نازحون ولاجئون

في اليمن .. قد تتحول مخيمات النازحين إلى مقابر جماعية

غمدان الدقيمي
20 أبريل 2020

على أرض جدباء مقفرة وحارة جدا في منطقة الزبرة بمديرية مدغل (حوالي 50 كم شمالي غرب) مدينة مأرب وسط اليمن، تنتصب مئات الخيام الصغيرة، حيث تقطن أكثر من 800 أسرة يمنية نازحة في ظروف معيشية صعبة فراراً من الحرب الأهلية التي تعصف بالبلد العربي الفقير منذ أكثر من خمس سنوات.
وأجبر النزاع الدامي في اليمن أكثر من 3.5 مليون شخص على مغادرة ديارهم، في إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حسب تصنيف الأمم المتحدة.
وينحدر معظم النازحين في مخيم الزبرة إلى مديرية مجزر التابعة لمحافظة مأرب ومديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، حيث دارت معارك شرسة بين الحوثيين وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والمدعومة من تحالف عربي سني بقيادة السعودية.
يعيش النازحون في هذا المخيم ظروفا معيشية صعبة، والأسوأ أن غالبيتهم لا يعرفون عن وباء كورونا الذي أصبح حديث العالم، لكنهم يخشون من تقدم جماعة الحوثيين عسكريا إلى مناطق تواجدهم.
ويبعد المخيم عن مواقع المواجهات العسكرية بحوالي 20 إلى 25 كم.
وبعض النازحين في هذا المخيم توافدوا تباعا منذ عام 2015، لكن موجة النزوح المكثفة حدثت مطلع العام الجاري مع عودة المعارك في محافظة الجوف المجاورة ومديرية نهم إلى أشدها وأفضت إلى استعادة الحوثيين مناطق شاسعة كانوا قد خسروها في السنوات الأخيرة.

حالتنا متعبة جدا
يقول مبروك جحزة (50 عاما)، الذي نزح من مديرية نهم إلى مخيم الزبرة بمأرب، إن "حالتنا متعبة جدا. لا سكن لا ماء لا كهرباء لا غذاء ولا شيء متوفر. كنا حصلنا بداية هذا العام على خيام وأخشاب من منظمة الهجرة الدولية جاءت العاصفة والرياح قبل أسبوعين ودمرت غالبيتها".
كان يعمل مبروك وهو أبٌ لعشرة أطفال أعمل بمزرعته الخاصة في نهم قبل أن يهرب من المعارك بداية العام الجاري، بحسب ما يروي في حديث لموقع (ارفع صوتك)، مضيفا "كنت قد نزحت أيضا عام 2015 وبقيت نازح لمدة عامين. حياة النزوح مثل الذي ينتظر الموت في أي لحظة".
ويتابع "معظم النازحين هنا يجهلون أي شيء عن فيروس كورونا، همنا الوحيد هو كيف نحصل على طعام اليوم التالي، لا أحد يفكر بكورونا إلا الذي زار المدينة وهم قلة جدا".
ويصف المقيمون بهذا المخيم أنفسهم بـ"المعذبون".
يقول جحزة "نحن معذبون في هذا المخيم. نريد من يساعدنا وينقذنا من هذا الوضع السيء".
 
نشاط بسيط
من جانبه، يقول عبد الله جماله، وهو ناشط في المجال الإنساني ورئيس جمعية مجزر (منظمة مدنية محلية) في مديرية مدغل بمأرب، إن "وضع النازحين هنا مأساوي إلى حد بعيد، يعيشون في خيام ممزقة وداخل عشش وتحت الأشجار خاصة الذين نزحوا مؤخرا. أهم إشكالية تواجههم هي عدم توفر المأوى المناسب".
وكانت عاصفة رملية شديدة اعقبتها أمطار غزيرة وسيول قد غمرت قبل أسبوعين معظم أجزاء المخيم وأدت إلى أضرار مادية كبيرة في مساكن النازحين.
ويوضح جماله في حديث لـ(ارفع صوتك)، أن "كل شيء صعب في المخيم، الغذاء غير متوفر وكذلك المياه شحيحة ويتم جلبها بالسيارات والحمير، ويوجد مركز صحي واحد في المديرية يصعب الوصول إليه". وشدد الناشط على ضرورة الاستجابة العاجلة من المنظمات الدولية والمحلية والجهات الحكومية لمتطلبات تلك المخيمات، لأن "أعداد كثيرة من الأطفال والنساء وكبار السن يعانون من سوء الأحوال الصحية والمعيشية في المخيم"، على حد وصفه.
وأكد أنه كان هناك تدخل طارئ من منظمة الهجرة الدولية، لكن جاءت العاصفة وكأن لم يكن شيء، بخاصة المأوى، لأنه طارئ، وعبارة عن طرابيل وخيام.
وبشأن الإجراءات الاحترازية المتخذة للوقاية من تفشي فيروس كورونا المستجد يقول جماله، "فقط نفذ نشاط بسيط لبعض النازحين وهو التوعية الشفهية، لكن لم توزع أي كمامات أو منظفات ومعقمات وغيرها من الأدوات، إذا انتشر هذا الوباء سيكون كالنار في الهشيم داخل المخيم".
 
غنية بالنفط ولكن...
وتنتشر في محيط مدينة مأرب، وهي المقر الشمالي لتحالف الحكومة، عشرات المخيمات التي تأوي الفارين من الحرب من مختلف المحافظات اليمنية.
ومحافظة مأرب غنية بالنفط لكنها من بين المحافظات النائية في اليمن.
وسجلت مأرب الرقم الأعلى بين محافظات اليمن في استقبال النازحين. وبحسب منظمة الهجرة الدولية استقبلت مأرب 7636 أسرة نازحة، من إجمالي 11484 أسرة يمنية نزحت من مختلف محافظات البلاد منذ مطلع 2020.
ولا يختلف الوضع في المخيمات الأخرى عما هو قائم في مخيم الزبرة للنازحين.
أضف إلى ذلك أن بعض المخيمات كمخيم السويداء مثلا، غمرته سيول الأمطار الأسبوع الماضي وخلفت دمارا واسعا في خيام النازحين، فضلا عن مقتل أسرة بكامل أفرادها.

مقابر جماعية
يقول مبخوت عذبان، الذي نزح من محافظة الجوف إلى مأرب ويعمل في المجال الإنساني، "أعرف أكثر من 20 مخيم للنازحين متناثرة في محيط مدينة مأرب خاصة في الصحراء واقع النازحين فيها سيء للغاية، لا توجد أي استجابة إنسانية، وإن وجدت لا تفي بالغرض. هناك قصور كبير جدا في المساعدات، ولا يوجد تدخل طارئ".
ويضيف عذبان لـ(ارفع صوتك)، "فقط بعض النازحين يتلقون توعية بخطورة فيروس كورونا عبر وسائل الإعلام المختلفة. إذا قدر الله وتفشى كورونا في اليمن ستتحول مخيمات النازحين إلى مقابر جماعية".

غمدان الدقيمي

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".