بعد عشر سنوات على مغادرته سوريا هربا من الحرب والموت الى قطاع غزة، يشعر عماد الحسو اليوم بأنه عالق في "سجن غزة" الفقير والمحاصر، لكنه لا يمتلك أوراقا ثبوتية تمكنه من مغادرته.
ووصل عماد مع زوجته إلى قطاع غزة عبر أنفاق تحت الأرض بين القطاع ومصر، قبل أن يغلقها الجيش المصري عام 2013.
وهناك أربعون عائلة سورية تقريبا فرت في بداية النزاع الى قطاع غزة تعاني من الوضع نفسه.
ويقيم الحسو الذي يعمل في تركيب البلاط والسيراميك، مع زوجته وأطفاله الذين ولدوا في القطاع، في منزل صغير استأجره في زقاق ضيق داخل مخيم رفح للاجئين قرب الحدود المصرية، لكن دون مطبخ أو أثاث.
يقول لوكالة فرانس برس: "جئت إلى هنا لتكون غزة ملجأ، لعلنا نجد حياة أفضل (...)، لكن تفاجأت بأن الوضع في غزة أسوأ من سوريا... الحياة صعبة، حرب بعد حرب".
وخاضت الفصائل المسلحة في قطاع غزة وإسرائيل أربعة حروب منذ عام 2008، كان آخرها تصعيد دام في مايو الماضي قتل خلاله 260 فلسطينياً بينهم 66 طفلا، ومقاتلون في الجانب الفلسطيني، و12 شخصا بينهم طفل وعسكري في الجانب الإسرائيلي.
ويأخذ الأب لخمسة أولاد نفسا عميقا ويستطرد "أعمل يوما وأنقطع عن العمل عشرة أيام. لا عمل ولا نقود، لا صحة ولا تعليم، غزة أكبر سجن في العالم، إن دخلته لا تستطيع الخروج".
وتفرض إسرائيل منذ 15 عاما تقريبا حصارا مشددا برا وبحرا وجوا على القطاع، وهو شريط ساحلي ضيق يسكنه أكثر من مليوني نسمة معظمهم هجروا من بلداتهم الأصلية عام 1948.
ويعتمد غالبيتهم على مساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ولا يمكن لسكان غزة المرور عبر المعابر نحو الأراضي الإسرائيلي إلا بموجب أذونات صعبة.
ومنفذ القطاع الوحيد إلى الخارج هو معبر رفح، الذي لا يفتح بانتظام، ويعاني الفلسطينيون كثيرا للحصول على إذن للخروج منه، كما يدفعون مبالغ مالية كبيرة لذلك.
لا اعتراف
تقول زوجة الحسو، دنيا المنيراوي إن الأونروا لا تعترف باللاجئين السوريين الموجودين في القطاع.
وتضيف دنيا التي تعاني أمراضاً عدة ولا تمتلك تكاليف العلاج "الأونروا لا تعترف بأولادي. جوابهم دائما: أنت لاجئ سوري، ومهمتنا هنا خدمة اللاجئ الفلسطيني".
وتتابع "جئنا إلى هنا ظنّاً منا أنه بلد يصلح للعيش، لكن ما رأيناه هنا يفوق التخيل.. الوضع تعيس جدا".
وتتساءل دنيا بينما يجلس حولها أطفالها الخمسة على حصيرة مهترئة "من أين أوفر العلاج؟ بالكاد نؤمن إيجار البيت"، قبل أن تضيف باكية "أولادي سوريون ممنوع عليهم الخروج من غزة، ناشدنا كل العالم ولا مجيب، ولا أمل عندي بتحسن الأمور".
وتستطرد "كلمة سجن قليلة على غزة".
ويحمل اللاجئون السوريون في قطاع غزة جوازات سفر منتهية الصلاحية وعليهم العودة إلى سوريا لتجديدها.
ونجحت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السنة الماضية بنقل تسع عائلات سورية من غزة إلى دول أوروبية عبر مطار بن غوريون الإسرائيلي.
وعلى مدار السنوات العشر الماضية أيضا، فشلت محاولات اللاجئة السورية لينا حسون (52 عاما) وابنها بالعودة إلى سوريا حيث بقي زوجها وأولادها.
وتقول لينا التي كانت تعمل في صالون تجميل للسيدات "لا سفر ولا عمل. الوضع في غزة صعب جدا".
وتستدرك "دمر منزلي في دمشق خلال الحرب، زوجي وأولادي بخير لكن لا استقرار هناك ولا هنا" حيث تقيم في غرفة في منزل شقيقتها.
ولم تكن لينا أو ابنها نورس ديب (24 عاما) يعلمان أن زيارة شقيقتها التي كان يفترض أن تنتهي بعد شهر، ستستمر حتى اليوم.
يقول نورس "منذ ذلك الوقت لم أرَ أبي وإخوتي، تركت المدرسة ولم أذهب إلى واحدة هنا".
ويشير الشاب العشريني إلى عمله في "تصوير حلقات للطاهي -السوري اللاجئ في غزة- وريف قاسم وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي".
"نصنع حياة"
ووصل الطاهي ومدرّب الطهي وريف قاسم إلى غزة عبر مصر، بينما غادر أشقاؤه حلب السورية نحو تركيا.
في غزة، تزوج قاسم من صحافية ولديهما اليوم طفلة. أسس في منزله مطبخا متواضعا لتدريب الطهاة على صناعة الأطباق السورية.
ويقول بنبرة فيها تحدٍ "نواجه كل الظروف لنصنع حياة أفضل، أقدم دورات تدريبية في مجال الطهي".
وبحسب قاسم، فإن "الناس هنا يحبون الوجبات السورية، لكن المواد المطلوبة لتعليم الأكلات الشامية المعروفة لا نجدها في غزة بسبب الحصار".
ويقول الشاب ذو اللحية الشقراء بينما يعد في مطبخه وجبة جديدة لنشرها على موقع يوتيوب "استقريت في غزة وأنتظر حتى يجدوا لنا حلا ويعاد توطيننا في دول أوروبية تقبل اللاجئين، خصوصا أننا دخلنا عبر الأنفاق ولا أوراق لدينا".
ويصف قاسم أهالي غزة بأنهم "طيبون"، لكن حياة السوريين هنا "صعبة جدا".
وكان قاسم أسّس مع آخرين رابطة لمساعدة اللاجئين السوريين في غزة، تنسّق مع الرئاسة والحكومة الفلسطينيتين ومع مفوضية اللاجئين من أجل مساعدتهم على السفر.
أما صديقه أنس قاطرجي، فقد أنشأ مطعم "الحلبي" الذي يقدم الشاورما بنكهة سورية.
ويقول الشاب "الوضع في غزة من سيء إلى أسوأ، بالكاد تستطيع دفع إيجار بيتك، ولا رفاهية في غزة".
ويأمل قاطرجي (33 عاما) أن يلتقي أمه، وأن "ينتشر اسم مطعمه عالميا" خصوصا أنه أسس "المطعم في غزة على نفس طراز مطعم العائلة في حلب".
ويقول اللاجئ السوري الذي تزوج من فتاة غزية "نعيش حياة السجين، فالسفر غاية شبه مستحيلة للسوري في غزة".