طفلان يمنيان يحملان علب بلاستيك بعد تجميعها من أماكن مختلفة في العاصمة صنعاء/إرفع صوتك
طفلان يمنيان يحملان علب بلاستيك بعد تجميعها من أماكن مختلفة في العاصمة صنعاء/إرفع صوتك

صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

يقضي الـطفل نشوان نضال، 15 عاماً، نحو 14 ساعة يومياً بالعمل في مقهى صغير شمالي العاصمة اليمنية صنعاء، منذ أن اضطر لترك مدرسته بسبب ظروف أسرته المعيشية قبل حوالي عام ونصف، مقابل دخل شهري قدره 20 ألف ريال (64.5 دولار).

“لا أرغب بالدراسة ولن أعود إليها، والدي فقير، والتعليم لن يفيدني بشيء”، يقول نشوان الذي غادر المدرسة العام الماضي، بينما كان في الصف الخامس أساسي.

ويذكر نشوان، وهو أحد خمسة أخوة ينحدرون من أسرة يمنية فقيرة، أن شقيقه الأصغر منه، ترك هو الآخر مدرسته هذا العام ليلتحق بالعمل منذ حوالي شهر في مخبز بمدينة عدن (جنوبي غرب البلاد).

“أخصّص نصف راتبي لوالدي ووالدتي وأخواني، والدي عاطل عن العمل..”، يضيف الطفل النحيل، لموقع (إرفع صوتك).

أرقام

وتذهب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إلى أن هناك أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدارس بسبب تداعيات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.

ودفع النزاع المتصاعد بملايين السكان إلى دائرة الفقر، حيث تقول الأمم المتحدة إن 14 مليون شخص في اليمن يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي منهم سبعة ملايين لا يعلمون متى وكيف سيحصلون على وجبتهم التالية.

وتشير تقارير رسمية بتزايد أعداد الأطفال العاملين إلى أكثر من مليونين ونصف المليون طفل تحت سن الـ17، خلال العامين الماضيين مقارنة بمليون و614 ألف عام 2010.

وحسب تلك التقارير، يشكل الأطفال (تحت 17 سنة) أكثر من 46 في المئة من إجمالي سكان اليمن البالغ (نحو 26.5 مليون نسمة).

ويعاني كثير من هؤلاء مخاطر صحية جمة نتيجة عملهم في مهن خطرة وغياب أي وسائل حمايه، فضلاً عن تعرض بعضهم لانتهاكات جنسية.

وفوق ذلك يتراوح معدل دخل الأطفال العاملين ما بين 500 و2000 ريال في اليوم الواحد (حوالي 1.1 إلى 6.6 دولار أمريكي)، بينما تتراوح ساعات العمل ما بين ستّ إلى 12 ساعة، وأحياناً قد تصل إلى 18 ساعة، وفق ما تقول منى سالم، مديرة وحدة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لموقع (إرفع صوتك).

تطرف

ويؤكد باحثون اجتماعيون وأخصائيون نفسيون أن الأطفال هم أكثر فئات المجتمع اليمني تضرراً من الحرب وتداعياتها المدمرة.

ويحذر الدكتور ناصر الذبحاني، وهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، من أنه سيكون لهذا الأمر “انعكاسات خطيرة على مستقبل الأطفال، سواء على المستوى الصحي أو النفسي أو الاجتماعي”.

وأضاف “أنت تبني نفسية مُخربة فاقدة للأمان وأبسط متطلبات الحياة، هذا الوضع سيكون له آثار سلبية كبيرة على مستقبل الأطفال، وربما يفاقم نزعة التطرف داخل المجتمع اليمني”.

ويؤكد الذبحاني لموقع (إرفع صوتك) أن “مستقبل البلد مرهون بالمعالجات القادمة للأزمة الراهنة”. ويرى أن “التعجيل في حل الأزمة سيقلل من الآثار، ويوفر إمكانيات أفضل من حيث حصول الناس على رواتبهم وعودتهم إلى أعمالهم. هذا يمكن أن يخفف من الأثر النفسي وتداعيات أخرى كثيرة على الأطفال والأسر اليمنية نفسها”.

رعب

تقول هدى غالب، 37 عاما، وهي أم لثمانية أطفال تقطن مدينة تعز جنوبي غرب البلاد، إنها تعيش وأطفالها حالة “رعب وقلق بسبب الانفجارات الناتجة عن القصف المدفعي والصاروخي”.

وتابعت لموقع (إرفع صوتك) “أطفالي يستيقظون من النوم في منتصف الليل، ولا يتوقفون عن البكاء منذ مقتل والدهم برصاص عشوائي قبل عام”.

ولا تخفي القول إن أحد أطفالها بات عدوانياً “أحياناً يرفض الذهاب إلى المدرسة لأنني لم أعد قادرة على توفير مصروفه اليومي منذ انقطاع راتب والده”.

قتال

في السياق، يقول أحمد داوود، وهو شاب يمني في بداية العقد الثاني من العمر، لموقع (إرفع صوتك) إن صديقه بري هاشم (17 عاما) “ذهب مؤخراً للعمل في رعي الأغنام لأن مستواه الدراسي لم يكن جيداً”، فيما انخرط صديقه الأخر أصيل قائد (16 عاما) بالقتال في صفوف ما يعرف بالمقاومة الشعبية ضد جماعة الحوثيين بتعز، منتصف العام الماضي.

وتقول “اليونيسف” إنها وثقت 1200 حالة لتجنيد أطفال، تورطت فيها كافة القوى المتصارعة، لكن تقارير لمنظمات محلية تذهب إلى أن العدد الحقيقي يتجاوز 20 الف طفل.

جيل...

ويعتقد باحث تربوي يمني، فضل عدم ذكر اسمه أن “بقاء الأطفال خارج المدارس يهدد مستقبلهم ويفاقم مشاكل البلد، وسيؤدي إلى مزيد من الفوضى والعنف”.

وأضاف لموقع (إرفع صوتك) “ربما نشهد جيلا كاملا من المتطرفين”.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".