نازحون ولاجئون

خوف وتشريد.. مصير مجهول يعيشه نازحو العراق

17 ديسمبر 2020

بعد أن عاش في مخيم لحوالي ثلاث سنوات، عاد مرحي حامد عبدالله، إلى قريته غربي مدينة الموصل لأول مرة منذ هزيمة تنظيم داعش ليكتشف بأن منزله دمر بالكامل. 

ولحماية أفراد عائلته السبعة نصب عبدالله خيمته التي سارع بتوضيبها عندما أغلقت الحكومة مخيم حمام العليل، الشهر الماضي، لتجبر أكثر من 8500 نازح على العودة إلى قراهم لينتظرهم مصير مجهول. 

وتعيش أكثر من 200 عائلة بالشكل ذاته في قرية ديباجة، في خيم يزينها شعار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بين المنازل المدمرة، دون مياه أو كهرباء. 

يقول عبدالله: "لو كان القرار عائدا لي، لم أكن لأغادر المخيم". 

وقامت الحكومة العراقية بإغلاق المخيم ضمن خطة شاملة لإغلاق كافة المخيمات التي تحوي النازحين في الداخل، بحلول نهاية العام، بحجة تركيز التمويل على عمليات إعادة البناء. 

وحذرت المنظمات الإنسانية من أن الإغلاق السريع لهذه المخيمات يمكنه أن يتسبب في تشريد الآلاف بالأخص في أشهر الشتاء، وشددت أن خلق مجتمعات بهذا الشكل قد يساهم في توليد الكراهية داخل المجتمع العراقي، الذي لا يزال يحاول التعافي من الذكريات المشؤومة التي فرضها تنظيم "داعش".

وحتى الآن، أخرج ما لا يقل عن 34 ألف شخص من 11 مخيما تم إغلاقها، منذ أكتوبر، وترجح المنظمات أن الرقم أكبر من هذا، ويظل 26 ألف نازح في المخيمات الثلاثة المتبقية. 

وهناك أكثر من 180 ألف شخص يعيشون في 25 مخيما في إقليم كردستان، وليس من الواضح بعد إن كانت هذه المخيمات ستخضع لقرار الإغلاق.

ويقول المتحدث باسم مجلس اللاجئين النرويجي "NRC"، مارين أوليفيسي، إن "إخراج الناس من المخيمات قد يبدو حلا لإنهاء النزوح، لكنه لا يوفر حلولا دائمة لمشكلة الأزمة". 

وتسببت الحرب التي شنها العراق على تنظيم "داعش" (2014-2017) بخروج 6 ملايين عراقي من منازلهم، أي قرابة 15 في المئة من سكان الدولة، وخلال السنوات عاد الكثيرون إلى منازلهم، وفي أغسطس 2019، بدأت بغداد بإغلاق المخيمات وسارعت في تنفيذ القرار في منتصف أكتوبر الماضي، عندما احتضنت أكثر من 240 ألف شخص.

وقال حوالي 75 في المئة من سكان مخيم حمام العليل إنهم غير قادرين على العودة لأن منازلهم مدمرة، وفقا لاستطلاع أجرته "NRC" قبل إغلاق المخيم.

أما في مخيم ليلان بمحافظة كركوك، أعلنت السلطات عن مهلة أيام ليقوم سبعة آلاف نازح بتحضير أمورهم والحصول على مؤن تدوم ثلاثة أشهر والأدوية الضرورية.

ودقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن 30 في المئة من العائدين لا يملكون مساكن "آمنة وكريمة".

وترى الحكومة أن المنظمات يمكنها توجيه تمويلها في مشاريع التطوير عوضا عن تمويل المخيمات.

ويقول نجم الجبوري، محافظ نينوى، التي تحوي مخيم حمام العليل: "نحتاج أن يعود النازحون ليتمكنوا من إعادة بناء قراهم"، مضيفا "أجل، سيعانون.. لكن هذا لا يعني بأن نواصل إبقاءهم في المخيمات دون مهلة".

ويأمل المسؤولون بأن يتكرر سيناريو نينوى في مواقع أخرى، حيث قامت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة "IOM" بمساعدة المسؤولين في مخيم السلامية في تقدير قيمة إصلاح المنازل، وفقا لما يراه آزاد داوود، نائب دائرة الهجرة في الموصل. 

وعلى ما ذكره عشرات النازحين لأسوشيتد برس، يقول داوود إن المخيمات خيرت المقيمين فيها بالبقاء أو العودة.

لكن النازحين يقولون أن الوقت ينفذ أمامهم، ففي حي التنك غربي الموصل يتفقد غانم خلف، 41 عاما، فجوة أرضية قام بحفرها بيديه لإبعاد مياه الصرف الصحي من التسرب لمنزله كلما هطلت الأمطار.

"علينا أن نبقى هنا، لا نملك خيارا آخر"، يقول الأب لخمسة أطفال بعد أن غادر مخيم الجدعة قبل أشهر.

جرح عميق

ولا تملك الحكومة خطة شاملة للفئات الأخرى من النازحين الذي قد يواجهون التمييز بعد مغادرتهم المخيمات، من أبرزهم زوجات وأرامل وأطفال المشاركين في القتال مع تنظيم داعش. 

وتقول سهى أحمد، إنها لا يمكنها أن تعود إلى قريتها جنوبي كركوك، رغم أنها تخلت عن أي انتماء لزوجها الذي انضم لـ"داعش"، إلا أنه يجب على عشيرتها السماح بعودتها ن مخيم ليلان كما أنها تخشى من المليشيات الشيعية في نقاط التفتيش.  

وتقول الأم لخمسة أطفال، أصغرهم بعمر الثالثة: "لا أعلم أين أذهب". 

وفي نينوى، تقبع 2000 عائلة مرتبطة بداعش، ويتوقع داوود أن يتم ضمها إلى مخيم الجدعة 5، ولا يملك فكرة حول ما سيحل بها بعد ذلك. 

وقد تكللت المشاورات الحكومية مع عشائر عائلات "داعش" ببعض النجاح، لكن جهودا أخرى لا تزال بعيدة المنال. 

ففي بلدة سنجار لا يزال الجرح أليما بسبب القمع الذي شنه التنظيم على القرى الأيزيدية، الذي تضمن إعدام الرجال جماعيا واستعباد آلاف النساء. 

سهاد داوود، التي نجت من فظائع التنظيم لا تقبل عودة العائلات السنية، وتقول: "نرفض أن تعيش هذه العائلات بيننا مرة أخرة، لقد غدرونا". 

ويقول الشيخ محمد إبراهيم، الزعيم العشائري السني في قرية خيلو، جنوبي سنجار، إنه من المستبعد استقبال أفراد عائلات داعش وأطفالهم.

ويضيف: "كل فرد قتل له قريب على أيدي التنظيم سيود الانتقام بالدم.. لا نود أن يعودوا.. لا نرغب يرؤيتهم، سواء كانوا رجالا أم نساء أم أطفالا".

ورغم هذه الاعتراضات الحادة تواصل الحكومة إغلاق المخيمات.

ويقول الجبوري: "إن لت هذه العائلات في المخيمات سنقوم بتوليد جيل جديد من داعش في العراق.. يجب عليهم أن يختلطوا بالناس وأن يغيروا طريقة تفكيرهم".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".