السيدة أم حسين أثناء العمل/إرفع صوتك
السيدة أم حسين أثناء العمل/إرفع صوتك

الأردن – بقلم صالح قشطة:

في محلّها الصغير بحيّ عرجان في العاصمة الأردنية عمّان، تفوح رائحة الفطائر الزكية التي وضعتها دلال عبدو (أم حسين) في الفرن في أرجاء المكان والشارع المقابل له. وتجذب المارة ليبتاعوها ويتناولوها بشهية.

أم حسين سيدة سورية لجأت إلى الأردن منذ خمس سنوات مع عائلتها، بعد قدومها من منطقة جوبر، إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق، هرباً من الحرب. لكن السيدة لم تستسلم لظروف اللجوء الصعبة والشعور بخسارة حياتها السابقة، بل اعتبرتها حافزاً لخلق فرصة جديدة لحياة كريمة، تخفف عنها تبعات ما واجهته من هموم وظروف استثنائية.

مصدر دخل

اشتغلت السيدة السورية مهارتها في الطهي، ليصبح مصدراً يدر عليها الدخل، بعد أن بدأت بتلبية الطلبات من منزلها، التي تزايدت مع مرور الوقت، ما شجعها على افتتاح مطعمها المتخصص بالمعجنات، لتتمكن من توسيع عملها بشكل يتناسب مع رغبة الزبائن.

وعلى حد تعبيرها، فقد كانت منطقة جوبر من أوائل المناطق التي شهدت الصراعات المسلحة في سورية، ما سبب دماراً كبيراً في المنطقة، وكان سبباً في شعورها بالخوف على أبنائها من أن تطالهم أية أذية حال بقائهم، فقررت اللجوء إلى الأردن قبل خمس سنوات.

وخلال حديثها إلى موقع (إرفع صوتك) تقول أم حسين إنها عنما قدمت إلى الأردن، مع زوجها وأبنائها الثلاثة، شعرت العائلة بضرورة القيام بتأسيس مشروع صغير، يساعدهم في مواجهة ظروف الحياة. "فكل من أتى إلى هنا لم يكن على علم بالمصير الذي ينتظره، في البداية تعبنا قليلاً، ثم بدأ الوضع بالتحسن بشكل تدريجي".

ترشّ السيدة الطحين على الطاولة أمامها ثمّ تفرد العجين قبل أن تحشوه بالتوابل المختلفة أو الأجبان أو تفرد عليه الزعتر أو مكونات أخرى. وتبتسم وهي تواصل حديثها عن بداية مشروعها والمراحل التي مرت بها.

في البداية، كانت تلبي طلبات المأكولات الشامية من منزلها. وكانت تحظى بدعم تعاون من زوجها وأبنائها وحتى أحياناً الجيران والمعارف. استمرت بالعمل على هذا النحو من المنزل لمدة عام ونصف، حتى أصبحت تمتلك مطعمهاً الخاص. "وهذا إنجاز طالما سعيت لتحقيقه".

الحاجة أم الاختراع

بابتسامة وترحيب كبير، تستقبل أم حسين زبوناً آخر أتى لطلب بعض قطع (الصفيحة) الشامية، لتعود سريعاً لمتابعة حديثها "هناك مثل يقول: (الحاجة أم الاختراع)، وعندما أتينا إلى الأردن احترنا كثيراً، حيث كان كل من أفراد عائلتي يعمل بمجال مختلف، وبشكل غير مستقر، فبحثنا عن فكرة تجمعنا جميعاً لنعمل بها سوياً، ونتعاون على ظروف الحياة، وبحثنا عن أكثر ما يمكن أن يلاقي إقبالاً من الناس، ووجدنا أن الشعب الأردني يحب المأكولات السورية ويطلبها، ما دفعني لتنفيذ هذا المشروع، وبدأت الناس تعرف من خلال زبائني أن هناك سيدة تدعى أم حسين تصنع الفطائر والمأكولات الشامية، وبدأ الطلب بالتزايد".

وكأي مشروع لا يزال في بداياته، واجهت أم حسين بعض الصعوبات في بداية عملها، إلّا أنها تمكنت بتصميمها وإرادتها من تجاوزها جميعاً. "عندما أتينا إلى الأردن في البداية لم نكن نعرف أحداً هنا، وهذا شكل عائقاً كبيراً أمام عملي في البداية، كما واجهت تحديات كبيرة في السوق المنافس، فكثير من المنافسين اعتقدوا أننا قدمنا لنأخذ مكانهم، لم تكن الطريق ممهدة كثيراً، لكن تصميمي على الاستمرار هو سر بقائي في هذه المنافسة".

كسب الرزق

وخلال حديثها تشدد أم حسين على ضرورة أن يفكر النازح أو اللاجئ دائماً في الشيء الذي يستطيع القيام به من أجل كسب الرزق، مؤكدة أن كل شخص يمتلك مهنة أو مهارة معينة، بإمكانه استغلالها واستثمارها، بدلاً من الاعتماد على المساعدات التي قد يتلقاها من أية جهات.

وتردف "عليه أن يكون على قدر المسؤولية، هناك من يصنع ألعاباً بسيطة للأطفال، وهناك سيدة أعرفها قادمة من حلب، كانت تصنع الحقائب والملابس والإكسسوارات من الصوف، وتبيعها بمبالغ بسيطة، وقد تمكنت من خلال عملها من التكفل بمصاريف عائلتها وعائلة ابنها المتزوج!".

وتعود السيدة إلى مطبخها الصغير، لتواصل عملها بين أدواتها وفطائرها التي تركتها قيد التحضير، لتختم حديثها إلى موقع (إرفع صوتك) بقولها "أشكر كل الأشخاص الذين وقفوا معنا في هذه الظروف واشتروا منا الفطائر والمأكولات الشامية، وكل شخص قدم إطراءً ولو بسيطاً على مأكولاتنا، حتى لو كانت كلمة (أكلكم طيب)".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".