بقلم إلسي مِلكونيان:

أجبرت الحروب الكثير من مواطني الدول العربية على ترك بلدانهم واللجوء إلى الدول الغربية بحثاً عن حياة أفضل.

ففي الولايات المتحدة مثلاً، تم قبول 40 ألف لاجئ خلال عام 2016 منهم 5385 عراقيا و2805 سوريا إلى جانب جنسيات أخرى، حسب مركز بيو للأبحاث. كما أعلن وزير الخارجية جون كيري أن عدد اللاجئين الذين ستستقبلهم بلاده من جميع أنحاء العالم سيصل عددهم إلى 100 ألف لاجئ في 2017. 

لكن كيف ينظر اللاجئون إلى حياتهم ومستقبلهم بعد الاعتداءات الإرهابية مثل اعتداء أورلاندو الأخير والذي راح ضحيته 49 شخصاً وعشرات الجرحى؟

نسلط الضوء هنا على حياة لاجئين كشفوا لموقع (إرفع صوتك) جوانب من تجربتهم في حياتهم الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال لا الحصر.

الخوف من الآخر

دلال، لاجئة عراقية، تعيش في ولاية كنتاكي منذ ثلاث سنوات مع عائلتها. بدأت تعمل كمترجمة لوزارة اللاجئين في مدينة ليكسنغتون في الولاية ذاتها إلى أن طوّرت نطاق عملها فباتت تترجم لحساب جهات عدة.

كانت تتخوف من القصص التي قصها عليها عرب آخرون، أتوا إلى أميركا في وقت سابق حيال معاملة الغرب للمسلمين أو التمييز العنصري ضدهم، لكن ما اختبرته هنا كان مختلفاً.

موضوعات متعلقة:

داعش.. “الهدم أولاً والانتحار للتطهُر من الذنوب”

هكذا يندمج اللاجئون في المجتمعات الغربية

"بما أننا نأتي من بلد كان يعيش فيه المتطرفون وينفذون أعمالاً إرهابية، يشك بعض الناس في المجتمعات الغربية أننا قد نكون متطرفين أيضاً، حيث أن من سبب الإعتداءات الإرهابية في دول العربية وحتى الغربية هم مسلمون أيضاً".

وتضيف "سمعت من عدد من الوافدين السابقين إلى الولايات المتحدة  قصصاً تتعلق بالتمييز العنصري. فهم يقولون إنه عقب تفجيرات أو حوادث اعتداء، كالذي حصل في أورلاندو يمكن أن تتغير معاملة الناس هنا حيالنا وأن يعتبروننا إرهابيين لأننا مسلمين حيث أن من أطلق النار هو مسلم أيضاً، ما يشعرني بالقلق والخوف من معاملة الآخرين لي. لكنني شخصياً لم أواجه بعد مواقف كهذه".

وكونها فتاة محجبة، تواجه دلال أسئلة حول الحجاب الذي ترتديه  فتقوم بشرح الأسباب لمحدثيها ومعنى الحجاب بالنسبة للمسلمين.

الخوف من المستقبل

لكن دلال ليست الشخص الوحيد الذي يشعر بالقلق من الآخر، بل إنّه أمر يواجه كل من فرّ من الحروب والإرهاب.

سلاف قري، لاجئ من سورية. بعد أن ساءت الأوضاع في بلاده ترك عمله كمسؤول في شركة سياحة وسفر وأتى إلى الولايات المتحدة منذ أربعة أشهر وهو حالياً يبحث عن عمل.

يقول قري "أشعر بالأسف لحادث أورلاندو وغيره من الإعتداءات الإرهابية وأستنكر هذا"، ويضيف "قد تدفع الأفعال الإرهابية البعض إلى معاملتنا بشكل مختلف، إلا أنه لا يشمل غالبية الناس، فهم يعلمون أن هذا عمل إرهابي لا دخل لي (أو لغيري) من اللاجئين فيه".

ويضيف "أشعر بالقلق في حال تكرار هذا الاعتداء في المستقبل، لأنه سيجعل (شريحة أكبر من المواطنين) تغير تعاملها معنا وحيث أنني أبحث عن عمل، سيجعل الشركات ترفض طلبات التوظيف التي أقدمها لأنني مسلم، وأنا لا ذنب لي بالأصل".

الانفتاح على الآخر وسيلة لتجاوز الخوف

سهد خلقة، طالب عراقي في الهندسة المدنية بجامعة ساوث كارولاينا، أتى من العراق مع عائلته منذ ثلاث سنوات ونصف وهو الآن بصدد التحضير لرسالة الدكتوراه.

يصف حياته في الولايات المتحدة أنها "حياة أمنة" ولا تتأثر سلباً بحوادث الاعتداء، ويضيف "أعتقد أن هذا حادث فردي ولا يمثل المجتمع الأميركي". ويتابع "لا يمكن أن نشعر بالخوف طالما أننا نحترم القانون. والدولة التي تحترم القانون لا تجعل سكانها يشعرون بالخوف".

وعاشت زوجة خلقة تجربة مماثلة. فعندما أتت إلى أميركا لم تكن تتكلم الإنكليزية، لكنها بجهد ومثابرة استطاعت الحصول على منصب إداري في متجر كبير.

ومن تجربته يشير خلقة إلى عوامل عدة ساعدته على الاندماج والنجاح فيما يصبو إليه وكسر حواجز الخوف، قد تساعد غيره من لاجئين ووافدين أيضاً:

أولاً: الانفتاح على حضارة وشعب البلد المضيف والاحتكاك بالآخرين بثقة. فالمجتمعات الغربية لا تعرف الكثير عن الشعوب العربية.

ثانياً: أن يلتزم الإنسان بقوانين البلد المضيف فهذا واجب على كل شخص مهما كان عرقه أو لونه أو دينه.

ثالثاً: أن يجتهد في عمله فالشخص المثابر يمكن أن يصل إلى مناصب عليا.

*الصورة: أجبرت الحروب الكثير من مواطني الدول العربية على ترك بلدانهم/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".