الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

"نحن مدينون للدول الأوروبية بحياتنا، نحاول أن نعيش لنرى شمس أوطاننا الممزقة تشرق مجددا"، يقول غسان ديبو، أو العم جبّور كما يناديه اللاجئون بمركز الإيواء "سيرجي بونتواز" بالعاصمة الفرنسية باريس.

ويقول الرجل الذي وصل باريس قبل ثلاثة أعوام هاربا من الأحداث الجارية في سورية إنّه لم يكن ليرضى أن يحدد شخص آخر تحركاته لولا كان مدينا له بحياته (في إشارة إلى القيود المفروضة عليهم في مخيمات اللجوء)، مبدياً بعض التحفظات بخصوص إحساس عدم الثقة الذي يتعرض له خلال المبادلات القليلة التي تجمعه وبعض الفرنسيين.

"قطعنا أشواطا لنصل سالمين بأنفسنا وعائلاتنا إلى هنا، ليس بمحض إرادتنا أصبحنا لاجئين وهو الأمر الذي أتمنى أن يفهمه الأوروبيون من العامّة".

رحلة الموت

ويروي العم جبّور لموقع (إرفع صوتك) رحلته إلى باريس التي أثقلت كاهله وعائلته أو من تبقى منها.

ويقول الرجل "لن أنسى كيف قضينا أيام انتقالنا من سورية إلى هنا. كدت أقتل على الحدود التركية، لقد خاطرت بحياة أطفالي من أجل النجاة، كانت مجازفة حقيقية".

اقرأ أيضاً:

لاجئون عراقيون بالمغرب.. شتات يصعب جمعه

للاجئين حقوق… تعرّف عليها

ويقول الرجل إنّه نجا من موت محقق بقرية "خربة الجوز" على الحدود التركية، حيث كان مجبرا على التراجع لتفقد حالة أخته الحرجة هناك.

"أطلق أحد حراس الحدود التركية النار علي و أنا في طريق العودة"، لكني نجوت.

ولا يزال العم جبّور يفكر في الظروف التي فقد فيها أخته وهي في طريقها إلى الحدود التركية، حيث لفظت آخر أنفاسها هناك أمام طفليها اللذين لم يتجاوزا بعد الثلاث سنوات.

"كنت قد سبقتها إلى الحدود ودخلت تركيا لكن زوجها اتصل بي ليخبرني أنها في حالة حرجة نتيجة التعب والخوف وهي المريضة بداء القلب".

ولم يغادر الرجل الحديث عن قصة وفاة أخته حتى كاد يختنق من شدة كبحه رغبته الدفينة في البكاء وختم بالقول "ليتني مت مكانها، في الحقيقة كانت رحلة موت لا نجاة".

من العراق إلى فرنسا

ويروي أبو عزام، عراقي مقيم بمركز إيواء اللاجئين بمدينة لوريون الفرنسية، كيف وصل إلى فرنسا بعدما غادر العراق هاربا مما يقترفه داعش في حق المدنيين من العزل.

"هربت من داعش نحو اليونان وكان هدفي أن أصل ألمانيا، وأنا مرتاح نسبيا هنا بفرنسا طالما ساعدتني السلطات على البقاء حيا"، يقول الرجل الذي تحدّث عبر الهاتف لموقع (إرفع صوتك).

ويضيف صاحب الــ58 عاما أنه كان حبيس مركز لإيواء اللاجئين باليونان، وأن المركز ذاك كان يفتقد لأبسط ظروف الحياة، وهو ما جعله يستمر في رحلة الهروب نحو أوروبا.

"استفدت من برنامجٍ أوروبي هدفه توسيع الخناق على اليونان وإيطاليا من قوافل النازحين من العراق وسورية، حيث تم نقلي إلى هنا حيث أقيم اليوم بين أهلي وأستفيد من إعانات غذائية تسد رمقي وعائلتي".

لا رحمة

أمّا عن ظروف انتقاله إلى اليونان فيؤكد أبو عزام أنه نجا من موت محقق لما كان يحاول التجديف بقوة للوصول إلى المياه الإقليمية، حيث سافر وزوجته وطفلته الصغيرة على متن قارب رفقة بضع عراقيين كان لهم ذات الهدف.

"فوجئنا بحرس الحدود اليونانيين وهم يحاولون دفعنا للضفة الأخرى عنوة ثم تبين أنهم يريدون منعنا من دخول أرضهم بالقوة، لقد كانوا جميعهم أو معظمهم مخمورين".

ويواصل الرجل روايته وكله حزن على ما آلت إليه حاله بعدما كان صاحب متجر بالعراق، قائلاً "كانت النساء تصرخ بنداءات المساعدة، لكن دون جدوى كدنا نفقد حياتنا هناك".

وبعد صراع مرير مع الحرس، تمكن أبو عزام من الهرب برفقة زوجته وابنته والتخفي وراء الأشجار الكثيفة هناك.

"انتظرنا على أطراف البحر حتى غربت الشمس وكنا جياعا حد الموت، قبل أن نهرب إلى أقرب مدينة ونطلب اللجوء من السلطات رسمياً".

وفي معرض روايته، أكد لنا أبو عزام أن تلك الحادثة جعلته يصر على مغادرة اليونان في أقرب فرصة. وكشف لنا أنه ترك عددا معتبرا من العائلات في ظروف يندى لها الجبين خصوصا أولئك المصابين بأمراضٍ مزمنة.

"أحمد الله أني تمكنت من دخول فرنسا، برنامج نقل اللاجئين من اليونان إلى دول أوروبية أخرى توقف أو يسير بخطى بطيئة جدا"، قبل أن يضيف قائلاً "لم ينج بعد من توقفت رحلته باليونان".

*الصورة: لاجئون في اليونان/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".