الأردن – بقلم صالح قشطة:

قصص نزوح أُخرى سلك أبطالها طرقا محفوفة بالمخاطر والمغامرات المرعبة التي لا يقوى على مشقتها بعض الكبار، يرويها قاسم وخليل لموقع (إرفع صوتك)، وهما شابان سوريّان بعمر الزهور، نزحا منذ عام ونيف إلى الأردن، في رحلة شاقة من مدينة حمص، طال ترحالهم فيها لسبع ليالٍ، وهي الرحلة التي لا تستغرق في حالات الهدوء والسلم أكثر من بضع ساعات.

ويتحدث الشابان لموقع (إرفع صوتك) عن تفاصيل قصتهما التي يستذكرانها بألم، رغم سعادتهما بنجاتهما هما وعائلاتهما.

رحلة النزوح

بملابسه الرياضية البسيطة وبعيون واثقة، يتحدث قاسم محمد عشموطي، والذي لا يتجاوز عمره 16 عاماً، ليروي معاناته الكبيرة خلال رحلة نزوحه هو وأسرته من حمص إلى الأردن، برفقة والده المصاب برجليه. ويقول إنهم رغم نجاتهم ونزوحهم إلا أنهم يفتقرون للشعور بالاستقرار بسبب الترحال والتنقل الدائم الذي عاشوه ما بين مخيمات اللجوء وعدد من المدن الأردنية.

وفي حديثه إلى موقع (إرفع صوتك)، يعود الشاب بذاكرته إلى إحدى الليالي التي تمت فيها محاصرة منطقتهم بالقرب من حمص، عندما قرر والده الخروج من البلاد كي لا يتم اعتقاله، لتبدأ رحلة المصاعب منذ اتفاقهم مع أحد المهربين لتأمين طريقهم.

"عندما خرجنا وقعنا فريسة لسماسرة التهريب، الذين يفترض بهم أن يقوموا بتسهيل طريق خروج اللاجئ من البلاد"، يقول الشاب موضحاً أنّ السمسار قام بابتزازهم وجرّدهم من أموالهم، مضيفاً "وفي النهاية تهنا في الصحراء بلا طعام أو شراب، وكنا نختبئ خلف الصخور وتحت أي شيء في طريقنا كلما سمعنا أصوات الطيران الحربي يحلق فوقنا، واستغرقت هذه الرحلة أسبوعاً كاملاً".

حالة مأساوية

"أصبحنا نعيش بحالة مأساوية نتيجة نزوحنا، فكثرة التنقل بلا استقرار متعبة"، فمنذ قدومه إلى الأردن تنقل قاسم مع عائلته ما بين مخيمات اللاجئين، ومدينة إربد في أقصى الشمال، ثم الشوبك في أقصى الجنوب، لينتهي به المطاف في العاصمة عمّان.

وفي ختام حديثه يفصح الشاب عن مصدر رزقهم الوحيد في حياتهم الجديدة، قائلاً "أضطر للعمل في ورش الدهان لتأمين مصاريف عائلتي، كون والدي لا يستطيع العمل، ويواجه صعوبة في تلقي العلاج اللازم له".

أما خليل عبود القادم من كفر عايا، ويبلغ من العمر 17 عاماً، فيتحدث إلى موقع (إرفع صوتك) بنبرة الأب المثقل بالهموم والمسؤوليات، حول نزوحهم من بلادهم، الذي أتى حرصاً على حياة أشقائه الأطفال، كونهم باتوا يعيشون خطر الموت المحقق بسبب الحرب والأوضاع المتدهورة.

وبحسب الشاب، فقد كانوا في البداية ينوون اللجوء إلى لبنان، حيث قاموا بالاتفاق مع أحد مهربي المحروقات من أجل تأمين خروجهم، إلّا أن ظروف الطريق كانت خطرة جداً ذاك اليوم، ما اضطرهم لتغيير مخططاتهم والتوجه إلى الأردن.

ويتابع عبود "تطلّب هذا منّا الكثير من التنقلات بين عدد من المناطق السورية، ولم تكن طريقنا سهلة بتاتاً"، حيث كانوا يستقلون الحافلة في بعض المناطق، أما بعض المناطق الأخرى فلم يجدوا سبيلاً لعبورها سوى المشي على الأقدام لفترات ومسافات طويلة ومرهقة، إلى أن تمكنوا من ركوب سيارة مقابل مبلغ مادي لنقلهم.

"كان الوقت ليلاً، واضطررنا للتحرك بالسيارة من دون إشعال مصابيحها الأمامية لإنارة الطريق، كون ذلك يعرضنا للخطر وقد يتسبب في قصفنا".

الاختباء في سيارة لنقل الخراف والمواشي

ويواصل الشاب وصفه لطريق نزوحه برفقة أسرته "تابعنا طريقنا مختبئين في سيارة مخصصة لنقل الخراف والمواشي، كانت السيارة مزدحمة بالنازحين أمثالنا، وتكدسنا فيها بأعدادٍ كبيرة حتى تحركت، وتعرضنا لحادث زاد من عملية انتقالنا تعقيداً"، ليتابعوا طريقهم مشياً على الأقدام من جديد، حتى وصلوا إلى منطقة يتجمع فيها الناس من أجل الخروج إلى الحدود.

وعلى حد تعبيره، فقد كان الوقت ليلاً لحظة وصولهم، وكان هناك ضوء أحمر اللون في الجهة الأردنية، يرشد الناس إلى الطريق التي يفترض أن يسلكوها ليلاً حتى يصلوا إلى بر الأمان.

ويتابع الشاب "كلما اقتربنا من مصدر الضوء كلما شعرنا أنه يبتعد عنا أكثر فأكثر، وتابعنا المسير حتى طلع علينا نور الفجر، لنرى ساتراً ترابياً ضخماً أمامنا، يرتفع لعدة أمتار".

ومع وصولهم ظهرت سيارات حرس الحدود الأردني التي أقلتهم نحو الطرف الأردني من الحدود، ويستذكر عبود تلك اللحظة قائلاً "حينها شعرنا بالاطمئنان، وكانت المرة الأولى التي نقابل فيها عسكرياً من دون أن نشعر بالخوف منه، وخلال تفتيشنا أتت إحدى طائرات الجيش الأردني التي ألقت الطعام لنا".

ويختم الشاب حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) بوصف ما تواجهه عائلته من صعوبات في حياتهم. "اضطررت لترك دراستي والعمل لكسب الرزق، وأحياناً نجد صعوبة في تلقي الرعاية الصحية في حال مرض أي من أفراد عائلتي، إلّا أننا نجد حلاً لذلك بالنهاية من خلال الجمعيات المعنية باللاجئين، ما يهمنا أكثر هو الأمن الذي نعيش به".

*الصورة: "أصبحنا نعيش بحالة مأساوية نتيجة نزوحنا، فكثرة التنقل بلا استقرار متعبة"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".