رضوان برتاوي وزوجته سميرة. الصورة من فيسبوك
رضوان برتاوي وزوجته سميرة. الصورة من فيسبوك

في بيت بإحدى ضواحي العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، يعيش رضوان برتاوي اللاجئ السوري من ريف دمشق، مع عائلته المؤلفة من زوجته وأبنائه الثلاثة، لكنّ القلق والخوف هو المسيطر عليهم هذه الأيام.

ويواجه رضوان إلى جانب 1300 آخرين من اللاجئين السوريين في الدنمارك، خطر العودة إلى سوريا، بعد وقف السلطات الدنماركية، تصاريح 250 منهم، ضمن عملية واسعة النطاق لإعادة النظر في كلّ ملفات السوريين من العاصمة دمشق أو ريفها وضواحيها، باعتبار أن الوضع الراهن "لم يعد من شأنه تبرير (منح) تصريح إقامة أو تمديده".

وتعرضت الدنمارك لانتقادات على خلفية حرمانها لاجئين سوريين من تصاريح إقامة لاعتبار الوضع "آمناً" في دمشق، في مسار قالت الأمم المتحدة إنّه يفتقر إلى المبرر، علماً بأن قرار الدنمارك الأول من نوعه لدولة في الاتحاد الأوروبي.

 

حكاية رضوان

خرج رضوان من سوريا إلى لبنان، ومنها إلى تركيا وصولاً إلى أوربا بمفرده عام 2014، بعدها بدأ بلم شمله مع عائلته، لتسافر إليه عام 2015.

"هُجرت بعد قصف بيتي في منطقة حوش العرب التي كانت تحت سيطرة الجيش الحر وفصائل أخرى كجبهة النُصرة آنذاك. كنتُ مزارعاً وأعمل في حوش العرب، أما عائلتي فكانت مقيمة بدمشق، لتسهيل وصول ابني وابنتي للمدرسة، الولد الثالث وُلد في الدنمارك"، يقول رضوان لـ"ارفع صوتك".

ويروي طريق اللجوء المحفوف بالمصاعب: "دخلت لبنان براً بشكل غير نظامي، مقابل دفع مبلغ كبير من المال، لكني ختمت جواز سفري على الحدود اللبنانية السورية، وهذا يهدد بسحب إقامتي والترحيل من الدنمارك، لأنها تعتبر الختم النظامي منافياً للخروج بسبب الخطر على الحياة".

ويؤكد رضوان "لكني حصلت على هذا الختم بعد دفع المال الكثير" متابعاً "من لبنان إلى تركيا ومنها عبر الحدود مشياً على الأقدام إلى بلدة حدودية في اليونان، لأمكث فيها  20 يوماً، ومنها أخذت تصريحاً لأنتقل به إلى العاصمة أثينا وبقيت فيها 20 يوماً أيضاً، وبعد ذلك ذهبتُ بشكل غير نظامي إلى إيطاليا، وبقيت خمسة أيام في مدينة ميلانو، لأتواصل مع أحد المهربين الذي أوصلني بسيارته إلى الدنمارك". 

واختار رضوان الدنمارك، لأنه عمر ابنته في ذلك الوقت كان أقل من 18 عاماً بأشهر، وإجراءات لم الشمل فيها أسرع، بينما لو ذهب لبلد آخر وطالت مدة الإجراءات، لن يُسمح له بلم شملها بعد سن الثامنة عشرة، حسب القوانين المعمول بها في الدول الأوروبية.

ويقول "بعض أصدقائي خرجوا إلى دول أخرى وتجنسوا، ولو بقيت في سوريا كنت سأقتل" مستدركاً "أصبحنا بين خيارين، إما أن البقاء مع الجيش الحر، أو التعامل مع النظام". 

وباع رضوان بيته في دمشق ليتمكن من إتمام رحلة لجوئه قبل ضم عائلته إليه، وليس له أ] ممتلكات في سوريا، حتى البيت المتبقي له في منطقة "حوش عرب" مدمّر إذر القصف.  

وفي الدنمارك، تعلم رضوان اللغة الدنماركية التي لا يتحدثها سوى سكان البلد نفسه، وعمل بشكل قانوني، وبات من دافعي الضرائب، مثله مثل أي مواطن فيها، كما وُلد هناك ابنه الأصغر آدم، الذي لا يعرف شيئاً عن سوريا. 

من جهتها، تقول سميرة عبد السيد "لقد رأى زوجي رضوان الموت في رحلة لجوئه... كيف يطلبون منا العودة الآن ونحن لا نملك شيئاً في سوريا؟!". 

القرارات الجديدة أثرت بشكل كبير على رضوان وعائلته، حتى أن الدعوى التي أقيمت بحقهم أدت إلى إيقاف دراسة ابنتهم وابنهم في المدرسة، فقاموا بتوكيل محامية ساهمت أثناء الاستئناف بعودتهم إلى المدرسة ريثما يتم البت في أمرهم من دائرة الهجرة الدنماركية. 

يقول ابن رضوان الأكبر محمد (21 عاماً): "أشعر بغصة في القلب، عندما أتذكر كيف أوقفوا دراستي في المدرسة" ويتذكر حياته في سوريا قائلاً "لا أرغب بالعودة إلى سوريا، كنت أخاف كثيراً من القصف المتواصل، وأخاف من الاعتقال رغم أننيكنت طفلاً".

"وهنا في الدنمارك، أشعر بالأمان. تعلمت اللغة واندمجت في المجتمع مباشرة، وأرغب أن أصل لحلمي وأصبح طبيب أسنان" يضيف محمد.

ويتابع "عندما أخبرونا بأنهم سيعيدوننا إلى سوريا، شعرت بالقهر الكبير، ولم أستطع التواصل مع أساتذتي، رغم أنني من الأوائل في مدرستي، إلا أن معدّلي انخفض جدا بسبب ذلك.. أنا أترجم لكافة أصدقائي هنا وأساعدهم". 

ويرغب رضوان وعائلته بالبقاء في الدنمارك، ويشعرون جميعهم أنهم وصلوا إلى بر الأمان في هذا البلد الذي اندمجوا فيه.

يقول رضوان لـ"ارفع صوتك": "أنا مهدد من عدة أطراف الآن، فصائل وعصابات، وكذلك النظام الذي يقصف ويعتقل هنا وهناك. أصبحت بحالة نفسية متعبة جداً، طوال الليل أفكر وأحلم أنني في سوريا، فأعض على أسناني يومياً أثناء نومي، حتى تكسروا واضطررت لتركيب أسنان جديدة". 

ويضيف "أفضل الموت على العودة لسوريا.." مشيراً إلى أن تفكير العائلة يتجه الآن لخيار آخر، بلد آخر، يبدأون حياتهم فيه من الصفر، بعد حوالي سبع سنوات من العيش في الدنمارك.

ويعتقد رضوان أن سبب القرارات بخصوص ترحيل اللاجئين في الدنمارك، مرتبطة بموعد الانتخابات، يقول "يريد المؤيدون للقرار الحصول على أصوات تساعدهم في الفوز، والإعلام كله مسلّط على اللاجئين، متناسياً كورونا والمشاكل الأخرى في البلاد". 

وتشير زوجته سميرة إلى أن العائلة لا تحصل على مساعدات من الدولة، بل تعيش مثلها مثل أي مواطن، بالعمل وكسب الرزق ودفع أكثر من 25 ألف كرونا دنماركي (4000 دولار أميريكي) شهرياً كضرائب.

كما تلفت إلى أن الإجراءات القانونية لتقديم الشكاوى والاعتراضات على قرارات وقف تمديد إقامات اللاجئين "غير واضحة أبداً".

ومن جهة أخرى يبدي رضوان استغرابه من اعتبار بعض الدول أن سوريا أو دمشق "بلد آمن"، مشيراً إلى أنها في مقدمة الدول حول العالم من حيث "اختطاف الفتيات وتجارة الأعضاء".

"سوريا اليوم هي أكبر سوق لتجارة الأعضاء في العالم.. كيف أعود مع وعائلتي ونحن مطلوبون للنظام، وابني بعمر مطلوب للجيش، وأخو زوجتي وأولاد أعمامي استشهدوا بالقذائف على قريتي، كيف؟" يقول رضوان.. 

ويختم حديثه قائلاً "ضحيت بنفسي من أجل إخراج أولادي من إجرام الأسد في 2014 وركبت البحر وأنا لا أجيد السباحة، وسأضحي الآن من أجل ألا يعودوا إلى المجرم ومعتقلاته". 

 

سوريا مشمسة 

في ذات السياق، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورًا لحملة Identitaer Generation التابعة لـ "الحزب اليميني الدنماركي"، بعنوان "سوريا مشمسة"، عُلقت في اللوحات الطرقية في شوارع الدنمارك الرئيسية. 

وكتب مدير الحملات في منظمة العفو الدولية في بريطانيا، كريستيان بنديكت، على حسابه في تويتر، "يمكن للفاشيين والنازيين الجدد أن يقولوا سوريا آمنة لأن نظام الأسد رحب بهم منذ فترة طويلة للقيام بعلاقاتهم العامة في الأراضي التي تسيطر عليها حكومة النظام. من المخزي والخطير أن يتجاهل العديد من اليساريين والليبراليين الفظائع المستمرة ويقبلون هذا الغباء المؤيد للفاشية".

 

في نفس السياق، قالت الحركة التابعة للحزب اليميني الدنماركي، في تقرير نشرته على موقعها الرسمي في 10 أبريل الجاري "يعمل نشطاء الهوية في شوارع كوبنهاغن للفت الانتباه إلى حقيقة أن سوريا أصبحت الآن آمنة للعودة إلى ديارهم". 

وتضمن التقرير ملصقات كبيرة كُتب عليها "بشرى سارة، يمكنك الآن العودة إلى سوريا المشمسة، بلدك بحاجة إليك". 

وأشار التقرير إلى أنه يوجد في الدنمارك أكثر من 40 ألف لاجئ سوري "يجب أن يعودوا الآن إلى وطنهم حتى يتمكنوا من المساعدة في بناء وطنهم".

كما شجعت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن، الحركات الداعية لترحيل اللاجئين في 13 أبريل الحالي، بقولها "بالطبع تجب إعادة السوريين من دمشق إلى ديارهم، إذا كنت لاجئًا، فهذا لأنك بحاجة إلى الحماية، وإذا اختفت هذه الحاجة لأنك لم تتعرض للاضطهاد الفردي أو لعدم وجود ظروف عامة تتطلب الحماية، فيجب عليك بالطبع العودة إلى البلد الذي أتيت منه". 

لكنها أكدت في ذات الوقت على "عدم تعاون الدنمارك مع حكومة النظام السوري، وعليه لا يمكن أن تتم الإعادة الفعلية إلى الوطن، وسيتعين على الأشخاص الذين ألغيت تصاريح إقامتهم المكوث في مراكز المغادرة". 

بدوره، قال وزير الهجرة والاندماج الدنماركي ماتياس تيسفاي "يجب على دائرة الهجرة البدء في مراجعة تصاريح الإقامة الممنوحة في الدنمارك للاجئين السوريين القادمين من دمشق" بحسب ما ذكر موقع الهجرة والاندماج الدنماركي، في 28 يونيو 2020. 

وتعمل وزارة الهجرة والاندماج على تسريع قضايا الهجرة للسوريين، بحيث يتمكن المجلس في أقرب وقت ممكن من تقييم ما إذا كان يمكن سحب تصاريح الإقامة من اللاجئين السوريين القادمين من دمشق باعتبارها منطقة آمنة. 

وأشار تيسفاي إلى أن ما يقارب 100 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا من المناطق المحيطة، معتبرًا أن على السوريين في أوروبا العودة إذا سمحت الظروف بذلك. 

 

حملة مناهضة 

في المقابل، أطلق ناشطون، الجمعة الفائت، حملة ناهضوا فيها قرار الحكومة الدنماركية برفض تجديد الإقامات لعشرات اللاجئين السوريين، ونشرت مجموعة "The Syria Campaign" عبر موقعها الرسمي في تويتر، عريضة بعنوان "هل يبدو ذلك آمناً بالنسبة لك؟" بهدف حث الدنمارك للتوقف عن المطالبة بعودة اللاجئين السوريين. 

 

وأكدت العريضة التي تم تقديمها بأنه لا يوجد أي جزء من سوريا آمن، ودعت إلى تجديد تصاريح الإقامة على الفور للاجئين السوريين في الدنمارك، الذين طلب منهم إما العودة إلى سوريا حيث يمكن أن يواجهوا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان أو الانتقال إلى مخيمات ترحيل تشبه السجون إلى حدّ كبير. 

ودعا النشطاء في العريضة الدول الأوروبية الأخرى لحماية السوريين والترحيب بأي لاجئين يجبرون على مغادرة الدنمارك، بسبب هذه السياسة التي وصفوها بـ"القاسية".

ويمكن للراغبين المشاركة في الحملة من خلال الدخول إلى الموقع الإلكتروني الخاص بالحملة على هذا الرابط، والتوقيع على عريضة تؤكد أن سوريا بلد غير آمن بالنسبة للاجئين. 

بدورها، أعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، عن استنكارها لضغوط السلطات الدنماركية على اللاجئين السوريين لدفعهم إلى مغادرة البلاد، وإعادتهم بصورة قسرية غير مباشرة إلى بلدهم الذي لا يزال يفتقد الحد الأنى من الأمن ومقومات المعيشة. 

وذكرت المنظمة في بيان لها، الأحد الماضي، أن مصادر المنظمة تشير في غربي أوروبا إلى قيام السلطات الدنماركية برفض تجديد بطاقات الإقامة لقرابة 250 لاجئ سوري، من بين نحو 1300 لاجئ سوري خاطبتهم سلطات الهجرة لحثهم على العودة إلى سوريا بزعم أن منطقتي العاصمة دمشق وريف دمشق قد باتتا مصنفتين كمناطق آمنة. 

وأشار البيان إلى أن المنظمة سبق أن وثقت حالات قتل نحو 20 من العائدين السوريين من لبنان، فضلاً عن اعتقال نحو 100 آخرين، بعدما أجبرتهم السلطات اللبنانية على العودة قسراً إلى سوريا، وحملت المنظمة السلطات اللبنانية المسؤولية عما تعرض له اللاجئون العائدون من مخاطر على حياتهم وسلامتهم. 

ومن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، أدان محللون وباحثون وخبراء في السياق السوري عبر بيان مشترك قرار الدنمارك.

وجاء في البيان، الصادر أمس الثلاثاء، أن "غياب الأعمال العدائية النشطة عن دمشق منذ أيار 2018 لا يعني أن عودة اللاجئين إليها أصبحت آمنة، إذ لا تزال العديد من الدوافع الرئيسية للجوء من سوريا موجودة، حيث فر غالبية اللاجئين، وما زالوا يخشون الأجهزة الأمنية الحكومية والاعتقال والاحتجاز التعسفيين والتعذيب والتجنيد العسكري والمضايقة والتمييز".

وتصنَّف الدنمارك من الدول الموقعة على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تمنع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إذا تعرضوا لخطر التعذيب أو الاضطهاد في بلدانهم الأصلية. 

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الدنمارك 21 ألفًا و980 لاجئًا، بحسب الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي. 

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".