اليمن - المكلا - القاعدة

صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

بعد قرابة نصف عام من نجاح حملة عسكرية واسعة في طرد عناصر تنظيم القاعدة من معاقلهم الرئيسة بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرقي اليمن نهاية نيسان/أبريل الماضي، لا يزال مصير الصحافي اليمني محمد المقري الذي اختطفه مسلحو التنظيم الإرهابي، في تشرين الأول/أكتوبر 2015، مجهولاً حتى اليوم.

وكان المقري، وهو مراسل لقناة “اليمن اليوم” المملوكة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ضمن نحو 200 شخص اعتقلهم عناصر القاعدة من وسط مدينة المكلا، إثر مشاركتهم في تظاهرة شعبية عامرة ضد عناصر التنظيم الإرهابي الذي فرض سيطرته على المدينة الساحلية على البحر العربي لمدة عام منذ مطلع نيسان/أبريل 2015.

لا يعرف والده

وأطلق التنظيم سراح غالبية المعتقلين، قبيل استعادة القوات الحكومية للمدينة، في 24 نيسان/أبريل الماضي، بدعم عسكري بري وجوي من قوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، لكن مصير نحو 45 معتقلاً آخرا بينهم الصحافي المقري لا يزال غير معروف.

تقول زوجته أبها باعويضان لموقع (إرفع صوتك) “لا نعلم عنه أي شيء، أخذوه ومعتقلين آخرين معهم عند فرارهم من المكلا”.

اقرأ أيضاً:

لاجئون سوريون بالمغرب.. التسول سبيلنا للبقاء أحياء

استعدادات لمواجهة تدفق النازحين من الموصل

وتضيف باعويضان، وهي طبيبة وناشطة حقوقية، “أتعبونا، target="_blank">بعت ما تبقى من ذهبي وأنفقت أموالاً كثيرة لأشخاص بهدف التواصل مع قيادات القاعدة من دون جدوى”.

“أصبح عمر ابني سنة وشهرين، وهو لا يعرف والده ووالده لا يعرفه”، تابعت السيدة الثلاثينية التي ترأس منظمة مجتمع مدني تنشط في المجال التنموي والنسوي، بنبرة حزينة.

معتقلات سرية

وإلى جانب زوجها، اعتقل تنظيم القاعدة أيضاً شقيقها الصحافي أمير باعويضان، 27 عاما، لمدة سبعة أشهر، قبل أن يطلقوا سراحه في 24 نيسان/أبريل الماضي، مع دخول القوات الحكومية إلى مدينة المكلا، بعد نحو عام من فرض التنظيم سيطرته على الكاملة مدن الساحل الشرقي.

واقتاد عناصر القاعدة أمير باعويضان مع الكثير من الناشطين الحقوقيين والصحافيين إلى معتقلات سرية، في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2015، عقب تظاهرة مناهضة لممارسات التنظيم في مدينة المكلا، شارك فيها آلاف السكان المحليين، وكان أمير أحد أبرز المنظمين لها.

“عقب انتهاء التظاهرة، باشروا بالاعتداء علينا بالضرب المبرح، وقاموا بربط أعيننا وتقييد أيدينا وأرجلنا، وصادروا الكاميرا التي كانت تحتوي مقاطع فيديو للفعالية كنت سأرسلها لعدة قنوات فضائية. وبعدها قاموا بأخذ هواتفنا النقالة، ثم نقلونا إلى مكان مجهول بشكل منفرد”، يقول أمير باعويضان لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن لحظة اختطافه من قبل عناصر تنظيم القاعدة.

وأضاف أنّه بعد  نحو ساعتين من اعتقاله، حققوا معه وسألوه عن التظاهرة والجهة التي تقف خلفها، ولاحقاً وجهوا له تهمة الارتباط بالأمن القومي، وهي نفس التهمة التي وجهت لزوج شقيقته محمد المقري.

أجبر بالتعهد

قبل إطلاق سراحه، أواخر نيسان/أبريل الماضي، أجبر أمير باعويضان على تسجيل مقطع فيديو يعترف فيه بالتخابر ضد التنظيم، ويتعهد بعدم التحريض أو ممارسة أي نشاط ضد عناصر التنظيم، حسب ما ذكر لموقع (إرفع صوتك) مصدر مقرب من أسرة باعويضان.

ويؤكد المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن تنظيم القاعدة جعلهم يعيشون في قلق شديد وحياة غير طبيعية، "تراجع العمل الصحافي لأمير ولم يعد يكتب ضد التنظيم الإرهابي، خوفاً من ردود فعل تستهدفه أو أحد أفراد أسرته”.

وتابع عبر الهاتف من مدينة المكلا الساحلية، قائلاً “كان أمير أحد أبرز الصحافيين المناهضين لتنظيم القاعدة، ونظم مع زملائه تظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف من أبناء مدينة المكلا للتنديد بممارسة مسلحي التنظيم، في تشرين الأول/أكتوبر 2015، عقب قيامهم بتفجير قبة تاريخية مطلع الشهر ذاته”.

ويشير إلى أن التحقيقات القاسية مع أمير تركت أثراً جسدياً ونفسياً. تم وضعه في سجن انفرادي بمكان مجهول وظل مسجونا قسرا لقرابة سبعة أشهر، "حاولنا استعطاف التنظيم للسماح لنا بزيارته أو اتصال هاتفي دون جدوى، لم نعرف مصيره إلا بعد أشهر".

 تعذيب بشع

ولم يتسن لمراسل (إرفع صوتك) التحدث على الفور مع ضحايا آخرين اعتقلوا لدى التنظيم الإرهابي، فضلاً عن تجنب البعض الاقتراب من هذا الموضوع تخوفاً من ردود فعل انتقامية، لكن ناشطاً حقوقياً قال إن “جميع الأشخاص الذين اعتقلهم تنظيم القاعدة في المكلا تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وصلت إلى استخدام الكهرباء أو الماء المغلي”.

ومن بين القصص المحزنة التي ذكرها الناشط الحقوقي، هي وفاة والدة أحد المعتقلين ويدعى عبد الله الجيلاني، بسبب رفضهم السماح لها بزيارته لقرابة عام، مضيفا أنهم “أطلقوا سراحه بعد وفاتها، تخفيفا من حالة استياء الناس من هذا التصرف”.

*الصورة: يمنيات يتظاهرون بالمكلا ضد القاعدة للمطالبة بالإفراج عن باعويضان والمقري/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".