بغداد – بقلم دعاء يوسف:

"هناك ضغوط اجتماعية كبيرة على النساء النازحات بسبب لجوء بعضهن وأطفالهن إلى التسول في شوارع بغداد"، تقول حليمة علي وهي أم لأربعة أطفال نزحوا من مدينة تلعفر في العام 2014.

عبارات مسيئة عن الشرف

وتضيف حليمة التي فقدت 16 فردا من أفراد أسرتها ومن بينهم زوجها قبل النزوح، أنّه "إذا لم نجد طعاماً لأيام أو مالاً لتوفيره، فإننا نرسل أطفالنا لطلب المساعدة من الناس"، أو يقمن هنّ بهذه المهمة لتوجه لهن من البعض اتهامات بأنهن "يفتقدن للأخلاق".

اقرأ أيضاً:

لاجئون بفرنسا: نجونا من موت محقق

نازحو الموصل.. هل الاستعدادات كافية لتفادي الكارثة؟

حليمة التي تبلغ الأربعين من العمر تقف بين الحين والآخر أمام مبنى محطة لتعبئة الوقود في العاصمة بغداد تجمع بعض المال من سائقي السيارات لتوفر قوت المعيشة. وتقول لموقع (إرفع صوتك) "البعض يتعامل معي بطريقة سيئة ويظهر غضبه ويتوجّه إليّ بعبارات مسيئة عن الشرف، باعتبار أن الكثير من نساء المدن التي سيطر عليها داعش قد تم اغتصابهن أو أن بعضهن تطوعن لجهاد النكاح".

وتشير إلى أن نظرة المجتمع لا تزال تدور حول شرف المرأة وتطغى على الاعتداء الناجم من جريمة اغتصاب النساء أو اختطافهن . "البعض لا يشعر بالعار من رؤية امرأة نازحة جائعة، لكنّه يشعر بالعار لأنه قد تم اغتصاب بعض من بنات جنسها ظلماً وجوراً".

كأننا غرباء هنا

"النازحون مستهدفون باستمرار"، تقول سميرة جاسم، 37 عاماً. "عدم الحديث عن المضايقات الكثيرة التي نتعرض لها حتى من عامل القمامة لا يعني أننا نعيش براحة".

وتضيف سميرة، وهي نازحة مع والدتها الكبيرة في السن وشقيقتها من محافظة الأنبار، في حديثها لموقع (إرفع صوتك) "يتعامل الأغلبية معنا بحذر شديد. وهناك من يبدي انزعاجه عند معرفة أننا من الأسر النازحة".

وتتابع "لا أنكر أن هناك من يتعاطف معنا ويساعدنا. لكنني أشعر بالحزن والإهانة عندما يتعاملون معنا بحذر. وكأننا غرباء هنا. وهذا أمر مؤسف حقا".

وتتحدث سميرة التي تسكن في العاصمة بغداد مع عائلة نازحة أخرى عن بعض الناس الذين يعربون عن قلقهم من تأثير وجود النازحين على القيم الأخلاقية التقليدية باعتبارها تختلف عن القيم التي يؤمنون بها أو العادات التي يتبعونها.

الشعور بالعداء

أما عائشة عبد الله، 45 عاماً، فتقول إنه بالرغم من أن النزوح هو مسألة جماعية، إلا أن المخاوف المتعلقة بتأثيراته خطيرة على الأطفال. وخاصة الذين تعرضوا لمشاهد العنف والقتل.

ولا تخفي عائشة التي نزحت من مدينة الموصل مع أسرتها في العام 2014 معاناتها بسبب أطفالها، خصوصا وأنّ أحدهم، وهو في السابعة من عمره، قد اعتدى على طفل غير نازح وضربه على رأسه بحجارة وتسبب بإصابة خطيرة الأمر الذي دفع بأهله لترحيلهم من المنطقة التي كانوا يسكنون فيها.

عائشة قلقة جدا على مستقبل أطفالها الأربعة. وإذ تقول لموقع (إرفع صوتك) إنّهم يتصرفون بعدائية وعنف مع غيرهم من الأطفال، تتابع أنّ السبب في ذلك يعود لتعامل الأطفال غير النازحين بقسوة مع الأطفال النازحين، "الأمر الذي يدفعهم للشعور بالعداء نتيجة لشعورهم بعدم رغبة الجميع في وجودهم".

*الصورة: فتاة في مخيم للنازحين في بغداد/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".