صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:
تلقّى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقرّه في اليمن خلال الفترة الأخيرة ضربات موجعة دفعته للتواري مجدداً، بعد نحو عام من تصدره للمشهد الأمني في محافظات جنوبي البلاد عقب سيطرته على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرقي اليمن، مطلع نيسان/أبريل 2015.
ونجحت قوات حكومية، بدعم عسكري بري وجوي من قوات التحالف، الذي تقوده السعودية في اليمن، والولايات المتحدة الأميركية، في طرد عناصر تنظيم القاعدة من معاقلهم الرئيسة بمدينة المكلا، نهاية نيسان/أبريل الماضي.
ومطلع آب/أغسطس الماضي، استعادت القوات بلدات أخرى في محافظة أبين، سيطرت عليها “جماعة أنصار الشريعة” الفرع المحلي لتنظيم القاعدة الإرهابي نهاية العام الماضي.
خسائر
وعلاوة على الحملات العسكرية الواسعة التي أجرتها القوات الحكومية وحلفاؤها، ساهمت عوامل أخرى في تراجع نفوذ التنظيمات الإرهابية جنوبي اليمن، بعد أن كان قد تصاعد بشكل لافت خلال العام الماضي، يغذيه الفراغ الأمني والسياسي، وانشغال الحكومة وحلفائها الإقليميين بالحرب مع الحوثيين وقوات الرئيس السابق شمالي البلاد.
"تعرّض التنظيم لخسائر فادحة بمقتل قياداته التنظيمية والعسكرية والروحية الكبيرة، أمثال أنور العولقي، الذي لقي مصرعه بطائرة أمريكية دون طيار، أواخر أيلول/سبتمبر 2011، تلاه وبالطريقة ذاتها فهد القصع في محافظة شبوة، مطلع آيار/مايو 2012، وهو أحد أبرز المطلوبين الدوليين لدى الإدارة الأمريكية، وصولاً إلى ما يمكن اعتبارها الضربة القاصمة والتي تمثلت في مقتل أمير التنظيم في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي، بغارة أميركية أيضاً في محافظة حضرموت منتصف حزيران/يونيو 2015”، قال الصحافي والباحث اليمني المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية عبد الحكيم هلال لموقع (إرفع صوتك).
وأضاف “العامل الثاني الذي أدى إلى تراجع نفوذ القاعدة، تمثل بالخلافات الداخلية التي ضربت التنظيم عقب مقتل زعيمه ناصر الوحيشي، وصعود القائد العسكري قاسم الريمي بدلاً عنه”.
وأشار إلى أن تلك الخلافات بدت واضحة من خلال “بروز ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش- فرع اليمن)، وتصاعد نشاطه على حساب القاعدة، من خلال تبنيه كافة العمليات الإرهابية النوعية في محافظة عدن بشكل خاص، لا سيما عقب استعادتها من قبضة الحوثيين وحلفائهم منتصف العام الماضي”.
تدابير
ومع ذلك يؤكد هلال أن “التدابير الأمنية التي اتخذتها الحكومة مؤخرا حدّت أيضاً من قدرات (داعش) على تنفيذ هجمات إرهابية بشكل كبير”.
ورصد مراسل (إرفع صوتك) حوالي 20 عملية انتحارية تبناها تنظيم ( داعش) خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ 25 عملية خلال الفترة نفسها من العام 2015.
ويذهب الصحافي عبد الحكيم هلال إلى أن “تنظيم القاعدة لم يعد يشكل خطراً كبيراً في اليمن، كما كان في السابق، بعد أن ظل يوصف طوال الفترة الماضية على أنه الفرع الدولي الأخطر لدى الاستخبارات الأمريكية، يمكن ملاحظة أن تنظيم داعش استلم الدور نيابة عنه”.
جهد جماعي
وعلى العكس من ذلك يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور عبد الملك عيسى أنّه ليس هناك أي تراجع لنفوذ القاعدة، قائلاً “ما حصل هو إعادة توظيفها للقتال في صفوف قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي”.
وأضاف عيسى، وهو أيضاً باحث متخصص في شؤون الجماعات والحركات الإسلامية، لموقع (إرفع صوتك) “نستطيع القول إنّ العناصر الإرهابية انسحبت من المدن الرئيسية إلى الأرياف تحت ضغط الغارات الجوية. معظم مقاتليهم في جبهات القتال، لذلك يرون تأجيل المواجهة”.
ويوضح أن الأموال التي كسبتها القاعدة من سيطرتها على المنافذ الشرقية للبلاد طوال عام كامل، فضلاً عن نهب مؤسسات وودائع بنكية في عدن ومدن جنوبية عدة، “سيمكّنها من العودة بقوة من خلال شراء الولاءات وتحسين أوضاع البيئات الفقيرة التي تعتمد عليها”.
وإلى جانب استقرار البلد، يؤكد عيسى أن القضاء على هذه الجماعات وآثارها المترتبة، بحاجة إلى “جهد جماعي عسكري وأمني وسياسي وثقافي واقتصادي“.
خيبة أمل
في الأثناء، يشعر سكان محليين في المناطق المحررة من قبضة التنظيمات المتطرفة بخيبة أمل إزاء ما وصفوه بالتلاعب في هذا الملف.
“هناك تواطؤ حكومي مع الجماعات الإرهابية”، قال مواطن يمني فضل تعريف نفسه باسم صامد محمد، لموقع (إرفع صوتك).
ويؤكد صامد الذي يمتلك محلاً تجارياً في مدينة المكلا منذ ما يزيد عن 10 سنوات “أعرف شخصياً كثير من العناصر الإرهابية بعضهم ينتسب للمؤسسة العسكرية”.
وأضاف “بمجرد دخول قوات الجيش والتحالف إلى مدينة المكلا (في 24 نيسان/أبريل الماضي) تركت تلك العناصر أسلحتها في المنازل وعادت لممارسة حياتها العادية، وللأسف انخرط بعضهم في صفوف قوات التحالف!”.
وتابع الشاب الثلاثيني، عبر الهاتف من مدينة المكلا، قائلاً “هؤلاء يعملون لصالح نافذين كبار في السلطة وخارجها ممن يستثمرون الإرهاب لتحقيق مكاسب شخصية”.
مسؤولية حكومية
وفي مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين الجنوبية التي استعادتها القوات الحكومية، في آب/أغسطس الماضي، من أيدي القاعدة، يتحدث مواطنون عن جملة من المشاكل.
يقول أحد الأشخاص فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، “أشعر وكأننا مازلنا محتلين من القاعدة. ذهبت ميليشيات، وجاءت محلها ميليشيات (اللجان الشعبية المساندة للقوات الحكومية)”.
وأوضح، لموقع (إرفع صوتك)، أن الوضع غير مستقر قائلاً “نفتقر لأبسط الخدمات، وغياب تام للسلطة المحلية.. لا أستبعد عودة القاعدة”.
*الصورة: “تعرض التنظيم لخسائر فادحة بمقتل قياداته"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659