منذ بداية العام الجاري، ارتفعت نبرة العداء تجاه اللاجئين السوريين في تركيا، ونشطت المعارضة بخطابات التحريض التي وجدت أرضا خصبة بين مناصريها.
وظهرت مجموعات عنصرية تدعو لاستخدام العنف ضد اللاجئين لإجبارهم على الرحيل، من بينها جماعة "إخوان آتامان" (Ataman Kardeşliği)، التي تحمل شعار "اقتل لأجل عرقك".
وتضم المجموعة، التي تستخدم شعارات نازية أكثر من 600 عضو، وشاركت نص العقيدة في قناتها على Telegram.
وحسب صحيفة "ايدينليك" التركية، تنشط هذه المجموعة في مدن مثل إسطنبول وأنقرة وأرزروم، وتم اعتقال العديد من أعضائها في وقت سابق، قبل الإفراج عنهم بعد فترة وجيزة.
وتشير الصحيفة إلى أنه تم الإبلاغ عن وجود مجموعات أخرى تقوم بأنشطة مماثلة، لكن السلطات الأمنية تتابعها.

سبب الحل
أُغلقت حسابات جماعة "آتامان" في مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت منصتها التحريضية ضد اللاجئين، ثم أعادت فتحها في 14 أبريل الفائت، قبل أن تغلقها مجددا الأسبوع الماضي، وتعلن حل نفسها.
وسبب الحل، وفق بيانها "تحقيق أهدافها بنشر الكراهية ضد اللاجئين العرب عامة والسوريين خصوصاً".
ونشرت الجماعة نصها العقائدي الذي يدعو إلى استخدام العنف ضد اللاجئين، على اعتبار أن العنصرية "لا ينبغي أن تتم بالكلمات وعلى الإنترنت فقط".
ودعت أعضاءها إلى استخدام العنف في الشوارع كونه "عاملا مهما جدا لنجاح الحركة، ففكرة الجماعة تتطلب إراقة الدماء، وأن الذين لا يستطيعون تقديم التضحيات اللازمة لهذا الفكر المقدس، ليسوا أتراكا بالنسبة لهذه الجماعة".
ووضعت الجماعة المتطرفة، قائمة لمجتمعات اللاجئين التي ستهاجمها، بحسب الهرم المرفق، يأتي على رأسها العرب، يليهم الأكراد والأفغان، في حين ستعمل الجماعة على مهاجمة اليهود وأصحاب البشرة السمراء والإيرانيين في المرحلة الثانية، على أن تهاجم الأرمن واليونانيين والشركس والألبان خلال المرحلة الثالثة.
وحسب الصحيفة التركية، ألزمت الجماعة المناهضة للاجئين أعضاءها بحمل السلاح، كما شددت على ضرورة زيادة جرعة العنف بحق اللاجئين، واستخدام الأسلحة وعدم الاكتفاء بالضرب، كما نشرت فيديوهات تظهر قيام أعضائها بالتدريب في معسكرات على الهجوم بالسكاكين.
وأظهرت منشورات لجماعة آتامان على مواقع التواصل الاجتماعي هجومهم على بعض اللاجئين في إسطنبول وأنقرة وأرضروم بالسكاكين.
وجاء في فيديو (نُشر سبتمبر 2021) على تويتر اعتداء أفراد من "آتامان" على لاجئ سوري، قامت بنشره الصحافية الأمريكية لندسي سنيل، وهي أول من قدّم إخبارية عن هذه المنظمة للجهات الأمنية.
"إيذاء الأجانب والمواطنين"
ذكر موقع "أودا تيفيأن فيراموز ايردين"، الذي يحمل اسم صاحبته، وهي موظفة سابقة كانت تعمل في مديرية الأمن بين عامي 1992 و2007، ثم عملت مديرة أمن محترف في شركات متعددة الجنسيات، و لاتزال تقدم الاستشارات الأمنية، إن "جماعة آتامان أول منظمة على الطراز النازي الجديد في تركيا، قامت بحل نفسها فجأة".
وبحسب ايردين، ظهرت الجماعة قبل سنتين، لـ"تطبيق القانون على الطراز النازي"، ومن قوانينهم "يجب معاقبة الأجانب لمجرد وجودهم في تركيا".
وأشارت لوجود "مزاعم خطيرة بأنّ الجماعة تابعة لكتيبة (آزوف) التي كان لها هدف مماثل في أوكرانيا".
وقالت إن "آتامان تعلن صراحة بأنها تأسست لإيذاء الأجانب والمواطنين من أصول عرقية مختلفة في تركيا، كما أنشأت معسكرات تدريب للمسلحين قي الولايات الثلاثة التي تتمركز فيها لاستهداف أشخاص من عدة أعراق، حسب هرم بعنوان (التخطيط ذو الأولوية في مهاجمة الجماعات العرقية)".
وفي السابع من مارس 2022، تم تقديم شكوى جنائية إلى مكتب الادعاء العام في أنقره ضد أعضاء "آتامان"، بسبب العديد من الجرائم التي ارتكبوها، بما في ذلك جريمة "تحريض الناس على الكراهية والعداوة".
تغير المواقف
يتعرض اللاجئون السوريون في تركيا لانتهاكات بشكل يومي من قبل مواطنين أتراك يحمّلونهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار والأوضاع المعيشية الصعبة، ويظهرون خوفاً وقلقاً من أنّ السوريين بدأوا بالفعل في الاستقرار في البلاد ولن يغادروا.
في هذا السياق، يشير عبد العزيز وهو لاجئ سوري مقيم في إسطنبول منذ 2015، إلى التغيير في السياسة التركية والتعامل التركي مع اللاجئين السوريين.
ويقول لـ"ارفع صوتك": "في البداية كان الترحيب بنا كبيرا، والحكومة اعتبرتنا ضيوفا. أعرف بعض الأصدقاء الذين سكنوا منازل رفض أصحابها تقاضي الأجرة منهم، وكنا موضع ترحيب، ولكن الآن تغيرت الأمور كثيرا".
"أصبحنا مكروهين، وهناك الكثير ممن يرفض تأجير منزله لعائلة سورية، كما يُنظر لنا بأننا السبب في البطالة والغلاء والمشاكل الاقتصادية، إذ يعتقد الأتراك أننا نقبض رواتب من الدولة ولا ندفع الضرائب ولا الماء ولا الكهرباء، ولا ننتظر في المشافي لنيل الطبابة المجانية"، يتابع عبد العزيز.
ويخبرنا عن تجربة مر بها: "في أحد المرات سألني أحد الأشخاص لم عليّ أن أنجب أطفالا، إذ لا يجدر بي إنجاب الأطفال كوني لاجئا، ولم لا أعود إلى بلدي وهل سأبقى هنا للأبد؟!".
ويؤكد عبد العزيز: "يتهموننا بالتقوقع وعدم الاندماج وأغلبيتهم لا يرغبون في بناء علاقات اجتماعية معنا. نحن نعمل برواتب أقل وساعات أطول، لكن الخطاب العنصري الذي تعتمده بعض أحزاب المعارضة يؤجج الكراهية في نفوس الأتراك ضد السوريين، ويرفع منسوب العنف اللفظي وأحيانا الجسدي الممارس ضدهم والدعوات لإبعادهم إلى بلادهم".
وانتشر مؤخرا فيلم وصف بالـ"عنصري" للصحافية التركية هاندا كاراكاسو بعنوان "الغزو الصامت"، يحرض ضد الوجود السوري في تركيا، ويصور أحداثاً مستقبلية خيالية تحض على الكراهية تجاه السوريين.
ويظهر الفيلم القصير الذي حصد ملايين المشاهدات بعد نشره بيوم واحد، إسطنبول مدينة مدمَّرة، ورئيس تركيا المستقبلي من اللاجئين السوريين الذين يطاردون الأتراك ويسعون لقتلهم، بحسب الفيلم.
ضحايا ومقاومة
في نوفمبر 2021، توفي ثلاثة عمال سوريين تتراوح أعمارهم بين (17 و21) حرقا في إزمير أثناء نومهم، في جريمة صنفتها جماعات تركية لحقوق الإنسان بأنها مرتبطة بالكراهية.
وفي صيف 2020 تعرّض ستة أطفال في مدينة هاتاي لهجوم عنصري، وضُربوا بشدة واحتاجوا إلى العلاج في المستشفى، كما اندلعت أعمال شغب في منطقة ألتنداغ في أنقرة في شهر أغسطس الماضي، بعد يوم من مقتل مراهق تركي طعناً في قتال مع مجموعة من الشباب السوريين.
وخرج حينها مئات الأشخاص إلى الشوارع وهم يرددون شعارات مناهضة للمهاجرين، وخربوا متاجر يديرها سوريون ورشقوا منازل اللاجئين بالحجارة.
وعقب أعمال العنف في منطقة ألتنداغ، زار المنطقة أوميت أوزداغ السياسي اليميني، وهو يحمل حقيبة فارغة ويقول إنّ الوقت قد حان للاجئين "لبدء توضيب حقائبهم".
يقول الناشط الحقوقي طه الغازي لـ"ارفع صوتك": "كنا متهيئين لهذه الحملات مع اقتراب الانتخابات، وأتوقع تصاعد حدة الخطاب العنصري وخطاب الكراهية خلال الأيام والأشهر القادمة".
ويشير إلى أن جماعة "آتامان" كانت بين الفينة والأخرى، تنشر مقاطع فيديو أثناء اعتدائها على اللاجئين، مردفاً "هناك عدة جهات وشخصيات حقوقية تقدمت بشكوى ضدهم في شهري آذار ونيسان (مارس وأبريل)، وبعدها أعلنت المجموعة حل نفسها في بيان على صفحتها في فيسبوك، التي كانت تنشر عبرها نشاطاتها العنصرية".
ويضيف الغازي أن المجموعة خلال فترة وجودها "لم تكن ذات مسار تنظيمي يشكل خطرا وتهديدا حقيقيا على اللاجئين السوريين والعرب في تركيا، ولكن النقطة الأساسية التي ساهمت في إثارة سلوكياتها، مواقع التواصل وكانت نقطة قوتها، ومعظم أعضائها مجهولون".
"ولكن ما هو مؤكد أن أعمار الأعضاء بين 16 و19 عاما، مع وجود بعض العناصر الفي العشرينات" حسب الغازي.
وتعليقا على فيلم "الغزو الصامت"، يقول الغازي: "تم توقيف منتجة الفيلم وتوجيه تهم لها بإثارة مشاعر العنصرية والكراهية داخل المجتمع التركي، كونها تزيد حالة الاحتقان تجاه اللاجئين".
ويوضح أن المادة التي قدمتها المنتجة "أثارت حفيظة المكون العربي في تركيا وهو مكون موجود من مئة عام، لأن الفيديو تحدث عن سيطرة العرب على تركيا وكان هناك تدخل حازم من السلطات التركية كونه يثير النعرات داخل المجتمع".
ولمقاومة حملات الكراهية ضد اللاجئين، يدعو الغازي إلى انتهاج ثلاثة مسارات: الأول بالعمل الإعلامي، إذ لا بد من توجيه خطاب للشارع التركي بلغته، ولا بد للإعلاميين والناشطين السوريين الملمين باللغة التركية أن يكون لهم برامج عمل إعلامية محددة تتوجه إلى الشارع التركي.
والثاني "مسار اللقاءات مع الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع التركي الوظيفية، كالقائم مقام والبلديات والمخاتير ودوائر النفوس، وتكثيف اللقاءات مع المراكز الحكومية الأكثر احتكاكا مع الشارع التركي"، وفق الغازي.
أما الثالث، فيتم "عبر هيئات ومنظمات المجتمع المدني السوري في تركيا، إذ عليها أن تلعب دورا في عملية الدمج المجتمعي، وتوضيح صورة وحقيقة اللاجئ السوري، وبيان حقيقة وأسباب اللجوء".
ويعلل الغازي أهمية الثالث بقوله "الشارع التركي لليوم للأسف لا يدرك أن الوضع داخل سوريا ما زال غير آمن في جميع المناطق، وهو يتأثر جدا بالإعلام المغرض".
ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في جميع أنحاء العالم، وتضم البلاد حاليا نحو 3.6 مليون لاجئ سوري مسجل، إلى جانب ما يقرب من 320 ألف شخص من جنسيات أخرى.