بغداد – بقلم دعاء يوسف:

ما زال عامر ياسين الذي حصل على اللجوء منذ أكثر من عام يعاني من عدم قدرته على الاندماج بالمجتمع الألماني حتى الآن. يقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الأوضاع تسوء يوماً بعد يوم بسبب الهجمات الإرهابية التي تسببت بقلق الرأي العام من وجودنا".

اتجاهاتهم الفكرية المختلفة

ويبدو أن المعاناة تقع بشكل كبير على اللاجئين العراقيين الذين يواجهون مصاعب العيش بمخيمات في ألمانيا وصلوا إليها عبر رحلات غير قانونية من تركيا في البحر. فبعد سبعة أشهر من العيش بداخل مخيمات للاجئين، قررت سناء جبار تركها والعودة إلى العراق.

تقول سناء التي كانت تعمل في وظيفة حكومية في بغداد قبل هجرتها "بعت المنزل الذي أسكن فيه أنا وبناتي لتوفير نفقات السفر والهجرة".

سناء التي كانت تعيل بناتها الثلاثة بعد وفاة والدهم بمرض عضال، وصلت معهن إلى ألمانيا في تشرين الأول/أكتوبر 2015.

"كانوا يقولون إن معاملة اللجوء كاملة، لكنني لم أحصل على أي موافقات باللجوء أو مسكن أو حتى مساعدة مالية. لذا قررت بعد مرور سبعة أشهر العودة إلى العراق".

لم تكن مشكلة سناء، 47 عاماً، في تعامل الحكومة الألمانية معهم أو مع الجهات المسؤولة عن شؤون اللاجئين، بل كانت مع الذين يسكنون معها في المخيم من جنسيات مختلفة. "كنا نقيم مع أفغان وإيرانيين، وكان التحامل العنصري عميقاً فيما بيننا. ولم أستطع التكيف مع اتجاهاتهم الفكرية المختلفة. كنت خائفة وقلقلة جداً على بناتي منهم".

مشاعر الطائفية المعادية

ويضيف عامر، الذي لم يتجاوز العقد الثالث من عمره "بعض شرائح المجتمع الألماني تتصرف مع اللاجئين الجدد بحذر شديد، خاصة المسلم الذي يرتدي لباساً دينياً".

لكنّه يعود ويؤكد أنّ المشكلة في المهاجرين، يقول "هناك فجوة كبيرة فيما بيننا وخلافات كثيرة، إذ لا يستطيع الكثير من المسلمين تقبل الذي من طائفة أو مذهب آخر حتى في المهجر".

ويشير إلى أنّه غيّر مكان سكنه لأكثر من مرة بسبب مشاعر الطائفية المعادية "لم تكن لدّي القدرة على السكن مع الذين يحملون أفكارهم المتطرفة ضدي باستمرار".

موضوعات متعلقة:

قلق أردني بعد مقتل ستة جنود على الحدود السورية

سحب جنسية عيسى قاسم… انزعاج أميركي وتهديدات إيرانية

"للأسف، تجد المسلم في بلده لا يهتم كثيراً في اتباع تعاليم الدين الإسلامي، لكن ما أن يصل إلى أوروبا حتى يبدأ في اتباعها بتطرف كبير، وكأن فكرة الحرب ضد المسلمين تثار لديه في المهجر"، حسب الشاب.

يحاول عامر الآن ترتيب وضعه للعودة إلى العراق فهو لم يستطع الاندماج بسهولة لا مع المجتمع الأوروبي ولا الأقليات العربية. أشعر بعدم قدرتي على التواصل أو البدء بحياة جديدة، فلا عمل ولا مساعدات كافية".

غاية في الصعوبة

أما وليد غيدان الذي عاد إلى العراق قبل ثلاثة أشهر بعدما عاش في ألمانيا لأكثر من 12 عاماً لعدم قدرته على لم شمله مع خطيبته التي تسكن في العراق.

يقول وليد، 39 عاماً، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "كنت أتوقع بأنّني أمتلك فرصة أكبر من غيري، وأنّ سنوات مكوثي الطويلة في ألمانيا ستساعدني، كما كان يحدث في السابق، وتسهل عملية وصول خطيبتي التي عقد قراننا قبل أشهر، لكن يبدو أنّ الأمر أصبح في الآونة الأخيرة غاية في الصعوبة، بسبب الهجمات الإرهابية على أوروبا".

وبسبب تأخر موافقات لم الشمل وتعطل إجراءاتها كثيراً، اضطر وليد للعودة إلى العراق. "رفضت عائلة خطيبتي الانتظار أكثر، وارتفعت مخاوفهم على ابنتهم بعدما سمعوه عن سوء أوضاع المسلمين في أوروبا".

وعلى الرغم من أنّ وليد لم يكن من المتشددين في التزامهم بتعاليم الدين الإسلامي، إلا أنّه وجد مخاوف أهل خطيبته مقنعة بعض الشيء. "خطيبتي ملتزمة دينياً، لذا كانت قلقة من العيش في أوروبا بعد الزواج".

يعيش وليد حالياً في منزل شقيقه في العاصمة بغداد، ولا يزال يبحث عن فرصة عمل مناسبة. "الحياة في المهجر صعبة ومخيبة للآمال، وأعتقد أنها ستسوء أكثر"، على حد قوله.

*الصورة: لاجئون عراقيون في أوروبا/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".