الجزائر – بقلم أميل العمراوي:

يستغرب زائرو الجزائر من العرب والأوروبيين من قلة الحركة بشوارع المدن الكبرى وشبه انعدام الحياة الليلية بالجزائر، حيث لا تكاد تجد محلاً تجارياً مفتوحاً بعد الساعة الحادية عشر ليلاً بالعاصمة ناهيك عن المدن الأخرى.

ويرى البعض في ذلك نتيجة حتمية لسنوات الإرهاب التي شهدها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، فيما تحاول السلطات تغيير الوضع عبر تعليمات وزارية تدعو فيها التجار إلى المساهمة في إعادة الحياة للجزائر بعدما تراجعت العمليات الإرهابية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

"الجزائر لا تنام".. مشروع ميت في المهد

وفيما يخصهم، يرى أصحاب المتاجر أنه لا بد من تشديد الأمن في الشوارع درءا للمخاطر قبل وضع أي برنامج لإحياء الشوارع بالليل كمشروع "الجزائر لا تنام" والذي وضعته الحكومة الحالية بدءا من الصيف الماضي (2015) والذي تتم بموجبه برمجة سهرات فنية، لكنه لم يلق رواجا في أوساط الجزائريين نظرا لتخوف التجار والمواطنين على حد سواء من نقص الأمن، خصوصاً وأنهم يسمعون عن عمليات تفجيرية متتالية في أوروبا والشرق الأوسط.

موضوعات متعلقة:

عراقيون مهاجرون: “البلدان المُسالمة الجميلة”… لم تعد آمنة

نازح في كردستان: أخشى ألا أرى الموصل ثانيةً

نسيم مزهود، أب لثلاثة أطفال، التقى به موقع (إرفع صوتك) وهو يجوب الشوارع حاملاً ابنه الأصغر فوق كتفيه يبحث له ولأخويه عن ملابس جديدة. يقول إنه لا يحب الخروج كثيراً خصوصاً في أوقات الليل حيث ينقص الأمن ويفرغ الشارع من زحمته وتغلق المحلات أو معظمها بكبريات المدن.

"أنا أؤمن بأن الموت أمر حتمي، لكني لا أتحمل أن يدفع أبنائي الصغار ثمن مجازفتي بحياتهم. والله أخاف من كل شيء، من السارق، من القاتل، من الإرهابي".

وحول ما إذا كانت الأحداث الأخيرة ساهمت في زيادة الرهاب لديه، يقول نسيم، 40 عاماً، "طبعاً أتأثر بما يجري في البلدان المجاورة، أيمكن أن أثق في مخططات بعث الحياة الليلية وأنا أشاهد يومياً صور القتلى في الأماكن العمومية؟".

نرضخ لهم؟

مروان لعبيدي طالب جامعي يقطن بشارع ديدوش مراد، يقول إنه لم يعش سنوات الإرهاب التي ضربت الجزائر، لكنه يسمع عن عمليات القتل والتفجيرات التي هزت الجزائر حينذاك. ويشير في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إنّه لا يفهم لماذا لا يحاول الجزائريون تجاوز تلك الحقبة.

"يروي لي كثيرون ممن يكبرونني سنًا، كيف كان ان هذا الشارع الذي أسكن فيه كان يعج بالناس خصوصاً خلال ليالي الصيف، أنا لم أر ذلك هنا. رأيت ذلك في تونس فقط وأعتقد أنهم أيضاً يسيرون في نفس طريق الانغلاق لما شهدوا من عمليات تفجيرية، إنه أمر مؤسف أن يرضخ الجميع للإرهابيين".

وتلفت السيدة مجيدة حميتي، وهي أم لطفلين، إلى أنها وعلى الرغم من حبها للخروج ليلاً رفقة زوجها، إلا أنها تخاف أن تكون عرضة للمضايقات بل أن تذهب ضحية أي عمل إجرامي سواء كان إرهابيا أم لا.

وتقول لموقع (إرفع صوتك) "أحب الخروج كثيراً لتغيير الجو، لكنني لا أفعل ذلك دوماً لأنني أخاف من الأماكن العمومية فهي محل استهداف الإرهابيين. وكلما ذهبت إلى المطار مثلا أتذكر إبنة خالتي التي راحت ضحية إحدى التفجيرات، أعلم أن ساعة الموت لا يمكن الهروب منها، لكني لا أفضل الموت مقتولة".

 أخرج رغم أنفهم

العم محمود، رجل مسن كان يعمل طوال سنين بفرنسا قبل أن يتقاعد ويعاود الجزائر العاصمة. يؤكد لموقع (ارفع صوتك) أنه استغرب كيف أضحت شوارع العاصمة شبه مهجورة بعد مغرب الشمس، مقارنة بحالها سنوات السبعينيات من القرن الماضي حيث كانت تعج بالشباب والسياح من جميع أنحاء العالم.

وإذ يتأسف العم محمود لمآل الجزائر، يؤكد أنه لا يأبه لما يمكن أن يحدث ويفضل الخروج رفقة أحفاده إلى الشواطئ ليلاً حيث دور اللعب والتسلية.

ويقول الرجل "أنا لا أخاف الموت لأنه أمر حتمي، ولا أخاف خطر الإرهابيين لأن خوفي منهم فيه إعانة لمشروعهم الظلامي. لا يمكن أن أسطر حياتي تبعاً لأفعالهم، أنا أستنكر ما يفعلونه بإخواننا في العراق وسورية وجميع أنحاء العالم لأن الغرب إخوان لنا في الإنسانية... هل أنا مخطئ؟".

وعن الحلول التي يراها مناسبة لجعل الناس يخرجون رغم تخوفاتهم جراء ما يسمعونه من أنباء عن تفجيرات بالأماكن العامة، يؤكد المتحدث ذاته صعوبة الأمر موضحا "أتفهم من يخاف الخروج، لا يمكن أن تحث الناس على الخروج ما لم توفر لهم الأمن. ولا يمكنك ذلك لأنك لا تستطيع التنبؤ بأي عمل انتحاري فالكل مهدد والجميع يمكن أن يكون متورطاً".

*الصورة: "إنه أمر مؤسف أن يرضخ الجميع للإرهابيين"/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".