بقلم خالد الغالي:

في مسجد صغير ببلدة فورت بيرس بولاية فلوريدا، أدى عمر متين صلاة الجمعة، قبل أن يقوم بعد يومين بإطلاق النار في ملهى للمثليين في مدينة أورلاندو، مخلفا مقتل 49 شخصاً.

قبل عامين بالضبط، كان يتردد على المسجد ذاته منير محمد أبو صالحة، وهو أول أميركي ينفذ عملية انتحارية في سورية.

انتقل "أبو هريرة الأميركي"، وهو اللقب الذي صار يعرف به أبو صالحة، إلى سورية وانضم إلى جبهة النصرة، قبل أن يقود شاحنة تحمل 17 طناً من المتفجرات ويفجر نفسه في حاجز للقوات النظامية في إدلب شمال سورية.

وضع اعتداء أورلاندو وذكرى أبي هريرة الأميركي الجالية المسلمة في فورت بيرس في وضعية صعبة، عرضة للخوف والتهديد.

"إنه حظنا السيء"، يقول عادل نفزي، أستاذ للكيمياء وعضو مجلس إدارة المسجد الذي يمثل أيضا المركز الإسلامي لفورت بيرس، في تصريح لصحيفة واشنطن بوست.

وتقع فورت بيرس جنوب شرق فلوريدا، ويقطنها 41 ألف نسمة. وتحاول الجالية المسلمة هناك تدارك الأوضاع.

"اذهبوا إلى الجحيم"

مباشرة بعد الحادث، أعلن المركز الإسلامي لفورت بيرس إدانته الشديدة للهجوم وقدم تعازيه لعائلات الضحايا.

وتبرع كثير ممن أدوا الجمعة إلى جانب عمر متين بالدم لإسعاف الجرحى، كما جمع المصلون تبرعات مالية في المسجد الذي ما زال يحافظ على شكله الأصلي منذ كان كنيسة. لم يتغير شيء سوى الصليب الذي أزيل من على السطح.

https://www.facebook.com/icfp2/posts/513336812210600

لم يمنع كل هذا من أن يجد المركز الإسلامي نفسه في دائرة الاتهام. وكتب مراسل وكالة الصحافة الفرنسية، ناقلاً صورة الوضع أمام المسجد "من سيارة "بيك أب" تعبر (..) يصرخ أحدهم "اذهبوا إلى الجحيم أيها القاذورات". ومع توالي وصول المسلمين إلى المركز تتوالى الشتائم التي ترافقها أصوات أبواق السيارات بشكل منتظم. وتتراوح الشتائم من "الموت لمحمد" إلى "أيها الخنازير".

وهناك، تخوف رسمي من أن يتطور الأمر إلى اعتداءات ضد المسلمين. وأعلن المدعي العام الفيدرالي لي بنتلي أنه لن يتم التساهل مع أي تهديد ضد المسلمين.

وقال بنتلي في تصريحات صحافية "التلفظ بتهديدات ليس خطأ فحسب، بل في معظم الحالات، غير قانوني. ويجب أن يتوقف ذلك".

موضوعات متعلقة:

ما بعد اعتداء أورلاندو: مسلمون في واشنطن يدعون إلى التسامح

مأدبة إفطار في أميركا تجمع مسلمين ومسيحيين ويهود

وأمام المركز الإسلامي في فورت بيرس، حيث تعود أكثر من مئة شخص أن يتناولوا جماعيا طعام الإفطار في رمضان، لم يعد يأت سوى عدد قليل.

ويقول بدار بخت، الذي يشرف على عملية إعداد الطعام، لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية "نشعر بالخوف"، مضيفاً أن المصلين "يتجمعون عند الانتهاء من صلواتهم ولا يغادرون المسجد إلا جماعات".

ويؤكد بخت، وهو في الخمسينات من عمره وينحدر من باكستان، أن المسجد يتلقى اتصالات من أشخاص يتركون "رسائل غبية".

 سيناريو يتكرر   

يقدر عدد مسلمي أميركا بحوالي 3.3 مليون نسمة. وبعد كل حادث إرهابي يضعون أيديهم على قلوبهم، حيث يرافق الهجمات الإرهابية دائماً ارتفاعاً في مستوى جرائم الكراهية ضد المسلمين.

https://twitter.com/YZaatreh/status/742098651258982402

فعقب هجمات باريس في تشرين الثاني/نوفمبر وسان برناردينو في كانون الأول/ديسمبر 2015، تضاعف استهداف المسلمين في الولايات المتحدة ثلاث مرات، حيث وصل عدد الاعتداءات إلى 38 في أقل من شهر.

وحسب إحصائيات مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية تعرض 63 مسجداً ومركزاً إسلامياً في أميركا لاعتداءات معادية للمسلمين خلال سنة 2015، في رقم هو الأعلى منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.

وتتعرض صورة الإسلام بدورها للتشوه: 46 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن الإسلام أكثر قابلية من الديانات الأخرى لأن يشجع العنف، حسب معهد بيو للدراسات في واشنطن.

وليس الأمر حكراً على الولايات المتحدة الأميركية، ففي بريطانيا كشفت التقارير أن المسلمين تعرضوا لأكثر من 100 هجوم عنصري، خلال الأيام العشر الأولى التي  تلت هجمات باريس، وهو ما يعني ارتفاعا بنسبة 300 في المئة.

وكانت غالبية الضحايا فتيات ونساء تتراوح أعمارهن بين 14 و45 عاماً، ويرتدين أزياء تؤكد انتماءهن الديني.

*الصورة: خلف هجوم أورلاندو 49 قتيلاً. في الصورة بعض عائلات الضحايا يبكون أقرباءهم/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".