بغداد – بقلم دعاء يوسف:

 "كن حذراً في الأماكن المزدحمة"، هذه أول عبارة يسمعها حمزة عباس من والدته وهو يهم بالخروج من المنزل.

الإحباطات في البلاد كثيرة

حمزة، الذي يعمل في محل لبيع الأجهزة الكهربائية في سوق بغداد الجديدة الشعبي الذي شهد عددا من الهجمات الانتحارية الإرهابية، يقول بحسرة لموقع (إرفع صوتك) "لا يوجد في العراق حياة طبيعية. نحن نحمد الله بعد انتهاء اليوم الذي لم نتعرض فيه لحادث إرهابي... صارت الأمنيات أن نبقى على قيد الحياة فقط".

ويردف حمزة أن خوفه ليس من السيارات المفخخة والانتحاريين على قدر ما هو خوف وقلق من أن يبقى حيّاً لكن بإصابة جسدية في حال أصيب بإحدى هذه الحوادث الإرهابية. "أتمنى أن أموت ولا أن أكون عالة على أهلي والمجتمع بسبب العجز الذي قد تحدثه إصابة بحادث إرهابي".

موضوعات متعلقة:

أكثر 10 عمليات دموية في العراق منذ 2003

شيخ جزائري عن الانتحاريين: من كبائر الذنوب

يقول الشاب الذي لم يفكر حتى الآن بالزواج على الرغم من أنّه قد تجاوز العقد الثاني من عمره بسبب خوفه من الأوضاع في العراق "الإحباطات في البلاد كثيرة ويكاد يكون الاستقرار الأمني أكثرها عند الشباب الذين ينتظرون فرصة مناسبة للهجرة كحالي".

كانوا يشبهونني في حب الحياة والوطن

"الهجمات الانتحارية التي تنفذها التنظيمات الإرهابية هي وسيلة لإبادتنا"، هي العبارة التي ستسمعها من كل بغدادي تسأله عن مشاعره تجاه استمرار هذه الهجمات في العاصمة. يقول أمير محمد علي "إنّني وبعد كل حادث انفجار، أشعر باليأس إلى الحد الذي يفقدني القدرة أو الرغبة في التواصل مع الناس لأيام عدة".

ويضيف أمير، 31 عاماً، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "الانتحاريون والحوادث الإرهابية يثيرون في داخلي حالة من الرعب. أخاف خسارة حياتي لأن كل ضحايا الهجمات الإرهابية كانوا يشبهونني في حب الحياة والوطن".

التفكير بالزواج

أما كريم العطار، 37 عاماً، فهو يشعر باليأس من إمكانية تحسن الوضع الأمني في البلاد. ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك ) "بعد كل حادث تفجير يذهب ضحيته أبرياء، أعيد من جديد السؤال عن أحلامي ومستقبلي وثقتي بحكومتنا. اكتشفت مؤخراً بأنني لم أعد أستطيع أن أستمر بالحياة في خضم الأوضاع المؤلمة والمخيفة التي تحدث لنا".

ويضيف كريم الذي يعمل في متجر لبيع المواد الغذائية "في كل مرة أُسأل عن سبب عدم التفكير بالزواج، أخبرهم بأنني أنتظر حتى تستقر الاوضاع في البلاد لأني لا استطيع الاستقرار في مجتمع غير آمن. وها أنا بدأت أعبر العقد الثالث من عمري ولما زلت أنتظر حتى الآن دون زواج".

"لم يكن بإمكاني أن أفكر بالزواج وأنا أشاهد يومياً العشرات من الأرامل والمئات من الأطفال اليتامى بسبب حوادث الانفجار"، يقول الشاب.

المعادلة تبدو صعبة على الأم

"أتمنى أن أموت ولا أن أسمع أن أبني قد كان ضحية لحادث إرهابي"، تقول خديجة ابراهيم وهي أم لثلاث أبناء أكبرهم لم يتجاوز العقد الثاني من عمره.

خديجة التي فقدت زوجها في حادث سيارة مفخخة في العام 2008 بالعاصمة بغداد تضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "تمنيت مراراً أن يهاجر أبنائي من البلاد، لكن كيف وأنا لا أستطيع العيش بعيدة عنهم؟".

وتشير إلى أنّ عليها أن تؤمن بأن الموت حق، لكن المعادلة تبدو صعبة على الأم في العراق، "لذا فالخوف والقلق يملآن قلبي كلما غادر أحد أبنائي المنزل لحين عودته".

خديجة لا تختلف عن باقي الأمهات في العراق، فهن لا يتركن هواتفهن النقالة طيلة فترة غياب أولادهن وبناتهن عن البيت للاطمئنان عليهم. "عندما أسمع بخبر حدوث انفجار في منطقة ما في بغداد، أكاد أجن حتى يعود أبنائي إلى البيت رغم اتصالات الهاتفية المتكررة للاطمئنان عليهم"، تقول الأم.

لقد تغيرت وتشوهت أحلامي

أما حسين المحمداوي الذي كان في العام 2015 لا يبعد سوى خطوات عن مكان انفجار سيارة مفخخة في سوق شعبي ببغداد، فيقول لموقع (إرفع صوتك) "حيث رائحة الدماء والدخان كنت أقف. وككل شيء أصبح لا قيمة له في حياتنا كان عليّ أن أتعود على هذا الحال".

فبعد ساعات من حدوث أيّ هجمة إرهابية، يعبر حسين كعادة باقي البغداديين من طريق وقعت فيه هجمة أو حادث انفجار نحو مكان عمله، لكن بمشاعر يغمرها القلق والحزن.

يضيف الشاب الذي لم يتجاوز 28 عاماً من عمره "ومع كل حادث أتذكره أو مع عبوري من طريق شهد الكثير من الهجمات الإرهابية، أبكي حزناً. كان يقيني بأنني الضحية التالية أو التي سيأتي عليها الدور قريباً".

"لم أعد واثقاً من مقدرتي بشكل أو بآخر على انتظار القادم الأجمل. لقد تغيرت وتشوهت أحلامي، خاصة بعدما فقدت ثلاثة من أصدقائي في حادث انفجار سيارة مفخخة"، على حد قوله.

تحدي الموت

"على الرغم من كل المخاوف التي نعيشها، فهناك دائماً فسحة أمل"، تقول بشرى عادل التي تتطلع إلى المستقبل المجهول الذي ينتظر العراقيين بقليل من الأمل.

وتضيف بشرى، التي تعمل في وظيفة حكومية، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "هناك حالة من الانكسار والخوف بعد كل حادث انفجار يروح ضحيته العشرات من الأبرياء، لكن تبقى عزيمتنا على البقاء أكبر".

وتشير إلى أنّ الدليل في إصرار العراقيين على تحدي الموت هو أنّه "وبعد كل انفجار يحدث في شارع أو مكان تعود الحياة إليه من جديد وكأن شيئاً لم يكن".  

*الصورة: "كان يقيني بأنني الضحية التالية أو التي سيأتي عليها الدور قريباً"/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".