صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

"نعيش أياماً صعبة ومؤلمة، مرّ علينا عيد الفطر هذا العام بمعاناة غير مسبوقة. نحن  في حالة يرثى لها أعجز عن وصفها"، يتحدث أنور سعيد بابيتر، عن حالته وحال أسرته بعد مقتل شقيقه الجندي الجويد سعيد، في الهجوم الإرهابي الذي تبناه تنظيم داعش على مقر عسكري تابع للقوات الحكومية الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في مدينة المكلا الساحلية عاصمة حضرموت، شرقي البلاد، يوم 27 حزيران/يونيو الماضي.

ويقول بابيتر لموقع (إرفع صوتك) "أمي ما زالت تلعن وتبكي بأعلى صوتها، كل فرد من الأسرة تلقى صدمة. شقيقي ترك وراءه زوجة وخمسة أطفال".

وفي لهجة لا تخلو من الغضب، يضيف "كان أخي في مقر عمله بالمعسكر في منطقة فوه، قبل أن يُقتل بأحد التفجيرات الانتحارية هناك. لو قابلتُ من يقف وراء تلك الجريمة، لأفرغت غضبي به".

تفجيرات منسقة

وسقط عشرات الجنود بين قتيل وجريح، بتفجيرات منسقة استهدفت مقر عسكري تابع للمنطقة العسكرية الثانية، نُفذت -أثناء استعداد الجنود لتناول طعام الإفطار في شهر رمضان الماضي- بسيارات مفخخة أعقبها اقتحام مسلحين.

موضوعات متعلقة:

ضحايا الإرهاب: خسرنا أعمالنا ودراستنا ومن نحب

هل يخاف النازحون العودة إلى مناطقهم بعد تحريرها؟

هذه القصة ليس الوحيدة في اليمن، حيث تعاني آلاف الأسر اليمنية مآسٍ جمة جراء مقتل أو إصابة أحد أفرادها أو أكثر بهجمات إرهابية شنتها التنظيمات المتطرفة (القاعدة وداعش) في مختلف مدن البلاد.

موقع (إرفع صوتك) رصد قصص بعض أسر جنود يمنيين من ضحايا الإرهاب، التي أوضحت في المقابل ثغرات حكومية وعوامل تخدم المتطرفين.

متعطشين لقتال القاعدة

"رغم الفاجعة التي تلقتها، إلا أنها أدهشتني بقوة صبرها وإيمانها بالنصر على المتطرفين"، يصف عمر باقديم السيباني، حالة ثبات وصمود أسرة صديقه أحمد سالم باسلوم، 20 عاما، الذي قُتل هو الآخر في الهجوم ذاته بالمكلا.

قبل حوالى ثلاثة أشهر انخرط باسلوم واثنان من أشقائه في صفوف القوات الحكومية هناك، كما يقول صديقه وابن حيه (بمديرية غيل باوزير شمالي شرق المكلا)، عمر السيباني، لموقع (إرفع صوتك). "هو وجميع الجنود الجدد ما زالوا بدون مرتبات، لكنهم متعطشون للقتال ضد القاعدة وحماية المواطنين منهم. شقيقاه تعهدا عقب دفنه جثمانه بمواصلة الحرب حتى تطهير البلاد من هذه الجماعات".

خطأ استراتيجي

وقال السيباني –بحسب رواية أحد الجنود الناجين- إن معظم الجنود سقطوا برصاص قناصين محترفين تمركزوا في أسطح المنازل المجاورة للموقع العسكري بالمكلا.

ويتابع "باسلوم قتل برصاص قناص، وهو يحمل على كتفه أر بي جي. بعدما نفذت الذخيرة من بندقيته، استخدم أر بي جي للدفاع عن مقر عمله وزملائه".

"التسليح بالنسبة للجنود في الموقع كان مقتصرا على أفراد الحراسة، أيضاً لم تكن الذخيرة كافية، وهذا كان خطأ استراتيجي، صب في مصلحة من نفذوا الهجوم. يجب أن تصحح السلطات هذه الثغرات"، وفقاً للسيباني.

واستعادت قوات حكومية مدعومة من التحالف بقيادة السعودية، مدينة المكلا، في 24 نيسان/أبريل، من قبضة القاعدة التي سيطرت عليها قرابة عام.

ومنذ نهاية نيسان شهدت المكلا سلسلة هجمات انتحارية استهدفت مقرات عسكرية وقادة مواليين للحكومة المعترف بها دولياً، مخلفة عشرات القتلى والجرحى.

لم تحرك ساكنا

وفي حديث لموقع (إرفع صوتك) يشكو بديع علي، متبرماً "الدولة لم تحرك ساكنا"، في إشارة إلى عدم قبض السلطات الأمنية على قتلة شقيقه عبد الوارث، 25 عاماً، وهو جندي في اللواء 315 مدرع الواقع في منطقة ثمود بحضرموت.

وكان عبد الوارث أباً لطفلين، وواحداً من نحو 20 جندياً يمنياً في الجيش الموالي للحكومة الشرعية، أعدموا جماعياً برصاص مسلحين متطرفين بقيادة مقاتل محلي يدعى علي عقيل –بحسب أحد الناجين-، في منطقة أحور بمحافظة أبين الجنوبية، بعدما اعترضوا حافلاتهم، أثناء توجههم من مدينة عدن إلى قواعدهم العسكرية في محافظتي المهرة وحضرموت، في 8 نيسان/أبريل الماضي.

ونفي تنظيم القاعدة حينها مسؤوليته عن العملية، متهما عقيل، الذي يقول رجال قبائل هناك إنه على صلة بداعش.

تواطؤ رسمي

"نطالب الرئيس هادي بالقبض على هؤلاء الارهابيين، وتقديمهم للعدالة. إذا كانت السلطات عاجزة، فهي لا تستطيع إدارة شعب"، يوضح بديع، أحد أبناء مديرية الصبيحة بمحافظة لحج المتاخمة لمدينة عدن، على البحر العربي.

واتهم بديع الأجهزة الأمنية ونافذين في السلطة وخارجها بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية مقابل مكاسب متبادلة أو شخصية، قائلاً إن "الحكومات المتعاقبة ظلت عاجزة عن حسم هذا الملف".

*الصورة: "شقيقي ترك وراءه زوجة وخمسة أطفال"/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".