بقلم حسن عبّاس:

"نُزيل الشرك من الأرض ونعلن التوحيد إلى الله سبحانه وتعالى ونطهّر المساجد من الشرك والبدع والضلالات".

هذا مما قاله أحد عناصر داعش في فيديو تحدث فيه وتظهر خلفه جرافة تقوم بهدم أحد المقامات الدينية. فالتنظيم يعتبر في أيديولوجيته أن تدمير التراث الديني هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولكن ما يقوم به يتناقض مع فهم الأغلبية للإسلام. فبعد تدميره قبر النبي يونس، في تموز/يوليو 2014، اعتبر مفتي مصر شوقي علام أن "ما يقوم به هذا التنظيم الإرهابي من اعتداء على قدسية الأنبياء وحرمة الأضرحة والمقامات ونبش قبور الأنبياء والصالحين، لا يقره أي مذهب من مذاهب المسلمين وهو عمل لا علاقة له بالإسلام ولا بأي دين من الأديان، بل وتخطى كذلك كل حدود الطبائع الإنسانية السوية".

بين سورية والعراق واليمن، دمّر داعش عشرات المقامات الدينية التي تحظى بالقدسية لدى فئات واسعة من المسلمين.

مرقد السيد محمد ابن الإمام الهادي

في آخر فصول جرائمه، شنّ داعش الجمعة، 8 تموز/يوليو، هجوماً على مرقد السيد محمد ابن الإمام الهادي في قضاء بلد في محافظة صلاح الدين العراقية، ما أسفر عن مقتل 40 شخصاً وإصابة 74 آخرين.

موضوعات متعلقة:

مسؤولون عراقيون: الفساد في المؤسسة الأمنية يقتل الناس كما يقتلهم داعش

منطقة أردنية.. وهاجس الخوف من القذائف

واستهدف التنظيم المرقد بقذائف الهاون، ثم هجم خمسة انتحاريين عليه وعلى سوق تجاري قريب منه وأطلقوا النار على الناس قبل تفجيرهم أحزمتهم الناسفة.

نهار 25 تموز/يوليو الكارثي

في 25 تموز/يوليو 2014، شنّ داعش حملة واسعة لتدمير مقامات أنبياء وأولياء في المناطق التي كان قد سيطر عليها في العراق.

فقد فجر في الموصل مسجد النبي شيت، ثالث أبناء النبي آدم بحسب الديانات السماوية، ومسجد النبي يونس التاريخي، ومرقد النبي جرجيس.

وفي اليوم نفسه، وفي الموصل أيضاً، فجّر مسجد الإمام عون الدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو قبر تاريخي بني فوقه مسجد عام 1248، ونسف محيط مرقد الإمام أبو العلى في منطقة باب جديد، وفجّر مرقد الإمام يحيى أبو القاسم في منطقة الشفاء، ومقام الإمام العباس في قرية الكبة.

العراق أيضاً...

وفي الثامن من شباط/فبراير 2015، هدم داعش ضريح وجامع الإمام محسن وسط الموصل بالجرافات، بعد سرقة محتوياته.

وفي 25 أيلول/سبتمبر 2014، فجّر مزار الأربعين صحابياً في وسط مدينة تكريت التي كانت آنذاك خاضعة لسيطرته. ويضم المزار قبور 40 صحابياً قُتلوا خلال الفتوحات الإسلامية في تكريت، في زمن خلافة عمر بن الخطاب. وقد أُقيم فوق قبورهم مدرسة دينية ومسجد وعدد من القباب.

وقبل ذلك، فجّر التنظيم المتطرّف في 13 آب/أغسطس 2014 مقام الإمام الرضا بالقرب من سهل نينوى، كما فجّر مرقد الإمام السلطان عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب في 4 يوليو 2014.

تفجير ضريحي أويس القرني وعمار بن ياسر

ومن بين كل انتهاكات داعش للأماكن ذات القدسية في سورية، اهتم الإعلام بشكل أكبر بتفجير ضريحيْ أويس القرني وعمار بن ياسر في مدينة الرقة في 26 آذار/مارس 2014.

فمسجد أويس القرني، أو مقام الصحابي عمّار بن ياسر يضمّ ضريحيْ المذكورين وأضرحة أخرى. وهو مجمع مطليّ باللونين الأبيض والفيروزي ويضم قباباً ومآذن تتوسطها باحة مكسوة بالبلاط. وقد بُني المسجد بدعم من إيران، لأن بن ياسر هو من الصحابة الذين يجلّهم الشيعة، ولذلك كان مقامه مقصداً للزوار الشيعة.

تدمير التراث السوري

ولكن جرائم داعش الأخرى كثيرة. ففي 22 حزيران/يونيو فجّر داعش عدداً من المقامات الدينية في مدينة تدمر، ومنها مزار محمد علي، سليل الإمام علي بن أبي طالب، ومقام وضريح نزار أبو بهاء الدين الذي شُيّد قبل أكثر من 500 عام.

وشهد عام 2014 استهدافاً ممنهجاً لمزارات وأضرحة الطريقة الصوفية الرفاعية. ففجّر داعش مزار عين علي، ومزار الشيخ أنس، وضريح الشيخ الشبلي، وقبر الشيخ محمود الأنطاكي، ومقاميْ الشيخين عبد اللطيف عبد القادر الرفاعي وعيسى عبد القادر الرفاعي، في دير الزور. كذلك، نقل رفات الشيخ عبد الصمد من مكانها بعد إزالة ضريح مشيّد فوق قبره في مدينة الميادين في دير الزور.

وعام 2014، فجّر مزار النبي داود في قرية دويبق بريف حلب، ومزار الشيخ عبد القادر الجيلاني في قرية خربة زينب بريف سلمية، وأزال الأضرحة الموجودة في الجامع القديم الأثري بمدينة الرقة، ودمّر ضريح الصحابي عبد الله بن مسافع القرشي وضريح الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وفجّر مقام وضريح الشيخ الصوفي أحمد خزنوي في تل معروف، ومقام الشيخ عقيل المنبجي في منبج بريف حلب.

وفي العام نفسه، فجّر مقام "ستي رحمة" زوجة النبي أيوب في قرية بلشون بريف إدلب، وجامع قرية الشيخ هلال في ريف حلب الشمالي، بحجة وجود قبر قديم للشيخ هلال داخله.

لليمن نصيبها أيضاً

ولم تسلم اليمن من هذا النوع من الانتهاكات. ففي بداية كانون الأول/ديسمبر 2015، فجّر داعش ضريح ولي الله الصوفي المعروف بـ"المغربي"، والواقع في محافظة شبوة.

هذا مع العلم أن تنظيم القاعدة فجّر أضرحة ومعالم دينية كثيرة في مناطق مختلفة من اليمن. وكذلك قامت جبهة النصرة التابعة للقاعدة في سورية بنبش أضرحة أولياء وتخريب مقامات وآثار يتبرّك بها الناس.

الصورة: غرافيتي قنبلة/عن موقع Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".