مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:
تعرّض حي كرم الزيتون في مدينة حمص السورية للقصف بالمدافع في شهر آذار/مارس 2012. وبدأت الحياة الهادئة تتحول إلى جحيم خاصة بعد أن سرت بالحي قصص تحكي عن حالات قتل بالرصاص وذبح بالسكين. فعاش أهل الحي حالة من الخوف والرعب المستمرة.
رحلة شاقة
تحكي أم مازن الحمصية، 35 عاماً، لموقع (إرفع صوتك) أن الرحيل بات حتمياً في ظل هذه الأحداث الدامية للحفاظ على حياة أسرتها والبحث عن مكان آمن يمكن العيش فيه. فتسللت هي وزوجها وأولادها وبدأت رحلة التنقل من حي إلى آخر في العراء. فالأسرة لم تكن تملك شيئاً من حطام الدنيا تحتمي به من برد الشتاء القاسي إلى أن وصلوا إلى دير الزور، وتحديدا حي البياضية في ريف المدينة. وقبل أن يهنأوا بالراحة، قصف الحي بالمدافع. فكان لا بد من مواصلة السير والرحيل.
انتقلت العائلة من مكان إلى مكان تحت القصف والنيران والخوف من المجهول. وكان السؤال المسيطر على عقولهم على حد قول السيدة "وين نروح وما هو مصيرنا؟". لكنهم واصلوا رحلتهم بالتنقل بين الأحياء السورية إلى أن هلَّ عليهم شهر حزيران/يونيو 2012 حيث أصيب الزوج بنوبة سُكّر ودخل في غيبوبة لم ينج منها.
"لم نكن نملك الدواء ولم نتمكن من الذهاب به إلى المستشفى فقد كنا بعيدين عن المدينة، تُوفى زوجي وأفقت من صدمة موته لأجد نفسي العائل الوحيد لأولادي".
كانت أم مازن قد عاشت عمرها كله ربه منزل مرفهة يأتيها كل ما تطلبه. تصمت أم مازن قليلاً لتقول من جديد إن خوفها على أبنائها ازداد بعدما سمعت عن الحرب بالمواد الكيميائية، فقررت الذهاب إلى بيروت بصحبة أسرة أخرى ليتحملوا معاً مشقة الرحلة وقسوتها ما بين طرق وعرة وحواجز عسكرية وجشع لبعض سائقي السيارات حتى الوصول إلى بيروت التي لم تكن هدفا لأم مازن منذ البداية. فقد كانت تنوي منذ البداية الذهاب إلى مصر والاستقرار بها هي وأولادها، فالقاهرة بالنسبة لها أكثر أمناً للعائلة، وتستطيع من خلال بعض معارفها تدبير العمل بشكل أيسر لتنفق على أولادها. وقد كان لها ما أرادت، فقد وفرت لها إحدى الجمعيات الأهلية مسكناً تعيش فيه بحي مدينة نصر بالقاهرة ومنه بدأت رحلة العمل.
الإقامة في مصر
استطاعت أم مازن أن تحصل على الإقامة في مصر وألحقت ابنها الأكبر (ثماني سنوات) بالمدرسة. ولمعرفتها الكبيرة بشؤون الطبخ السوري، قررت العمل في تقديم أنواع الطعام السوري للمصريين، بل زادت على ذلك أن التحقت بأحد المشاريع التي تقوم بتعليم السيدات فنون الطهي وتعلمت أم مازن أنواع الأكلات لمصرية والعالمية.
وبعد حصولها على هذه الدورة التدريبية، تعاقدت معها أكثر من شركة من شركات القطاع الخاص لتوريد وجبات لموظفيها. تقوم أم مازن بإعداد هذه الوجبات من منزلها بجودة عالية ونظافة ومن دون استخدام المواد الحافظة وهو ما يمنحها ثقة المتعاملين. وازداد عليها الطلب فأصبحت تتقاضى مردوداً جيدا يمكنها من استئجار شقة خاصة بأسرتها وتوفير مستوى معيشي لأبنائها يُقارب ما كانوا عليه في الماضي حين كانوا يعيشون بسورية رفقة زوجها الراحل الذي كان يعمل موظفاً بالحكومة السورية وله دخل ثابت يجعلهم يعيشون بشكل جيد.
"لولا الحرب وويلاتها لم يكن ليحدث لنا هذا وما كنا اضطررنا لترك وطننا وما كنت فقدت زوجي، فقد تغيرت حياتي كثيراً. في سورية لم أكن لأترك البيت فكان زوجي رحمه الله يحضر لي كل شيء وكان يقول لي دائماً أنتي ست بيت مرفهة"، تتذكر أم مازن بهذه الكلمات كيف كانت تعيش، لتنتقل مرة ثانية لواقعها الآن وتؤكد أن أسلوب الحياة في مصر مختلف عما كان في سورية.
وتؤكد أم مازن بحزم أن النساء السوريات "استطعن في مصر الوقوف على أقدامهن ومسايرة الأوضاع والنجاح في إقامة بعض المشروعات الصغيرة للإنفاق على أسرهن".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659