اعتاد السوريون في تركيا مع اقتراب عيد الفطر التوجه إلى سوريا للاحتفال بالعيد مع عائلاتهم وأقاربهم.
وتسمح تركيا للسوريين المقيمين تحت بند الحماية المؤقتة (اللاجئون) بالانتقال إلى الشمال السوري خلال فترة الأعياد، وتفتح المعابر الحدودية السورية مع تركيا وتنظم عمليات التسجيل لقضاء إجازات الأعياد بشكل قانوني.
لكن، هذا العام، وبعد افتتاح عملية التسجيل وقيام الآلاف بتثبيت حجزهم عبر معبري باب السلامة والراعي، تفاجأ السوريون بقرار الحكومة التركية إلغاء إجازة العيد، في موقف أثار الكثير من الجدل.
وصرحت رئيسة اللجنة السورية ـ التركية إيناس النجار لوسائل إعلام محلية أن السلطات التركية أبلغت اللجنة بإلغاء إجازات العيد إلى سوريا، وأضافت أنهم سيقومون بتوضيح كافة الإجراءات في حال صدورها.
وبدوره، أعلن معبر باب السلامة وقف التسجيل حتى إشعار آخر.
وأعلن معبر جرابلس الحدودي البري في وقت سابق إيقاف التسجيل لفئة معينة من السوريين الذين يرغبون بالحصول على إجازة العيد في سوريا.
تصريحات تركية رافضة
يأتي القرار بعد العديد من التصريحات من الأحزاب التركية، التي أطلقت تزامنا مع فتح باب التسجيل، والتي تنتقد السماح للسوريين المشمولين بالحماية الموقتة بالخروج من تركيا للاحتفال والعودة لاحقا، وسط تصاعد "خطاب تحريضي" ضد اللاجئين من قبل أحزاب وشخصيات معارضة تركية.
وتعتبر المعارضة التركية قضاء آلاف السوريين أيام العيد في بلدهم كل سنة دليلا على أنهم يستطيعون البقاء هناك بشكل دائم دون عوائق.
وفي السياق ذاته، صرح رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، في اجتماع لحزبه، أن طالبي اللجوء الذين يزورون بلادهم خلال العيد يجب ألا يعودوا إلى تركيا، بحسب ما نقلته صحيفة حرييت التركية، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل.
وأكد وزير الداخلية سليمان صويلو عزم بلاده فرض قيود على السماح للسوريين من حملة هوية الحماية المؤقتة (الكيملك)، فيما يتعلق بزيارة العيد. وقال الوزير صويلو في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول إن تركيا تدرس تقييد السماح للاجئين السوريين المقيمين في تركيا بالتوجه إلى بلادهم من أجل قضاء عطلة العيد.
وأضاف: "الخطة التركية الجديدة من الممكن أن تتمثل بتعهدات وبوضع شروط قاسية على الراغبين بالزيارة في الأعياد المقبلة"، مؤكدا أن الأمر ما زال قيد الدراسة حتى اليوم والهدف منه تقليص أعداد الزائرين بشكل كبير.
وفي تصريح آخر حول الجدل الكبير الحاصل بعد تصريحات رئيس حزب الحركة القومية "دولت باهتشلي" بشأن منح اللاجئين السوريين إجازة في العيد للذهاب إلى سوريا والعودة منها، ذكر صويلو في تصريح لقناة ان تي في يوم الجمعة: "أعطينا الولاة أمراً بإيقاف منح إجازات العيد. فالعطلة غير مسموح بها في هذا الوقت للاجئين، لكن يمكنهم الذهاب إلى المنطقة الآمنة والبقاء هناك بشكل دائم".
وأشار وزير الداخلية إلى أنه في السابق تم منح اللاجئين السوريين حق الذهاب والعودة في عطلتي العيد للزيارة، لكن ما يقرب من 60 بالمئة منهم بقوا في سوريا ولم يعودوا، وحالياً لن يُسمح لأولئك الذين يريدون الذهاب والعودة لقضاء العطلة.
قلق وصدمة
يونس علي، اللاجئ السوري المقيم في إسطنبول، أبدى في حديثه لارفع صوتك قلقه من القرار السريع والمفاجئ، حيث كان يحضر للذهاب إلى سوريا للقاء أقاربه، لكنه عدل عن القرار.
ويتخوف علي أن يفقد قيمة الحجز، خاصة أنه اضطر لدفع 500 ليرة تركية لأحد السماسرة ليقوم بتثبيت الحجز له على المنصة، بسبب الضغط الحاصل على روابط التسجيل وتوقف الموقع عن العمل.
أما أم فراس، اللاجئة السورية المقيمة في غازي عنتاب، فانتقلت مع أولادها إلى الداخل السوري قبل صدور القرار، على أن يتبعها زوجها بعد وقت قصير لقضاء الإجازة مع العائلة.
فوجئت أم فراس بالقرار بعد وصولها إلى إدلب، وقالت لارفع صوتك أنها تتخوف من عدم السماح لها بالعودة.
تقول أم فراس: "تغيرت فرحتنا من لقاء الأهل والأقارب إلى خوف من تشتت العائلة".
وتأمل أم فراس أن تقوم تركيا بالتراجع عن القرار أو تعديله بما يسمح لمن غادر بالعودة.
من جهته، أشار حسام اللاجئ السوري المقيم في غازي عنتاب إلى أن هذا القرار انتخابي بامتياز. فجميع الأحزاب التركية تستثمر في السوريين لأجل مصالحها الانتخابية، وأن الحزب الحاكم رأى أن إجازة العيد تستفز شريحة كبيرة من الأتراك وتستغلها المعارضة فقام بإلغائها لكسب الناخبين.
وأكد حسام أنه لم يحجز لإجازة العيد في سوريا. فمن الخطأ أن تكون لاجئا وتحت الحماية "وتظل طالع نازل"، بحسب تعبيره.
رفض وتأييد
أثار القرار صدمة الكثير لدى السوريين. وانعكس الجدل على مواقع التواصل بين مؤيد ومعارض.
واعتبر البعض أن زيارة العيد حق للسوريين، ونصح آخرون الراغبين بقضائها داخل البلاد بالتمهل، فيما وجد البعض عدم مشروعية هذه الزيارة قانونيا.
ونشر أحمد علي العمر، وهو كاتب سوري مقيم في إسطنبول، على صفحته على فيسبوك محتجا علر القرار التركي: "هنيئا لملايين الإخوة الأتراك في ألمانيا، لا أحد يطعن بهم حين يأتون إلى تركيا الآمنة في العيد لزيارة أقاربهم الأحياء والأموات. لا يستفزون أحدًا بعناق دامع، لا يثيرون سخطَ أحدٍ بممارسة حقّ لا يُسلَب في القوانين إلا من سجين".
أما رئيس تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل، الذي يقيم في تركيا هو الآخر، فاعتبر أن الزيارة ليست حقا قانونيا لمن هم تحت الحماية، فكل قوانين اللجوء والحماية لا تتيح للاجئ الفار من بلده بسبب الحرب أو الاضطهاد أن يعود لنفس هذا البلد مقيما أو زائرا، طالما هو لاجئ أو حاصل على الحماية، ويترتب على مخالفة ذلك إلغاء اللجوء أو الحماية عنه.
وأضاف قرنفل: "لا تعتبر إجازة الحكومة التركية لهؤلاء بتلك الزيارة إلغاء للموجبات القانونية المقررة بقوانين اللجوء والحماية والتي ستأتي لحظة ويتم توظيفها ضد كل من ذهب في تلك الزيارات ويتم إسقاط الحماية عنه".
أما الصحفي السوري عمار الرفاعي، المقيم في إسطنبول، فقال في منشور له على فيسبوك، "علينا أن ندرك أن قمَّة الاستفزاز للمجتمع التركي هو ما يُسمى عندنا بإجازات العيد التي نقضيها ويقضيها أهلنا اللاجئون السوريون في الشمال السوري لأيام ثم يعودون".
وأضاف الرفاعي: "لا ينبغي أن نعتب على الإخوة الأتراك انتقادَهم لنا وفهمَهم الخاطئ في هذه الجزئية. فهُم يحوِّلون نظرتهم لنا من "لاجئين" إلى "سائحين أو مقيمين" بمجرَّد ذهابِنا وإيابنا بين تركيا وسوريا".
وفي منشور آخر قال الرفاعي إن "هناك دعاية رائجة تروجُ بقوة بين صفوف الأتراك الذين نجتمع بهم كل يوم، حيث يزعم المعارضون منهم أن بقاء السوريين هنا بات ثقيلاً عليهم، وأننا "مقيمون مغتربون" ولسنا لاجئين مظلومين كما نزعم (برأيهم)".
ويعيش في تركيا قرابة 5 مليون سوريّ، أكثر من ثلاثة ملايين منهم يقيمون في تركيا بصفة لجوء مؤقت.