بقلم علي قيس:

اختارت عوائل موصلية البقاء في منازلها أثناء فترة العمليات العسكرية الجارية لتحرير المدينة من سيطرة تنظيم داعش، رغم الخطر الذي يرافق سير تلك العمليات سواء من الناحية العسكرية أو الإنسانية.

"أم الشهيد" امرأة موصلية، اختارت هذا الاسم لأن عناصر التنظيم قتلوا ابنها الذي كان يعمل شرطي مرور. هي اليوم ترعى عائلة ابنها الشهيد المكونة من زوجة الابن وأبنائه. تقول لموقع (إرفع صوتك)، "نحن امرأتان وأطفال، ماذا سيحل بنا لو تهجرنا في الجول (الأرض الصحراوية). من منا سيتدافع بين صفوف النازحين ليحصل لنا على وجبة طعام أو منحة غذائية؟".

اقرأ أيضاً:

قائد عمليات نينوى: داعش في حالة انهيار

يمنيون في سجون تنظيم القاعدة

وتتابع أم الشهيد أنّ الشتاء على الأبواب والصعوبات ستكون مضاعفة، "ومهما بذلت الحكومة من جهود، فإنها لن تسد حاجة الأطفال، الذين سيكونون معرضين للأمراض والجوع والبرد".

"لقد أتعبنا داعش"، تؤكد الموصلية. وتضيف "جيراننا لم يتركونا طيلة الفترة الماضية، وهم لن يتركونا في الشدة، التي أتمنى ككل الموصليين أن تكون الأخيرة".

%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a9-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b5%d9%84

الهروب لا يطيل العمر ولا يمنح الحياة

يقول مواطن موصلي فضل عدم الكشف عن اسمه، وهو رب عائلة تضم تسعة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال، "مجرد التفكير بالصحراء التي تنتظرنا والأرض القاحلة المليئة بمخاطر الرصاص والإرهاب الداعشي، يجعلنا نبتعد كثيرا عن التفكير بالنزوح".

ويتابع الموصلي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "بيتنا أرضنا، ولدنا فيه ونموت فيه، الهروب لا يطيل العمر، ولا يمنح الحياة"، مضيفا "رأينا إلى أي حال وصل النازحون: حسرة عليهم الطعام والشراب، وضعنا ليس أفضل لو بقينا، لكن النزوح لن يمنحنا سوى آلام الجوع والعطش والغربة".

ويؤكد رب العائلة أنه أجرى بعض الاستعدادات الأولية لمواجهة صعوبات فترة العمليات العسكرية في منطقته، موضحا أنّ عائلته خزّنت بعض الغذاء وماء الشرب والكاز (الوقود) آملين أن لا تطول فترة القتال.

ويضيف "قرار البقاء لا يقتصر علينا نحن فقط، بل أن جميع أهالي المحلة التي نسكن فيها على الأقل، قرروا البقاء في المنازل، تحدثنا مع بعض كجيران، واتفقنا على التعاون حتى تنتهي الأزمة".

مخاطر البقاء في المنازل

ولا يخلو بقاء العوائل في منازلها من المخاطر، التي يقع في مقدمتها استخدام داعش للمدنيين كدروع بشرية، إضافة إلى مخاطر أخرى تتعلق بتنفيذ عناصر التنظيم عمليات إعدام بحق مدنيين.

وكشف تقرير للأمم المتحدة الثلاثاء، 25 تشرين الأول/أكتوبر، عن "مخاوف ملحة من أن يتخذ التنظيم الإرهابي من المدنيين في الموصل دروعا بشرية، في ظل وجود نحو 1.5 مليون عراقي داخلها بالتزامن مع انطلاق عملية تحرير المدينة".

كما قام مقاتلوه بنقل العديد من العائلات من القرى المحيطة بالموصل إلى مركز المدينة، بالتزامن مع إعلان انطلاق عملية استعادة المدينة، بحسب التقرير.

وفي ذات السياق، حذّرت الأمم المتحدة من "موجة نزوح لم يشهدها العالم منذ سنوات"، متوقعة "تأثر أكثر من مليون شخص من أهالي المدينة بالعمليات العسكرية".

%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a%d9%88%d9%86-%d9%86%d8%a7%d8%b2%d8%ad%d9%88%d9%86-%d9%8a%d8%b1%d9%81%d8%b9%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%b6%d8%a7

موقف الحكومة

رغم إعلان الحكومة العراقية عن وضع خطة لاستقبال النازحين تشترك بها وزارات الدفاع والهجرة والمهجرين والصحة والنقل والتجارة، لكن رئيس الوزراء حيدر العبادي دعا في أكثر من مناسبة العوائل الموصلية إلى البقاء في منازلها وعدم مغادرة مناطقهم حتى انتهاء العمليات العسكرية، مشددا على أنه كقائد عام للقوات المسلحة وجّه القوات الأمنية بعدم التعرض للمدنيين، وأن تلك القوات لديها معلومات استخبارية دقيقة عن عناصر داعش.

*الصورة: عمليات تحرير الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".