نازحون سوريون في المغرب/وكالة الصحافة الفرنسية

المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

يجلس لؤي (سبع سنوات) بجانب أمه التي تفترش ركنا منزويا قرب مدرسة خصوصية وسط  حي أكدال الراقي بالعاصمة الرباط. يتأمل أطفالا يرافقون آباءهم من المدرسة وفي قرارة نفسه حسرة على واقعه الذي كان كما يصفه المشهد. "لولا الحرب لكنت بدوري أرافق والدي صوب المدرسة كهؤلاء الصغار"، يقول لؤي لموقع (إرفع صوتك).

"بدي أدرس وألعب مع الأطفال، ولما أكبر أشتغل طبيب وأداوي الناس وأشتري منزل وسيارة وأريح أمي وأبي من معاناتهما لأجلنا"، ببراءة قال لؤي هذه الكلمات وعيناه إلى الأرض خجلا من وضعه الذي لا يملك فيه شيء سوى أمنيات يتمنى تحقيقها في المستقبل.

غادرت أسرة لؤي المكونة من أبويه وأختين مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش قبل ثلاث سنوات بعدما تمكنت من الفرار.

حلم لؤي الوحيد أن يكون مثل هؤلاء الأطفال في المدرسة "لا مرميا في الشارع ينتظر عطف البشر"، تقول أم لؤي وعلامات اليأس بادية على محياها، قبل أن تتابع "خسرنا كل ما نملك ولا نود خسارة مستقبل أطفالنا".

نفسية متأزمة

أثّرت ظروف الحرب التي عاشتها العائلة على نفسية لؤي. "لم يعد قادرا على الاندماج مع الأطفال، ولا يرغب في شيء سوى الجلوس بجانبي"، تضيف أم لؤي وهي تربت بيدها على شعر ابنها.

معاناة الطفل السوري لؤي لا تقل فداحة عما تعشيه ياسمنية ذات التسع سنوات، والتي غادرت بلادها بسبب الحرب وأصبحت تحت رحمة الفقر والتشرد، حيث تقضي يومها كاملا أمام ملتقيات الطرق بالعاصمة الرباط تتوسل عطف المحسنين.

بملابس رثة وسحنة يبدو عليها التعب، تحمل ياسمينة لافتة مكتوب عليها "عائلة سورية تطلب مساعدة المحسنين.. أنقذونا من التشرد والبرد". وتستعطف كل أصحاب السيارات عند إشارات المرور.

"تدمّرت مدرستنا وفقدت معلمي وأصدقائي، لكني لم أفقد الأمل في العودة مجددا لبلدي ولمدرستي"، تقول ياسمينة بابتسامة ممزوجة بالألم يعتصر قلبها، لموقع (إرفع صوتك)، قبل أن تعود لتحاول استعطاف ركاب سيارة أخرى.

أمل لم ينقطع

أرغمت حالة  الحرب والحصار في مدينة حلب ياسمينة على مغادرة  الدراسة. ورغم طول مسيرة لجوئها رفقة عائلتها من سورية إلى المغرب، فإنها لم تترك محفظة كتبها، حيث ما زالت تقوم بواجباتها وتطالع دروسها كلما سنحت لها فرصة ذلك في البيت.

تقضي ياسمينة يومها كاملا في التسول أمام أنظار أبويها المتخفيين، وبداخلها دين تطمح أن تؤديه لأهلها. "أنا مدينة لأمي وأبي بحياتي، هما من أنقذاني من الموت وأتمنى أن أنقذهما بدوري"، تقول ياسمينة قبل أن تتجه نحو سيارات توقفت للتو عند الإشارة الحمراء.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".