نازحون سوريون في المغرب/وكالة الصحافة الفرنسية

المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

خلفت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق وسورية موجة نزوح اعتبرت الأكبر في التاريخ المعاصر، حيث أجبرت الصراعات المسلحة ملايين المدنيين على الهروب من جحيم الحرب أملا في إيجاد موطن يقيهم شر الموت بين الأنقاض.

ملايين اللاجئين وجدوا أنفسهم في مواجهة خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء ببلدانهم وانتظار مصيرهم المحتوم، أو الهروب إلى بلدان مجاورة. وكل منهم يحمل قصة معاناة كانت ولا تزال مستمرة، ضمنها قصص مواطنين سوريين وصلوا للمغرب يوردها موقع (إرفع صوتك).

الفرار من الموت

"ساعدونا يا إخوان... عائلة سورية محتاجة مساعدة يا إخوان"، بصوت متحسر يحمل ثقل المعاناة التي يئن تحتها ملايين السوريين المهجرين من أوطانهم، يقف سالم أبو ريّـا قرب إشارة المرور بمدينة فاس مناشدا "أهل الخير" مساعدته بدريهمات لعلها تسد رمق ابنته وزوجته التي تفترش الأرض بجانبه.

اقرأ أيضاً:

يمنيون في سجون تنظيم القاعدة

عائلات موصلية: البقاء في المنازل أفضل من معاناة النزوح

ينحدر سالم من مدينة حمص التي لم تنجُ من أتون الحرب، غير أنّه استغل هدنة سابقة أعلن عنها الطرفين ليخرج منها رفقة زوجته وابنته تاركا وراءه منزله المدمر وعائلته التي لا يعلم هل هي على قيد الحياة، أم أن الطائرات دكت منزلهم الريفي.

"والله يا أخي تعذبنا كثيرا في طريقنا نحو المغرب، مررنا بالأردن ومصر، ثم ليبيا وتونس والجزائر، وفي كل رحلة ندفع مقابلا لعبور الحدود على يد المهربين الذين لا يرحمون، إلى أن دخلنا للمغرب، حيث استقبلنا المغاربة بصدر رحب، من دون مضايقات أو سوء معاملة"، يضيف أبو ريّـا.

المغرب.. نهاية الرحلة

ويضيف المتحدث أن نفاد المال الذي كان بحوزته في طريق العبور حال بينه وبين استكمال درب النزوح نحو أوروبا، ليضطر إلى المكوث في المغرب، بعدما قامت السلطات بتسوية وضعيته ومنحته الإقامة القانونية.

"حياتنا انقلبت رأسا على عقب، ليس لنا وطن ننتمي إليه، وإذا لم نتسول في الطرقات والمساجد، لن نتمكن من تسديد فاتورة الكراء وأدوية الأطفال وما نعيش به، في ظل غياب أي مساعدات من الأمم المتحدة التي تدعي أنها ترعى اللاجئين عبر العالم"، يقول أبو ريّـا بحسرة.

ويفكر أبو ريّـا في الهجرة نحو أوروبا إذا توفرت لديه ظروف ذلك، حيث يقول "بلدنا خربت ودمرت، ولا أمل لدينا في العودة إليها، فالهجرة نحو أوروبا ورغم مراراتها إلا أنها تبقى السبيل الوحيد لإنقاذ عائلتي".

فريسة المهربين

على طول شارع محمد الخامس الذي يتوسط العاصمة المغربية (الرباط) تتوزع عائلة داوود للتسول، داوود يفترش الأرض رفقة زوجته وابنته جنى (عامين) وابنه سامي (ثمانية أشهر)، ويضع بالقرب منه لافتة تحمل عبارة "عائلة سورية بحاجة إلى المساعدة" مستعطفا المارة لمساعدته.

غير بعيد عن مكان داوود، تجلس أخته أصالة بالقرب من وكالة بنكية تستجدي المارة، فيما يذهب زوجها قرب المسجد عند كل صلاة أملا في أن يجود عليه بعض المحسنين.

تضم عائلة داوود 13 فردا نزحوا قبل سنتين من بلدة حمص في اتجاه الجزائر عبر الطائرة، لكن رفض السلطات الجزائرية منحهم الإقامة، يقول داود، "اضطررنا إلى البحث عن موطن آخر بعدما لم نتلق ترحيبا في تلمسان بالجزائر".

ويردف داوود في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أنّهم اتفقوا مع مهرب ليأخذهم إلى المغرب مقابل مبلغ مالي خيالي، في ظل إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر، "دفعنا 10 ملايين دينار جزائري لدخول المغرب، والحمد لله أن ذلك لم يذهب سدى، فقد منحنا المغرب الإقامة، وحصل الأطفال الصغار على الرعاية الطبية".

التسول.. حل منقذ

بصوت يغالبه البكاء والحسرة على وطن ضاع وأمل فقد، يقول داوود "كنا آمنين في وطننا قبل أن تتساقط علينا قذائف وصواريخ لا قبل لنا بها، لم نشارك في الثورة، ولم نحارب النظام، إلا أننا دفعنا ثمن صبرنا.. فقدنا كل ما نملك ولم نجد حلا غير الهجرة لنفلت من عقاب النظام هناك".

تكتري عائلة داوود شقة متواضعة في أحد أحياء مدينة الدار البيضاء كبرى مدن المغرب، ويضطر إلى السفر إلى الرباط رفقة زوجته وأخته وزوجها ليتدبروا مصاريف الكراء والعيش عن طريق التسول، فيما يتوزع باقي أفراد العائلة في مدينة الدار البيضاء.

"لا نرضى بمد يدنا لطلب العون، ولم نتخيل أن نصبح يوما ما متسولين في الغربة بعيدين عن وطننا"، تقول أصالة أخت داوود وهي تضم ابنتها بين أيديها. "ما نحصل عليه في هذا الوضع لا يكفي لتوفير أبسط حاجياتنا من كراء وأكل وشرب وأدوية"، تضيف أصالة بعينين دامعتين.

ووجه داوود رسالة إلى العالم عبر موقع (إرفع صوتك) مفادها إيجاد حل للأزمة السورية التي يدفع ثمنها الأطفال والأبرياء، والكف عن تدمير سورية الحضارة والأمن، وإعادة إعمار ما تم هدمه.

*الصورة: "ساعدونا يا إخوان.. عائلة سورية محتاجة مساعدة يا إخوان"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".