الأردن – بقلم صالح قشطة:
لم يتوقع كثير من السوريين الذين كانوا يعيشون حياة مستقرة، في مدنهم وقراهم وفي بيوتهم وبين عائلاتهم، أن ينقلب بهم الحال ليعيشوا حياة النزوح والتهجير، بعيداً عن وطنهم وأحبائهم، بعد كل ما تعرضوا له من ظروف، زادت حياتهم تعقيداً، وحرمتهم الكثير من التفاصيل التي اعتادوا عليها سابقاً.
أم فرح، التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها الكامل، تبلغ من العمر 27 عاماً، نزحت قبل أكثر من أربعة أعوام من حمص إلى الأردن. تقول خلال حديثها إلى موقع (إرفع صوتك) إنها لم تتوقع في يوم من الأيام أن الزمن سيدور ليكون بهذه القسوة، لتنقلب حياتها رأساً على عقب، فهي العروس المرفهة، التي رفض زوجها أن تعمل بأية وظيفة، باعتباره كان مالكاً لأحد المخابز.
إلا أنه بعد أشهر من زواجهما اندلعت الحرب، ليصاب زوجها بشظية أصابته بشلل أقعده عن العمل، لتتلاحق المصائب، ويقصف المخبز الذي كان المعيل لهم. ومع اشتداد الحرب نزحت هي وزوجها ووالدته إلى الأردن، التي وضعت فيها طفلتها، بظروف قاسية، سلبت منها فرحتها كأم طالما حلمت بهذه اللحظة.
البحث عن عمل
ومع ضيق الحال، ومرض زوجها، وتزايد متطلبات طفلتها ووالدة زوجها، كان لابد وأن تبحث عن عمل يساعدهم على الاستمرار في الحياة. "لم أود أن أبقى رهينة للفتات الذي نتلقاه من الهيئات الإغاثية، فهي لا تكفي ثمن دواء لزوجي وأمه، أو حليب لطفلتي".
وتتابع بأنها حاولت بالبداية أن تعمل كمعلمة، إلّا أن التوظيف بقطاع التعليم محصور فقط بالمواطنين الأردنيين. ليستقر بها الحال بعد محاولتها العمل في عدد من المهن المختلفة، كمدبرة منزل، وجليسة لسيدة طاعنة بالسن، نظراً لانشغال ابنها وزوجته بأعمالهم.
وتواصل أم فرح حديثها والألم يكسو ملامحها "لم أتوقع بيوم من الأيام أن أصبح شغالة (خادمة) ببيوت الآخرين". وتضيف أن أكثر ما يؤلمها هو شعورها باستغلال جهدها وتعبها، فهي تعتبر أن الأجرة التي تتقاضاها متدنية جداً (نحو 10 دولارات في اليوم)، مقارنة بغيرها ممن يعملن في هذه المهنة.
القسوة
إلّا أن حاجتها للعمل، وعدم امتلاكها لتصريح عمل نظامي، جعلاها "ضحية لاستغلال تلك الأسرة". وعلى حد تعبيرها، فمعاناتها لم تقتصر على الاستغلال المادي الذي تعرضت له، بل امتدت إلى تعامل سيدة المنزل معها بشكل يشعرها بالإهانة والدونية. وتتابع قائلة إن "السيدة الكبيرة، رغم أن لا حول ولا قوة لها، إلا أنها تعطف علي، حتى ولو بكلمة أو ابتسامة، أما زوجة الابن فلا أستطيع تجاوز كل الإهانات التي وجهتها لي، لقد كانت قاسية معي كثيراً".
وتمسح أم فرح دموعها التي تساقطت بشكل لا إرادي، لتتابع وصفها لموقف اعتبرته أكثر المواقف التي واجهتها خلال عملها ألماً، والذي كان عندما فقدت زوجة الابن خاتماً مرصعاً بالمجوهرات، وكانت أم فرح هي المتهمة بسرقته، ليجده الزوج في اليوم التالي على أرضية سيارته. وتضيف "وجدوه.. ولكن بعد ماذا؟ بعد أن تم اتهامي ومعاملتي كسارقة، بمنتهى القساوة والظلم".
بعد اتهامها بالسرقة، فضلت السيدة ترك عملها لدى تلك الأسرة، وواصلت البحث عن فرص عمل جديدة، لم تبتعد كثيراً عن أن تكون عاملة تنظيف في منازل الآخرين، تعاون السيدات في أعمالهن المنزلية.
الشعور بالمهانة
"أصبحت أعمل لدى أكثر من عائلة، فتستدعيني من تقوم بالتحضير لوليمة عائلية للوقوف معها ومساعدتها، وتطلبني أخرى تحتاج معونتي في ترتيب الأغراض التي نقلتها إلى منزلها الجديد، وهناك من تطلبني لتنظيف المنزل والاعتناء بأطفالها لدى اضطرارها للخروج لتلبية أي أمر طارئ"، تقول النازحة التي تؤكد أن معاناتها لم تنته بتركها لعملها الأول. ففي كل منزل تعمل به كانت هناك تفاصيل مختلفة تنغص عليها عملها، وتزيد من همومها التي لا تتوقف عن التراكم أمامها منذ لحظة نزوحها من بلادها.
وتتابع متنهدة "لا يمكن لأي شخص أن يتخيل شعوري عندما تمد إلي إحداهن بقايا طعام غير صالحة للأكل لأخذها معي إلى المنزل، ناهيك عن إحدى الأسر التي حاولت اتهامي بسرقة الطعام من منزلهم، عندما أتى زوج إحدى السيدات وأخبرها أمامي أن الجبنة والمعلبات باتت تنفذ بشكل متسارع من البيت، بنبرة توحي بأنني أخذتها لبيتي"، لتختم حديثها بأمنيتها الوحيدة بالعودة إلى وطنها ومنزلها وحياتها القديمة، لتنسى كل ما عاشته في نزوحها من مرارة وألم.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659