتل كل إنسان يختلف معي، بهذا سنقتتل ونتناحر ولن يظل على الأرض أحد!
*الصورة: الدكتور حسان أبو عرقوب، الناطق الإعلامي باسم دائرة الإفتاء الأردنية/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659