نازحون ولاجئون

خطة إردوغان لإعادة السوريين.. مغزى التوقيت ومصداقية "المليون"

03 مايو 2022

نقلا عن موقع الحرة

رغم أن حديث الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بخصوص "خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين" ليس جديدا، إلا أن طرحه في التوقيت الحالي أثار الكثير من التساؤلات، فيما انعكس السياق الخاص به سلبا على أوساط السوريين، وهو ما أشارت إليه طبيعة تعليقاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وكشف إردوغان، الثلاثاء، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم، وجاء ذلك في كلمة موجهة له بالفيديو  في مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، شارك فيها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.

وأشار الرئيس إردوغان إلى أن نحو "500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016"، وأن "المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية".

ولا يعرف بالتحديد المدة الأزمنية التي سيتم فيها تنفيذ مشروع "العودة الطوعية" حتى الآن، كما لم يكشف الرئيس التركي عما إذا كانت الخطة تحظى بتوافقات إقليمية ودولية، لاسيما أن سوريا لا تزال "غير آمنة"، بحسب تأكيدات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

ومنذ مطلع العام الماضي يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث الساسة الأتراك، لتزداد الوتيرة شيئا فشيئا مع حلول العام الحالي، ليأخذ مسارات أكثر حدة، وخاصة من جانب أحزاب المعارضة.

وفي الوقت الذي تضع هذه الأحزاب "إعادة السوريين إلى بلادهم" على قائمة برامجها الانتخابية استعدادا للاستحقاق الرئاسي في 2023، دخلت الحكومة التركية والحزب الحاكم مؤخرا على الخط، ليغردوا في ذات السياق، لكن تحت عنوان "طوعا وليس إجبارا".

وبموازاة ما سبق، كان لافتا خلال الأشهر الماضية سلسلة القرارات التي وصفت بـ"التقييدية"، التي اتخذتها الحكومة ضد الوجود السوري في البلاد. وكان آخرها منع الراغبين منهم في قضاء إجازة عيد الفطر في مناطق الشمال السوري، الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة.

من جهتها وثّقت منظمات حقوق إنسان سورية إقدام السلطات التركية على ترحيل المئات من السوريين، لأسباب مختلفة، في خطوة قيل إنها "تصب في إطار التوجه الحالي لمشروع العودة"، وهو ما نفته الحكومة مرارا، على لسان وزير الداخلية صويلو ورئاسة الهجرة.

 

"تساؤلات كثيرة"

وأوضح إردوغان أن المشروع سيكون شاملا بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز وجرابلس والباب في ريف حلب الشمالي والشرق وتل أبيض ورأس العين في منطقة عمليات "نبع السلام"، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

وأفاد أنه سيتم بناء مرافق متنوعة في إطار المشروع مثل المدارس والمستشفيات.

ولتركيا تواجد عسكري في عدة مناطق على طول حدودها مع سوريا، حيث كانت البداية منذ عام 2016 في ريف حلب الشمالي، ومن ثم توسعت الدائرة إلى عفرين في أقصى الشمال الغربي، وأخيرا في مناطق الشرق السوري، حيث تل أبيض ورأس العين.

وفي هذه المناطق أعلنت الحكومة خلال السنوات الماضية إنجاز سلسلة مشاريع مدنية وصحية واقتصادية بالتعاون مع المجالس المحلية التابعة لـ"الحكومة السورية المؤقتة" هناك، في وقت كشفت فيه عن خطة بناء "مساكن الطوب"، التي تعتبر أساسا لمشروع إردوغان الحالي.

الباحث السياسي والأكاديمي المختص بالشأن التركي، سعيد وليد الحاج كتب عبر "فيس بوك" معلقا على المشروع الذي كشف عنه إردوغان: "رقم مليون كبير بالنسبة لعدد السوريين في ‫تركيا، وكذلك بالنسبة للشمال السوري الذي يفترض أن يستقبلهم، لا سيما وأن المتوقع أن يتم ذلك في فترة زمنية قريبة (قبل الانتخابات)".

وأضاف الحاج: "لذلك قد يكون السؤال المطروح هنا هو: هل سيتم ذلك بشكل أحادي الجانب من قبل تركيا؟ أم بالتفاهم مع النظام، مستدركا: "التفاهم مع النظام ولو عن طريق روسيا (مرجح) ضروري لنجاح مشروع مثل هذا، إذ المطلوب بالحد الأدنى عدم استهداف هؤلاء وأن تكون عودتهم ثم إقامتهم هناك آمنة".

من جهته أبدى المحامي والقانوني السوري، غزوان قرنفل تخوفا بشأن ما كُشف عنه، مستعرضا عبر "فيسبوك" عدة سيناريوهات قد يسلكها السوريون: "أولا هجرة الكثير من رجال الاعمال والاستثمارات السورية من غير المجنسين لملاذا أكثر استقرارا".

وأضاف: "ارتفاع وتيرة الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، رغم المخاطر الكبيرة التي يواجهها هؤلاء من قبل حكومتي اليونان وبلغاريا.. ماسيدفع المهاجرين لابتداع سبل ومسارات جديدة ومختلفة محفوفة أيضا بالكثير من المخاطر".

وتوقع أيضا: "ارتفاع الطلب على جوازات السفر ومحاولة السفر لبلدان ماتزال متاحة للسوريين".

ويتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء "لاجئين" أو "سياح" أكثر من أربعة ملايين شخص، يتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتي غازي عنتاب وهاتاي.

وبينما يرى مراقبون أن المشهد الحالي يرتبط بمحددات داخلية، بعدما تحولت قضية السوريين إلى شأن داخلي بحت، يشير آخرون إلى أن الأمر لا يمكن فصله عن سياق دولي أيضا، خاصة مع عملية الإصلاح الشاملة التي بدأتها أنقرة مع عدة دول إقليمية.

 

لماذا الآن؟

رغم تضارب رؤية وأفكار كل طرف سياسي في تركيا بشأن ملف السوريين، إلا أن ما يجمعهم هو حديثهم المتكرر عن "عودتهم".

وقال إردوغان في تصريحين منفصلين أبريل الماضي: "عندما يتم إنشاء بيئة مريحة فإن اللاجئين سيعودوا إلى بلدهم طواعية".

وأضاف: "مع استكمال بناء المنازل المؤقتة المبنية من الطوب في سوريا سنضمن عودة اللاجئين".

لكن في المقابل خرجت أصوات مخالفة لذلك، حيث قال أحمد داوود أوغلو زعيم "حزب المستقبل" في ذات الوقت: "إن القول سنرسل لاجئين دون تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين قد يبدو كلاما جيدا، لكنه ليس واقعيا".

وأضاف: "أولا وقبل كل شيء، نحتاج إلى بذل جهد لجلب السلام في سوريا. هذه المهمة يحددها قرار مجلس الامن الدولي. وسيتحقق".

عدا عن ذلك كان هناك من غرد خارج السرب، وبينما أكد زعيم "حزب النصر"، أوميت أوزداغ على فكرته في إعادة السوريين، أعلن مؤخرا إطلاق مباحثات مع "وزارة الخارجية السورية لبحث هذا الأمر".

ويوضح باكير أتاجان، مدير معهد إسطنبول للفكر، أن المشروع الذي أعلن عنه إردوغان "خطة تركية بامتياز"، منذ البدء فيها قبل 4 أو 5 سنوات.

ويضيف أتاجان في حديث لموقع "الحرة": "عرضت تركيا على دول الاتحاد الأوروبي والعربية هذا الأمر. حينها وافقت هذه الأطراف على العودة الطوعية وأن يتم إنشاء منازل آمنة وبعض العمليات التجارية والصناعية والمشافي والبنوك في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، من أجل التشجيع".

لكن وبسبب "بقاء بعض المشاكل المادية والأمنية تأجل المشروع إلى أن تم إعلانه بشكل رسمي الآن، بمناسبة انتهاء بناء بعض البيوت وتسليمها للاجئين".

ويشير الباحث التركي إلى أن "المشروع مدعوم دوليا، ولكن هذا الدعم مختصر". ويتابع: "الدعم المادي يأتي من قطر وأعتقد في المرحلة المقبلة سيطلب من الإمارات والسعودية ودول الخليج على أن يكونوا داعمين لهذا المشروع".

أما الدول الأوروبية فيوضح أتاجان: "هم يبدون تأييدا سياسيا وقانونيا للمشروع، لكن لا يتبرعون ماديا حتى الآن لاستكماله".

 

"سياقات خارجية"

وفي غضون ذلك تعتبر المناطق التي يتم فيها إنشاء "منازل الطوب" المؤسسة لمشروع "العودة الطوعية" للسوريين في تركيا من المناطق "الخطرة وغير الآمنة"، بحسب ما تقول منظمات حقوقية وإنسانية، وخاصة محافظة إدلب التي تشهد تصعيدا بالقصف من جانب قوات الأسد وروسيا، ويعيش فيها أكثر من 4 ملايين مدنيين، القسم الأكبر منهم من النازحين في المخيمات.

أما مناطق ريف حلب الشمالي المحاذية للحدود التركية فإنها تعيش حالة فلتان أمني منذ ثلاثة أعوام. وتتمثل هذه الحالة بتفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، فضلا عن حوادث الاغتيال التي راح ضحيتها مئات الأشخاص من ناشطين وعمال إغاثة إنسانية.

طه الغازي، ناشط حقوقي مهتم بأوضاع اللاجئين السوريين في تركيا ربط إعلان مشروع "العودة" من جانب إردوغان، بسياقات إعلامية من جهة وخارجية تتعلق بالخطوات التي اتخذتها أنقرة مؤخرا، من جهة أخرى.

وبحسب الغازي، فإن تصريحات إردوغان تأتي بعد زيارته إلى المملكة العربية السعودية بأيام، "الأمر الذي قد يرسم معالم وخارطة سياسية جديدة في المنطقة بين الحكومة التركية ونظام الأسد والدول العربية الإقليمية".

كذلك جاءت بعد أيام من تقرير صحيفة "تركيا" (المقربة من الحزب الحاكم) حول عزم الحكومة التركية على إعادة قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال مدة زمنية حددتها الحكومة بين 15 و20 شهرا.

وفي التقرير، كان الكاتب يلماز بيلغين قد أشار إلى وجود تفاهمات بين أنقرة وجهات أُخرى حول مشروع العودة، بقوله: "خلال الفترة الماضية، تسارعت الخطوات الفعلية لمشروع العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وتم إحراز تقدم كبير في خطط إنشاء مدن صناعية و بناء 200 ألف وحدة سكنية في مناطق الريف الشمالي".

وأضاف بيلغين: "دولة قطر ستكون الجانب الرئيس في تمويل هذه المشاريع الميدانية"، وأن "المرحلة المقبلة قد تشهد كثافة التنسيق والتواصل بين الجانبين السوري والتركي، وذلك لمناقشة ملف عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم و ملف مكافحة تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي".

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو قد التقى، في الثالث من مارس الماضي نظيره الأردني، أيمن الصفدي في العاصمة أنقرة.

وقال حينها بحسب وكالة "الأناضول" إن بلاده تعمل مع الأردن من أجل عودة طوعية للسوريين اللاجئين إلى بلادهم، معربا عن رغبة تركيا في تنظيم "مؤتمر وزاري" لمناقشة ما وصفها بـ"العودة الطوعية".

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها جاويش أوغلو عن عزم بلاده تنظيم "مؤتمر وزاري" لمناقشة عودة السوريين "الطوعية".

وفي شهر ديسمبر 2021 كان قد أعلن أن تركيا اتفقت مع 4 دول مجاورة على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين "بشكل طوعي" إلى بلدهم، لكن أزمة الحكومة في لبنان "أجّلت هذا الاتفاق".

وأضاف في ذلك الوقت: "نجحنا في وضع قضية العودة الطوعية للسوريين على أجندة الرأي العام الدولي، حيث ناقشنا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أثناء زيارتها إلى بلادنا مع مفوضها فيليبو غراندي".

وبينما يؤكد الباحث باكير أتاجان المسار الذي تتخذه أنقرة مع دول إقليمية من أجل تأمين "مشروع العودة الطوعية"، نفى أن تتجه تركيا لإعادة علاقاتها مع نظام الأسد.

ويقول أتاجان: "تركيا كانت تطلب مرارا بأن يكون هناك حظر جوي ومن دول عديدة"، مشيرا إلى سياق حصل مؤخرا، بإقدام تركيا على إغلاق مجالها الجوي أمام روسيا، واعتبر أنها تندرج في إطار تأمين "العودة الطوعية".

وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو قد قال، في 24 فبراير الماضي، إن دراسة استقصائية أجريت على المهاجرين السوريين أظهرت أن 3.1 في المئة منهم لا يخططون للعودة إلى بلادهم، بينما قال 13.7 في المئة إنهم سيعودون إذا انتهت الحرب وبغض النظر عن النظام الذي يحكم البلاد.

وقال 28.2 في المئة إنهم سيفعلون ذلك فقط (العودة) إذا انتهت الحرب، وكان النظام الذي سيدعمونه في السلطة، فيما أشار 4.1 في المئة إلى أنهم سيعودون إلى سوريا حتى لو استمرت الحرب.

وبعد ذلك بأيام قال نائبه، إسماعيل تشاتكلي: "لن نمنح وضع الحماية المؤقتة بشكل مباشر للسوريين غير المسجلين من الوافدين حديثا، من الآن فصاعدا، وسنأخذهم إلى المخيمات ونحقق معهم في المخيمات" عن أسباب لجوئهم.

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.