بقلم حسن عبّاس:
في اليوم التالي على اعتداء أورلاندو، اقترح على زوجته أن يذهبا مساءً إلى أحد مساجد العاصمة الأميركية واشنطن. لكنها فاجأته بقولها له "قد نتعرّض إلى ردود فعل غاضبة"، مقترحةً تمضية الوقت في المنزل.
اقتنع الشاب البالغ من العمر 30 عاماً والقادم حديثاً إلى الولايات المتحدة الأميركية باقتراح زوجته. بقيا في المنزل، بحسب ما روى لموقع (إرفع صوتك) مفضلاً عدم الكشف عن اسمه.
هي واقعة من عشرات الوقائع التي تحدث مع المسلمين الأميركيين أو الذين يعيشون في أميركا بعد كل اعتداء إرهابي.
حياة على إيقاع مختلف
تفرض الاعتداءات الإرهابية التي ينفّذها إسلاميون متطرّفون وكذلك صور الفظائع التي يرتكبونها في دول الشرق الأوسط إيقاعها على حياة المسلمين الأميركيين. فقد كرّست صورة المسلم كشخص يعتنق ديناً يحضّ على العنف وقمع المرأة في أذهان أوساط غربية واسعة.
منى، 32 عاماً، هي طبيبة جزائرية انتقلت إلى الولايات المتحدة منذ ست سنوات. ارتدت الحجاب منذ أن كان عمرها ست سنوات، وكان الحجاب بالنسبة إليها تعبيراً عن هوية إسلامية تحبها وتعتز بها كثيراً.
موضوعات متعلقة:
تعرّف على قوانين الحرية الدينية في الولايات المتحدة
مغترب جزائري: يسألونني “هل يأمركم القرآن بقتلنا؟”
اندمجت منى في المجتمع الأميركي وتعرّفت على الكثير من الأصدقاء. لكنها في الفترة الأخيرة صارت تشعر بتصاعد لغة الإسلاموفوبيا في محيطها، خصوصاً بعد أن دخل وجود المسلمين في أميركا في السجالات الدائرة على خلفية الانتخابات الرئاسية الأميركية.
أثار تصاعد هذه اللغة المعادية للمسلمين مشاعر الخوف والقلق في قلب منى. لكن بعد أن حصل الهجوم على عائلة أميركية في ولاية نورث كارولينا في شباط/فبراير عام 2015، شعرت أن عائلتها قد تتعرض للخطر بسبب هويتها الإسلامية. وقادها ذلك إلى اتخاذها قراراً مفاجئاً. قرّرت أن تخلع الحجاب.
وقالت منى لموقع (إرفع صوتك) "صرت أشعر بنظرات غريبة حين أخرج مع زوجي وابنتي الصغيرة، وحجابي هو الإشارة التي تدلّ على هويتي. ولكي لا أعرّض نفسي وعائلتي للخطر قررت التخلي عن هذا الشيء الذي يدلّ على انتمائي. وكان القرار صعباً بالنسبة إلي ولكنّي رأيت أنه لا بد منه. لا أحب أن ينظر الناس إليّ أو يتعاملوا معي انطلاقاً من أفكار مسبقة".
كل شيء يختلف
بعد اعتداء أورلاندو، عانى المسلمون القاطنون في منطقة فورت بيرس حيث كان يعيش منفذ اعتداء أورلاندو من نظرة غير المسلمين إليهم. فقد تعرّضوا للكثير من التحرّشات اللفظية والشتائم، حتى أنهم صاروا يخافون من ارتياد مسجد المركز الإسلامي القائم هنالك.
وتعبيراً عن مشاعر الكراهية التي نشأت ضد المسلمين، تأسست صفحة على فيسبوك بعنوان "أغلقوا المسجد".
وقالت سيدّة شاركت في النقاشات الدائرة عليها "لا يجب أن يتواجد المسلمون على التراب الأميركي بأي شكل. عاداتهم تختلف عن عادات الأميركيين. هم هنا لسبب واحد هو تدمير أميركا وتدمير نمط حياتنا ومستقبل أطفالنا. وإذا لم نتيقّظ، سنُقتل".
وقال آخر "لينقلوا المسجد إلى المملكة العربية السعودية".
ولكن بعض الفئات الاجتماعية قرّرت التضامن مع المسلمين ومحاربة إسقاط فعل فرد على مجموعة واسعة. ومن هؤلاء ماتيلدا بريسبي التي تضامنت مع المسلمين من منطلق كونها "امرأة متحوّلة الجنس ومثلية". وقالت "سأقوم بكل ما أقوى عليه للتغلّب على الجهل وسأدعو آخرين لحذو حذوي". هذا ما كتبته على صفحة المركز الإسلامي في فورت بيرس على فيسبوك، وهو ما قامت به فعلياً بحسب ما يظهر من صفحتها الخاصة على الموقع نفسه.
اللامرئيّون
في تحليل كتبه الباحث النمساوي فريد حافظ، قال "لم تعد الذات الإسلاميَّة اليوم قادرةً على التفكير بذاتها خارج نطاق مخزون المعرفة الرائج حول الإسلام، والذي يربط الإسلام بخطابات الإرهاب والعنف والفصل بين الدين والمجتمع، فيمنعها من أن تكون كينونتها في المحصِّلة. مجرَّد كينونة. أن تكون إنساناً".
هذا يعني أن المسلم الذي يعيش في العالم الغربي صار يجد نفسه مضطرّاً دائماً إلى تبرير إسلامه. فقد صارت النظرة السلبية إلى الإسلام تفرض نفسها عليه وتجبره على خوض نقاشات ربما لم يكن يريدها.
هذا بالضبط ما حصل مع السيّدة الأميركية جيسي كونينغهام، بعد اعتداء أورلاندو. فقد وجدت نفسها مضطرة لتبرير هويتها. فكتبت على صفحة المركز الإسلامي في فورت بيرس على فيسبوك "أنا امرأة مسلمة من فورت بيرس. أنا بيضاء وأنا أيضاً مواطنة أميركية. منذ أن تحوّلت إلى الإسلام، وأنا كل ما أفعله هو محاربة الإسلاموفوبيا ومحاولة أن أثبت لكل الناس أن المسلمين هم أشخاص جيّدون. أُطعم المشرّدين في عيد الميلاد. أتبرع بالمال بقدر استطاعتي. أروّج للسلام وأدين الاعتداءات العنيفة".
هؤلاء هم المسلمون المرئيّون. لكن فريد حافظ يشير إلى نوع آخر من المسلمين في العالم الغربي. إنهم المسلمون اللامرئيون الذين لا يريدون أن يفرض عليهم إسلامهم طبيعة حياة ومحادثات يحدّدها لهم الآخرون.
في حالة منى، هي قرّرت التحوّل إلى مسلمة لامرئية لأن هذا سيريحها أكثر.
الصورة: رسم غرافيتي في سانتا ماريا/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659