نازحون ولاجئون

بعد غلق مخيماتهم .. آلاف النازحين العراقيين يعيشون أوضاعا صعبة

دلشاد حسين
29 نوفمبر 2020

يعيش الآلاف من النازحين العراقيين أوضاع إنسانية صعبة في محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين منذ نهاية أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٠، إثر إغلاق ١٥مخيما كانت تأويهم بقرار من وزارة الهجرة والمهجرين.

واتخذت العديد من العائلات النازحة بعد إغلاق المخيمات من هياكل المباني داخل المدن وفي أطرافها مأوى لها، فيما نصب عدد آخر منها الخيم قرب منازلها المدمرة وتعيش عائلات أخرى داخل أبنية المدارس.

أبو عباس، اسم مستعار لنازح من الموصل، كان يعيش حتى بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي في مخيم حمام العليل، لكنه اضطر إلى الخروج منه بعد إغلاق السلطات المخيم.

يقول أبو عباس وهو رب اسرة تتكون من سبعة أفراد، "أبلغونا أن المخيم سيغلق وعلينا أن نتركه، طلبنا منهم البقاء لأننا لا نمتلك أي مكان نأوي إليه خاصة أن بيوتنا مدمرة، لكن دون جدوى لذلك تركنا المخيم خلال مهلة الأسبوع التي حددوها لنا".

وكان مخيم حمام العليل أحد أكبر مخيمات النازحين في العراق وأنشأ مطلع عام ٢٠١٧، خلال معارك تحرير مدينة الموصل في ناحية حمام العليل جنوب شرق المدينة واحتضن ٢٠ ألف خيمة.

وعلى الرغم من كونه نازحا من مدينة الموصل الا أن أبو عباس لم يعد إليها وأختار الاستقرار في ناحية حمام العليل.

ويوضح في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "لم أعد للموصل لأن منزلي مدمر بالكامل والأوضاع المعيشية فيها صعبة، لذلك قررت أن استقر في حمام العليل حيث أسكن مع عائلتي في هيكل بيت غير مكتمل، وأسعى من خلال العمل بأجور يومية كعامل من أجل توفير لقمة العيش للعائلة فالحكومة أخرجتنا من المخيمات ولم تقدم لنا أي مساعدات مالية أو غذائية".

ولم تكن مخيمات جنوب الموصل الوحيدة التي أغلقتها الحكومة العراقية بل شمل الإغلاق مخيمات محافظتي الأنبار وصلاح الدين أيضا.

خليف علي، نازح آخر كان يعيش في مخيم المدينة السياحية في مدينة الحبانية بالأنبار (غرب العراق)، ترك المخيم نهاية سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٠ وعاد إلى مدينته القائم.

يروي كشف عليّ أنه تعرض والنازحون الآخرون إلى ضغوطات عديدة فضلا عن طلب مباشر من إدارة المخيم منهم بترك المخيم والعودة إلى مناطقهم.

وتابع "أغلق المخيم وأجبرنا على الخروج منه، وعندما عدنا إلى مناطقنا انصدمنا بأوضاعها الصعبة وانعدام فرص العمل والخدمات فيها فضلا عن الدمار الذي لحق بها"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "اضطررت إلى تأجير هيكل منزل صغير جدا لا يستوعب افراد عائلتي لكن لا أملك حاليا حلا أفضل من هذا، فهناك عائلات كثيرة تعيش في العراء وسط انخفاض درجات الحرارة وحلول موسم الأمطار ونقص الغذاء والوقود".

واعتبر عمر الفرحان، رئيس المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أن عودة النازحين إلى مناطقهم "صعبة" وسط وجود عقبات كبيرة وجسيمة.

ويوضح في حديث لموقعنا "منازلهم مدمرة، والألغام الأرضية تنتشر في المزارع، وتفرض الحكومة والميليشيات القيود على حرية الحركة".

ويشدد الفرحان على أن "ما أقدمت عليه الحكومة العراقية من إعادة النازحين قسرا تعد انتهاكا لحقوق النازحين، وقد تعرض النازحون إلى ابتزاز وتحرش واعتقال تعسفي من قبل الأجهزة الحكومية والميليشيات، فيما تعرض عدد منهم للاغتيال من قبل مجهولين في ظل انعدام كامل للأمن وسطوة الميليشيات".

ويشير رئيس المركز العراقي إلى أن سيارات تابعة للميليشيات اعترضت نازحي مخيم الجدعة جنوب الموصل عند عودتهم وأهانتهم ووجهت لهم الشتائم، كما رفضت ميليشيات أخرى دخول النازحين إلى مناطقهم وأجبرتهم على المبيت في العراء رغم أن غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن.

من جانبه، أكدت وزيرة الهجرة والمهجرين، إيفان فائق جابرو، خلال لقائها مستشار الأمن الوطني قاسم الاعرجي، في ٢٤ تشرين الثاني/ نوفمبر، على أن وزارتها ماضية في استكمال غلق ستة مخيمات أخرى حتى نهاية العام الحالي.

وقالت جابرو في بيان نشر على موقع الوزارة إن "الوزارة أغلقت ١٥ مخيم خلال شهر واحد فقط في فترة قياسية لم تحدث سابقا وهذا يعود جراء التعاون الكبير والتواصل مع مستشارية الأمن الوطني والقوات الأمنية".

وأشار البيان إلى وجود تنسيق عال المستوى مع المنظمات الدولية من أجل ترميم منازل بعض العائلات النازحة ودفع بدلات إيجار لهم لحين تهيئة منازلهم.

ورغم إشارة الوزيرة إلى وجود تنسيق مع المنظمات الدولية إلا أن مكتب نائبة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق شدد في بيان له على أن "قرار إغلاق مخيمات النازحين اتخذ بشكل مستقل عن الأمم المتحدة، التي لا تشارك في القرارات الحكومية المتعلقة بوضع مخيمات النازحين".

وأكد البيان على أن "الأمم المتحدة تتابع التطورات عن كثب، وهي على أتصال مستمر مع الحكومة العراقية بشأن التخطيط لإيجاد حلول دائمة وطويلة الأجل لجميع النازحين الضعفاء في العراق".

ويوضح محمد سليم، رئيس منظمة حباء للتنمية والإغاثة الإنسانية أنه كان ينبغي على الحكومة الأخذ بنظر الاعتبار معالجة مجموعة من المشكلات قبل إغلاق هذه المخيمات.

وأضاف "كان من الضروري حل المشكلات الأمنية للنازحين في مناطقهم ومعالجة مشكلة السكن لأنهم لم يعودوا يمتلكون بيوتا بسبب الدمار التي لحق بها خلال المعارك، والعديد منهم لا يمتلكون أوراق ثبوتية حيث فقدوها خلال نزوحهم وهذا يعرضهم للاعتقال لأنهم لا يمتلكون أوراق تثبت أنهم مواطنون، والمشكلة الأخرى التي تواجههم هي عدم امتلاكهم مصدر مالي لتوفير قوتهم اليومي فأوضاعهم المعيشية صعبة جدا، وكان لا بد من إعادة تأهيلهم ومعالجتهم نفسيا وحل مشكلاتهم قبل إعادتهم".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".