الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

 تسبّبت النزاعات  الجارية في البلدان المتاخمة للجزائر جنوبا بنزوح عدد معتبر من العائلات وجموع المدنيين إلى أراضيها. وصاحب ذلك استعجال تدابير تنظيمية للتكفل بهؤلاء النازحين من مالي والنيجر خصوصا.

 وتقدّر منظمات غير حكومية عدد النازحين للجزائر من دول الساحل الأفريقي بـ120 ألفا فيما قدر الطيب بلعيز وزير الداخلية الجزائري الأسبق بداية السنة الجارية عددهم بـ25 ألفاً، معظمهم من مالي و النيجر.

للحديث عن ظروف إقامتهم ورحلة الوصول إلى الجزائر بعد تدهور الحالة الاجتماعية والأمنية ببلدانهم، التقينا في موقع (إرفع صوتك) بعدد منهم، و أبدى أغلبيتهم الاستياء للمبلغ الذي وصلوه في طريق البحث عن الأمن والاستقرار.

كاتيا ونفيساتو، سيدتان من مالي، تقولان إنّهما لم تأتيا إلى الجزائر بغرض الإقامة هنا لأنهما تعلمان أنها كما مالي، تعاني من نقص رهيب في فرص العمل وتشتكي من تذبذب سياسي وأمني .

"في البداية كانت الجزائر بالنسبة لي مجرد طريق نحو أوروبا، لأنني لما قدمت هنا كان من المفروض أن ألتقي بصديقٍ لي وعدني بتأمين وصولي إلى فرنسا"، تروي كاتيا لموقع (إرفع صوتك).

استعباد

 وتضيف صاحبة الـ30 عاماً أنها، وبحكم عدم تمكنها من الاتصال بصديقها الذي أخلف وعده، أضحت تعيش وضعا إنسانيا كارثيا، جراء عدم انسياقها وراء طرق تحصيل المال المشبوهة.

"لمّا نفذ مالي، أصبحت رهينة ما أسميه الأعمال الاستعبادية ببيوت الجزائريين لأنني رفضت طرقا أخرى في تحصيل المال، أنا اليوم حبيسة وضعي، لا يمكنني معاودة أدراجي ولا أستطيع بلوغ مقصدي".

وتقول نفيساتو أمادي، نازحة مالية هي الأخرى، لموقع (إرفع صوتك) إنّها استقلت سيارةً بالأجرة من باماكو (عاصمة جمهورية مالي) نحو تمنراست بأقصى جنوب الجزائر، وكان أملها بلوغ الجزائر العاصمة كنقطة انطلاق نحو أوروبا لكنها اليوم رهينة جود الجزائريين بعد نفاذ مالها، بل أضحت مجبرة على الانقياد وراء ما يمليه عليها القائمون على شبكات التهجير غير الشرعية.

"أصبحت مجبرة على الاستجابة لكل ما يطلبه مني المتكفلون بي هنا. صحيح أنهم أفارقة مثلي لكنهم يتاجرون بي قصد تحصيل مبالغ مالية تمكنني من الظفر بمكان في القارب المقبل".

من جانبه، يروي مامادو جبريل وهو نازح من مالي وجدناه يعمل بأحد المقاهي، قصة وصوله للجزائر وكلّه ندم على ما آلت إليه بلده بعد تفشي الإرهاب وتصاعد صيت التيار التكفيري بالساحة السياسية في مالي.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) إنّه لم يكن يرغب في المغادرة لما تدنّت الظروف الاجتماعية في بادئ الأمر "لكن وحينما استقر الإرهابيون في كيدال (شمال جمهورية مالي) وأصبحوا يقطعون الأيدي والرؤوس تطبيقا لما يسمونه الشريعة، قررت المغادرة والنجاة بأطفالي".

ويقول جبريل إنّه يعيش ظروفا قاسية جدا، فهو يسكن غرفة واحدة برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة مناصفة وصهره وأخته اللذين سبقاه للجزائر قبل سنتين.

"لا يمكنك أن تتخيل ما نعانيه، نفتقر لأبسط الحقوق، ونعمل كالعبيد لضمان قوت أطفالنا ناهيك عن المشاكل التمييزية التي تلاحقنا بالمقاهي ووسائل النقل، لكن كل هذا لا يقاس أمام بطش الإرهابيين بنا".

المهم أنني على قيد الحياة

وفيما يخصه، يرى لاجئ من النيجر، فضّل التحفّظ على اسمه في حديث لموقع (إرفع صوتك)، أن الجزائر أرحم من بلده الذي ضيع عليه كل فرص العيش الكريم على الرغم من أننا وجدناه يتسول بإحدى الحارات بالعاصمة.

"صحيح أنني أتسول الآن لكن وضعي أحسن مما كان عليه قبل ثلاث سنوات، أنا على قيد الحياة وأعيش بما تجود به أيادي المحسنين"، ثم يختم حديثه بالقول "المهم أنني على قيد الحياة".

وتعمد السلطات الجزائرية إلى ترحيل الرعايا النيجيريين إلى بلادهم بعد استتباب الأمن هناك وبطلب من الدولة الجارة كما تؤكده القائمة على الهلال الأحمر الجزائري للصحافة قبيل كل عملية ترحيل.

ويعمل غالبية النازحين ممن التقينا بهم في البناء. ويشتكي أغلبهم قساوة ظروف العمل وشحّ الرواتب التي تدنو لتكون عطاءات أكثر من كونها معاشات على حد تعبير أحدهم.

"ليتهم يقدّرون عملنا، أغلبية المقاولين يرغموننا على العمل ساعات طويلة وفي الأخير لا يعطوننا حقنا بل هناك من يتنكر لنا حقنا في المال ، تصوّر!".

 يقول آخر إن أحد المقاولين انهال عليه بالضرب لما طلب راتبه قبل أن ينهي العمل المنوط به، حيث كان في حاجة للمال لتمويل سفره لأوروبا.

"لا يمكن أن يسوء حال المرء أكثر من الحال التي نعيشها نفترش الأرض ليلا و نعمل في النهار كما البهائم بل هي أفضل حال منا".

*الصور: لاجئون في الجزائر/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".