بقلم علي قيس:

دفعت الانتقادات الشعبية لتراجع أداء الأجهزة الأمنية في العراق، خصوصا بعد تفجير الكرادة في بغداد الذي أودى بحياة 292 شخصا فضلاً عن مئات من الجرحى، عددا من المسؤولين إلى الكشف عن ملفات الفساد التي كانت عاملا مساعدا لتنفيذ التفجيرات في عموم البلاد. ومن بين المسؤولين الذين استعرضوا أثر الفساد في مؤسساتهم، كان وزير الداخلية محمد الغبان الذي أعلن في مؤتمر صحافي الثلاثاء، 5 تموز/يوليو، تقديم استقالته إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي، بسبب الخلل الموجود في الأجهزة الأمنية.

"من عمل على تأخير المنهج الجديد للدولة منذ 2003 لليوم هو الفساد"، يؤكد نائب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد، محمد الربيعي، لموقع (إرفع صوتك)، موضحا "من صفقات الفساد التي كشفناها صفقة لبناء 16 نقطة تفتيش في محيط بغداد بـ170 مليار دينار عراقي، كانت مرتبطة بقيادات أمنية ومحافظ بغداد السابق ودائرة العقود، صوتنا على إلغائها لكن وفق القانون العراقي لا يمكن إلغاء عقود تم توقيعها".

موضوعات متعلقة:

داعش يدمّر مقامات الأنبياء والأولياء

منطقة أردنية.. وهاجس الخوف من القذائف

ويتابع الربيعي "اليوم تم إنجاز 90 في المئة من أربع نقاط تفتيش فقط" ويضيف الربيعي أن من السخرية أن الشركات استلمت الأموال المخصصة لإقامة 12 نقطة تفتيش الباقية، وقاموا بـ "برفع دعوى قضائية في المحاكم ضد المجلس بسبب تهم الفساد التي ينفونها".

 

"الأجهزة الأمنية.. فساد مالي وإداري"

ويضيف الربيعي، وهو نائب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة "من بين صور الفساد يتم إلقاء القبض على متهم أو مجرم وفي الليل يتم الاتصال بالجهة المعتقلة وتؤمر بإطلاق سراح المعتقل لأنه تابع للجهة الفلانية، سواء قومية أو حزبية"، محذرا في الوقت نفسه من أن "البلد سينهار إذا لم نغادر المحاصصة الحزبية ونسلم الملف الامني لأشخاص أكفاء متخصصين مع إعطاء الضوء الأخضر لهم".

ويوضح الربيعي أن "التخطيط الاستراتيجي العراقي والعالمي يحتسب نسبة لتوزيع الشرطة وفقا للمساحة السكانية، وهي قسم شرطة لكل 6500 دار، ويضم 12 عنصرا. أما اليوم فتضاعفت الأرقام إلى العشرات ولكن من دون إنتاج، الأجهزة الأمنية عبارة عن ترهل وظيفي ورواتب وفساد مالي وإداري".

"الفساد وجه آخر لداعش، يقتل الناس كما يقتلهم داعش"، يقول نائب رئيس اللجنة، مشيرا "قبل 2003 كان الشرطي يأخذ مبلغا بسيطا كرشوة، بعد ذلك أصبح بناء الأجهزة الأمنية معتمداً على الرشوة المتوزعة بين صفقات الأسلحة والدروع والأجهزة والملابس وعدد التعيينات الذي فاق المعقول".

ورغم أن الحديث عن إعادة النظر بالملف الأمني غير ممكن من غير توافق الكتل السياسية، بحسب الربيعي، إلا أنه يرى أن "إنسحاب القوى الحزبية من الملف الأمني هو المخرج الأهم من حالة الخلل الموجود في الأمن".

بغداد لا تحتاج خطط أمنية بل استخبارية

ويذهب المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية، الفريق المتقاعد عبد الكريم خلف، إلى أن ثمة أسبابا أخرى تقف وراء تلكؤ عمل الأجهزة الأمنية، ويقول لموقع (إرفع صوتك) إن "السبب الرئيس في تلكؤ أداء القوات هو قصر وفقر الأدوات التي تمتلكها أجهزة الأمن القومي، الاستخبارات والمخابرات والأمن، وهذه الأدوات لا تلبي الحاجة الملحة في تقديم الجهد الوقائي الأمني في الوقت المحدد ومنع الجريمة"، موضحا "لا توجد تشريعات مناسبة ولا بنى تحتية ملائمة تغطي عمل هذه الأجهزة في وقت نحن بأمس الحاجة لعمل هذه الأجهزة بكل طاقتها وقدرتها".

وينتقد الفريق خلف انتشار القوات الأمنية في الشوارع من دون معلومات، ويضيف أنه "أسلوب قديم جعل التنظيمات الإرهابية تتمادى بجرائمها"، موضحا "كلما تجد انتشارا أمنيا كبيرا في الشوارع، قُل إن أجهزة الأمن لا تمتلك معلومات، فنشر القوات الكبيرة هو تعبير عن قصورنا في الحصول على المعلومات".

ويتابع "لو كانت لدينا القدرة الاستخبارية لاستفدنا من هذه القوات في إجهاض العمليات في مكانها، وهذا ما يجب أن يفكر به القادة وهذا ما يجب أن يحصل".

ويختتم خلف حديثه بالتأكيد على أن المؤسسة التشريعية تتحمل الجزء الأكبر من ضعف الجهد الأمني، موضحا "الأسباب في عدم إعادة هيكلة الملف الأمني هي التشريعات، التي لو أقرت لم يكن ليحصل هذا الضعف في أداء القوات الأمنية، التشريعات التي تغطي عمل الأجهزة الأمنية، مركونة على رفوف مجلس النواب".

*الصورة: أمهات يبكين في موقع تفجير الكرادة وسط بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".