بقلم علي عبد الأمير:
ظلت أجيال من المهاجرين العراقيين تؤكد أنّ هاجسها الأساس في هجراتها إلى شمال الأرض وجنوبها، كان متركزا حول البحث عن مكان آمن. وبعد أن تحقق لها هذا الأمل في عيش آمن توفره بلدان غربية تحترم حقوق الإنسان، كان عدم الشعور بالأمان، أبى إلا أن يلاحقها، فها هو الشعور بالقلق والخوف يسود حياة الكثيرين مع تصاعد نفوذ التطرف الإسلامي ووصوله إلى أقصى العالم حيث يقيمون.
300 إرهابي من غوتنبورغ السويدية؟
ويؤكد الشاعر والكاتب العراقي وليد هرمز "أنا من المهاجرين شبه المخضرمين إلى بلاد "الاسكندناف" أقيم في مدينة غوتنبورغ السويدية منذ 1989. في هذا البلد الرائع وجدت الأمان والاستقرار بعد طاردتنا الديكتاتورية في العراق واغتصبت أعظم شيء من حياتنا، الحرية".
موضوعات متعلقة:
نازح في كردستان: أخشى ألا أرى الموصل ثانيةً
“الجزائر لا تنام”.. حياة أجهضها الإرهاب
ومع تأكيده على أنه لم يكن يفكر يوماً، في الهجرة، وأن أقصى حُلمه، كإبن للجنوب العراقي، كان أن يزور بغداد عاصمة بلاده، ليعود سريعاً إلى مدينته البصرة. يقول هرمز "بين ليلة وضحاها، وجدتُ نفسي مشرداً في بلدان غريبة. كان عليَّ أن أنسجم مع هذا العالم الجديد بكل الوسائل المتاحة ومحاولة البحث عن لغة مشتركة مع بشر آخرين. لغة جديدة، هواء جديد، وانسجام مع ثقافة مجتمع يختلف بالكامل مع ثقافة بلدي العربي الـ"إسلامي" الذي ولدتُ وعشت فيه أجمل سنوات شبابي".
ويضيف هرمز في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أنّه "مع بروز ظاهرة الإرهاب وانتشاره في العالم الأوروبي، دخل المواطن الشرقي المُسالم، الذي استوطن ووجد مكاناً آمناً في هذا العالم الجديد، في محنة مزدوجة، انعكست ظاهرة العنف من قبل التنظيمات الإرهابية على حياتنا، أصبحنا جميعاً متهمين، حتى وإن كنا لم نُشارك أو نتضامن مع هذه الأفعال الشريرة. هؤلاء الأشرار الإرهابيون، هُمْ مِنَّا، من عالمنا العربي، الذي هربنا منه يوماً".
أسئلة... أسئلة
ويتساءل هرمز "ماذا أقول، عندما يلتحق أكثر من 300 شاب، من مدينتي غوتنبورغ، بصفوف داعش؟ لقد اهتزت صورة الأمان والاستقرار اللذين سعينا إليهما في هذا البلد المُسالم الجميل". والسؤال المُحيِّر، بحسب الأديب والكاتب العراقي "من أين خرج كل هؤلاء الشباب، بشكل مفاجئ، كي يكونوا إرهابيين، ومعظمهم يحمل الجنسية السويدية؟ أين الخَلَل؟ هل أُصيبَت سياسة الإندماج التي تسعى إليها الحكومة السويدية بمَقْتَل. وازدادت، وتفعَّلت أكثر ظاهرة اليمين الأوروبي المتطرف كرد فعل عنيف تجاه الإرهاب الإسلاموي المُنظَّم في عُقر أوروبا؟ أين يذهب المهاجر المُسالم البريء من هذا الإرهاب البشع؟".
رسائل الكراهية
ويقول الكاتب والناشط غيث التميمي، المقيم في لندن، "الإسلام أصبح جزءا من مكونات الهوية الاجتماعية والثقافية في أكثر من دولة أوروبية إلى جانب أميركا وكندا، وبما يؤكد انفتاح الغرب على الإسلام، وسعيه الجاد لإرسال رسائل التطمين للمسلمين، لكن في قبالة كل ذلك، هناك العشرات من المساجد والمنظمات الدينية ورجال الدين، يعمدون لنشر الكراهية. توجد مدارس إسلامية في أوروبا تقدم أبشع صور العنصرية والكراهية ضد الآخر الديني" في إشارة إلى تحريض مسلمين في أوروبا، وهم قلة، على غير المسلمين، وهم أغلبية.
ويضيف التميمي الذي عرف بكونه رجل دين ناقد للخطاب الإسلامي السائد في بلاده، "شخصياً أشعر بأن العالم كله ليس بالقدر الكافي من الأمان، حتى في أوروبا، هناك مشاعر كراهية متنامية لدى المسلمين، يقابلها بلا شك جماعات عنصرية في الغرب ضد المسلمين، وأن عدداً كبيراً من الشباب المسلمين في أوروبا، ومنهم لاجئون حديثا، يؤمنون بفكر داعش، ويدافعون عن الإرهابيين بشكل غير مباشر".
المسلم ترعاه العلمانية !
ويلفت التميمي في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) إلى مفارقة بقوله "رغم ذلك، يجد الشرقيون والمسلمون في أوروبا والغرب الحماية القانونية الكاملة، في ظل الأنظمة العلمانية، ويحضون بالدعم المالي لبناء مساجدهم، وإقامة مناسباتهم الدينية، والحريّة الدينية للمسلمين التي تكفلها قوانين الدول العلمانية في الغرب، هي بلا أدنى شك أكبر مما هي في إيران والسعودية!".
ومن بريطانيا إلى السويد التي وصل إليها الناشط الشاب علي إينوما منذ أقل من عام، والذي يوضح لموقعنا "وصلتها مثل الآلاف عن طريق البحر وعبرت خلالها سبع دول تقريباً. قبل عبوري هذه الدول، كنت أتصور أن المجتمع الأوروبي سوف يتعامل معنا بطريقة حذرة فيها نوع من الفوبيا والخوف منا، كوننا مجتمعات عنيفة ودموية. لكن عندما مررت بهذه الدول صدمت بطريقة التعامل معنا، فهم يختلفون عنا في طريقة إطلاق الأحكام، فنحن العرب نطلق أحكامنا على الجماعات، هم لا يطلقون أحكاما على الجماعات بل على الأفراد. هذه نقطة مهمة جعلتنا نعيش هنا بسلام وأمان".
هربت من العراق وأخاف عليه؟
ويضيف إينوما "كنت في العراق أراقب كلماتي وأتأخر في قولها خشية على نفسي وأهلي، أما هنا في ظل هذه المساحة الكبيرة من الحرية، أخشى أيضا قول أي شيء، بسبب خيوط الرحم التي تركناها بالعراق بالرغم من أننا هربنا من الإرهاب، لكن أفكارنا وطروحاتنا ما زالت محبوسة ومكبوتة بسبب الأهل والأحبة في العراق... وأعتقد هذا الشيء يعانيه الكثير مثلي".
*الصورة: لاجئون سوريون وعراقيون في الطريق إلى أوروبا/ وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659