بقلم حسن عبّاس:
لم يعد ينتبه كثيرون إلى أن الجماعات الإرهابية تنفّذ عمليات انتحارية ليس الهدف منها سوى قتل المدنيين الأبرياء. ولكثرة هكذا حوادث، نسي البعض أن قتل المدنيين كان مثار سجال طويل بين المتطرّفين.
فكرة الانغماس والموت
يقول الشيخ ابن تيميّة إن الأئمة الأربعة أحبّوا أن ينغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.
هذا القول وغيره من الأقوال يردّدها المنظّرون لشرعية العمليات الانتحارية. وينبشون من كتب التاريخ حوادث ليستشهدوا بها ويقارنوها بما يقومون به اليوم. لكن اللافت أن كل ما يُروى من أحاديث وشواهد تاريخية لتبرير العمليات الانتحارية هي قصص عن أشخاص هاجموا صفوف الأعداء المسلّحين مع علمهم بأن العدو سيقتلهم، وكان السياق تواجه جيشين.
موضوعات متعلقة:
في الجزائر… “الأمن لا يرتبط بتصريحات المسؤولين”
هل أنتجت العمليات الإرهابية رهاب السفر؟
وشرح الأستاذ في جامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية محمد فوزي أن "هنالك خلافاً ظهر بين أهل العلم خلال العقود الثلاثة الأخيرة وكان مبدأ الخلاف يدور حول شرعية التفجير الانتحاري".
وأوضح لموقع (إرفع صوتك) أن "بعض أهل العلم قالوا إن التفجير الانتحاري أو الاستشهادي يجوز، لكن حددوه فلسطين فقط وهذا الأمر هو الراجح لأن بعض الصحابة ألقى بنفسه بين الأعداء وهو يعلم أنه لا بد مقتول"، ضارباً مثل أنس ابن النضر الذي ألقى بنفسه، في غزوة أحد، بين المشركين وفاءً بقسمه أن ينصر الرسول.
السجال حول التترّس
في البداية، لم يكن هنالك سجال حول تنفيذ عمليات انتحارية ضد المدنيين، ما يعني أن الفكرة لم تكن مطروحة للنقاش أساساً. بل كان السجال حول جواز قتل عسكريين إذا كانت العملية الانتحارية ستتسبّب بوفاة مدنيين يتواجدون في الموقع المستهدف.
وكان الدكتور منير جمعة، المدرّس المساعد في كلية الآداب بجامعة المنوفية وعضو هيئة علماء الجمعية الشرعية بمصر، قد دافع في دراسة أعدّها عن جواز إيقاع ضحايا مدنيين في العمليات الانتحارية. واستشهد بابن تيمية الذي قال "لقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمَن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم".
ومن أبرز السجالات ذات الصلة ذاك الذي ثار في منتصف العقد الماضي بين الأردني أبو محمد المقدسي، أحد كبار منظري السلفية الجهادية، وبين أبي مصعب الزرقاوي.
وقد التقى المقدسي بالزرقاوي في السجون الأردنية قبل أن يصدر بحقهما عفواً ملكياً، عام 1999، بمناسبة تولي الملك عبد الله الثاني للسلطة. وبقي الأول في الأردن بينما رحل الثاني إلى أفغانستان ومنها إلى العراق، بعد عام 2003.
ومن سجنه الذي عاد ودخله، وجّه المقدسي رسالة للزرقاوي، لم يشكّك فيها بمشروعية "العمليات الاستشهادية" ولكنّه اعتبر أنها وسيلة استثنائية وليست وسيلة تقليدية أصيلة في العمل الجهادي.
وفي الرسالة نفسها، تحفّظ المقدسي على قتل المدنيين وعلى استهداف الكنائس ومساجد الشيعة، وعلى تكفير عموم الشيعة، رافضاً إباحة دماء الناس بالجملة.
وتطرّق المقدسي إلى "التترّس"، واعتبر أنه لا يجوز إلا إذا استخدم "الكفار المحاربين" بعض المسلمين "كالترس"، بحيث لا يمكن الوصول إليهم إلا بإصابة وقتل المسلمين، لافتاً إلى أن هذا الأمر لا يجب أن يُلجأ إليه إلا في حالة الضرورة القصوى.
لكن محمد فوزي يرى أن استخدام العمليات الانتحارية في العراق أو في سورية أو في السعودية هو "عمل مشين لا يقوم به مؤمن ولا يقوم به مسلم ولا يرتضيه ذو عقل أبداً ولا يقوم به إلا جاهل منافق كافر".
ثالثاً: تبرير استهداف الكل
حالياً، صرنا نرى شواهد عن عمليات انتحارية لا هدف منها إلا إيقاع الضحايا المدنيين، ما يعني أن التيار السائد في السلفية الجهادية تخلّى عن بعض الضوابط التي كانت تقيّده قليلاً في ما مضى.
ومن الكتب التي تنظّر لذلك كتاب أبي الحسن الفلسطيني بعنوان "البشرى المهدية لمنفذي العمليات الاستشهادية". وفيه، اعتبر أن جميع المواطنين المدنيين الذين يشاركون في عمليات اقتراع من شأنها أن تساهم في حدوث عمليات قتل للمسلمين وإفسادهم وصدهم عن دينهم، يجوز قتلهم. وهذا كلام عام يطال تقريباً كل مدني تواجه دولته الإرهاب.
جرثومة الجهل
واعتبر محمد فوزي أن الأعمال الانتحارية التي تستهدف المدنيين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين "هي من أمهات الكبائر التي حرمها الله عز وجل حيث ذكر النبي الكبائر السبع فقال: وقتل النفس".
وأرجع فوزي انتشار الأفكار الانتحارية إلى ما أسماه "جرثومة الجهل" و"الأمية الدينية التي يشهدها العالم العربي والإسلامي المعاصر". وبرأيه، فإن "السبب الرئيسي لهذه الأمية عدم إعطاء الفرصة لحوار حر بين الأجيال وبين الشباب والعلماء... مما أوقع هؤلاء الشباب في براثن المتطرفين الباحثين عن نزوات السلطة".
وبدوره، أسند موقفه على شواهد تاريخية وقال "إن كائناً مَن كان لا يستطيع أن يأتي بحديث واحد أو آية واحدة أو قصة واحدة قتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو خليفة من الخلفاء رجلاً مدنياً سواء كان مسلماً أو غير مسلم".
وأضاف "لا يوجد ما يبيح قتل أي مدني، حتى لو كان معلوماً أن هذا المدني كافر ويبطن في داخله كراهية الإسلام والمسلمين، ما لم يقاتل المسلمين ويخرج عليهم بالسلاح ويدبّر ضدهم ويحالف أعداءهم".
(شارك في هذا الموضوع من مصر الزميل الجندي داع الإنصاف)
*الصورة: آثار الدمار بعد الهجوم الانتحاري في حي الكرادة وسط بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659