الأردن – بقلم صالح قشطة:
بلهفةٍ وحماسٍ غامرين، يهمّ مجد الحريري (14 عام) بحزم حقيبته المهترئة، جراء النزوح والتنقل المتواصل، ليغادر مهاجراً إلى ألمانيا، ليطوي صفحة انتظارٍ طال لمدة أربع أعوام، منذ نزوحه عن درعا، جنوبي سورية.
عمل مجد خلال هذه الفترة في أحد صالونات الحلاقة في منطقة العبدلي، وسط العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان يتقاضى أجراً لا يتجاوز ثلاثة دنانير (4.3 دولار أميركي) لقاء عمله كـ"صبي" (عامل تنظيف ومساعد للحلاق) لمدة تقارب 10 ساعات يومياً.
لعب الصبي دور الأب، رغم صغر سنه، ليتمكن من إعالة أسرته التي لم يتبقى منها بعد مقتل والده سوى شقيقته (حلا)، ووالدته التي عملت لفترة في حياكة الصوف لتخفف عن ابنها بعض المصاريف الملقاة على عاتقه، وحتّى تتمكّن العائلة من سداد أجرة الغرفة المتواضعة التي يسكنون بها، في الوسط القديم للعاصمة.
هذا بالإضافة إلى التزامه تجاه شقيقته الصغرى (حلا)، التي لا تزال طالبة في الصف الرابع، والتي يحرص على إعطائها مصروفاً يومياً يبلغ نصف دينار أردني (70 سنت)، لينفق ما تبقى من دخله على احتياجات أسرته اليومية، كالخبز والخضروات وأحياناً اللحوم، في حالة حالفه الحظ بتلقي "إكرامية" سخية، تساعده على الإسراف ببضعة دنانير لخوض مغامرة شراء اللحوم، التي كادت أسرته أن تنسى مذاقها.
بانتظار الهجرة
وبينما يتجه مجد نحو المطار مهاجراً، يودعه صديقه عبد العليم عامر (16 عام) الذي لا يزال على رأس عمله في أحد المطاعم الشعبية، بجوار الصالون الذي عمل فيه مجد في ذات المجمع التجاري، منذ نزوحه من منطقة الخالدية، بالقرب من حمص.
ويوضح عبد العليم لموقع (إرفع صوتك) أنه ينتظر دوره بالهجرة بفارغ الصبر، بعد أن نزح إلى الأردن قبل خمسة أعوام بسبب الحصار والحرب اللذين جعلا حياتهم صعبة.
ويقول النازح "ما اختلف في حياتي هو الظروف التي فرضها علينا النزوح، فالمسؤولية هنا أصبحت أكبر بكثير، وعليّ أن أعمل بجد، كوني الفرد الوحيد العامل في أسرتي المكونة من سبعة أشخاص". وعلي عبد العليم أن يجمع المبلغ اللازم لإيجار بيتنا شهرياً، ويبلغ الإيجار 250 دينار أردني شهرياً (360 دولار أميركي).
عند قدومه من سورية، كان عبد العليم لا يزال طالباً في الصف السادس. واضطر لترك دراسته عندما واجه والده بعض الظروف التي أقعدته عن عمله في مجال ميكانيك السيارات، فلم يجد أمامه خياراً سوى تحمل هذه المسؤولية التي أثقلت كاهله. فكل ما تحصل أسرته عليه من مفوضية شؤون اللاجئين هو كوبون للمعونات، يتيح لهم الحصول على بعض المواد الغذائية الأساسية. ولا تتجاوز قيمة مبلغ المعونات 150 دينار أردني شهرياً (214 دولار أميركي)، يبتاعون به منتجات كالأرز والبرغل والزيت والطحين والسكر لجميع أفراد الأسرة.
بابتسامة مليئة بالخجل، يستأذننا عبد العليم ليقوم بتحضير كوبين من الشاي وبعض الشطائر لزبائنه. ويعود لمتابعة حديثه قائلاً إنّه يتقاضى من عمله هذا راتباً شهرياً لا يتجاوز 200 دينار أردني (300 دولار أميركي تقريباً).
ويشير إلى أنّه يعمل يومياً بشكل متواصل لمدة 12 ساعة. وبعد انتهاء ساعات دوامه المطلوبة، بقى في المطعم ليعمل لساعاتٍ إضافية حتّى يتمكّن من تأمين ما تبقى من إيجار المنزل، كونه يدفع إيجاراً يتجاوز راتبه الأساسي.
العمل والدراسة
ويضيف المراهق "أدرك أن العمل لقاصر لم يبلغ 18 عاماً من عمره ممنوع بحسب الأنظمة والقوانين، وهذا قد يعرضني ويعرض صاحب العمل لعقوبات لا تخلوا من دفع غرامات مالية باهظة. لكن أنا مضطر للعمل، ولدي مسؤولية عائلة بأكملها... هذا ما كتبه لي القدر".
ويشير إلى أنّه يحاول التواري عن الأنظار عندما تأتي لجان التفتيش الحكومية للمطعم، وأحياناً يتظاهر بأنه واحد من الزبائن، الذين ينتظرون الحصول على طعامهم.
ينصح عبد العليم جميع الطلاب النازحين بعدم ترك دراستهم تحت أي ظرف كان، فهي برأيه أفضل من العمل. ويقول "عندما تمتلك شهادة علمية في يدك تشعر بقدرتك على مواجهة هذا العالم بقوة أكبر، ويكون احترام الناس لك أكثر".
ويوضح أنّه لو سنحت له الفرصة فسيعود لمتابعة دراسته على الفور، ليحقق حلمه بأن يصبح طبيباً في يوم من الأيام. ويختم حديثه قائلاً "لكن ما نمر به من ظروف بسبب النزوح لم يكن بيدي، وقد حاولت التنسيق بين الدراسة والعمل، لكن هذا لم يكن مناسباً، فأنا أحتاج للعمل لساعات أطول لتأمين دخل أكبر".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659