سلسلة قرارات جديدة متعلقة بالسوريين أصدرتها الحكومة التركية مؤخرا وزادت من حالة الإرباك التي يعيشها اللاجئون السوريون نتيجة تصاعد الخطاب العنصري وحملات الكراهية وسياسات التضييق الممارسة عليهم.
من بين هذه القرارات، الطلب من سائقي سيارات الأجرة تفقد تصاريح السفر للركاب الأجانب، ورفض الإقامات السياحية للقادمين الجدد، التي كانت تتم الموافق عليها مباشرة، وعدم السماح للاجئين السوريين بزيارة بلدهم خلال عيد الأضحى وحصر الزيارة بحضور جنازة أو الذهاب دون عودة.
كما تمت إعادة تفعيل نظام المخيمات في خمس مدن مختلفة، وإقفال 1200 حي بوجه الأجانب الذين لن يتمكنوا من تسجيل نفوسهم بها اعتباراً من بداية شهر يوليو المقبل، وخفض معدل الأجانب في الأحياء ضمن خطة التخفيف من 25% إلى 20%، كما صرّح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، معتبرا أن هذه الإجراءات ستضبط الهجرة غير الشرعية في البلاد.
وأعلن الوزير صويلو، الأسبوع الفائت، خلال مؤتمر صحافي عُقد في إدارة الهجرة بالعاصمة أنقرة، أن بلاده تسعى من خلال هذه الإجراءات الجديدة إلى السيطرة على "تدفق المهاجرين".
وقال إن السوريين القادمين حديثاً والراغبين في البقاء داخل تركيا سيُنقلون إلى مخيم في هاتاي لدراسة وضعهم، بينما لن تُقبل طلبات لجوء أو إقامة القادمين من دمشق وستتم إعادتهم من حيث أتوا.
خوف وعدم استقرار
محمد لاجئ سوري مقيم في مدينة غازي عنتاب منذ ستة أعوام، يجدد إقامته السياحية كل عام أو عامين، ويستفيد منها من أجل التنقل بين المدن التركية، ولكن مع القرارات الأخيرة، أصبح التجديد يأتيه لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر فقط.
يشعر بالأسف لما أصبح عليه الحال اليوم، ويقول محمد لـ"ارفع صوتك"، إن استخراج الإقامة مكلف مالياً، وفي نفس الوقت لا يستطيع سوى الاستمرار في تجديدها، لأن إيقافها يعني مغادرة تركيا ومنعه من عودة دخولها لخمس سنوات.
يضيف: "كنا سابقاً نعيش براحة تامة، ولدي سيارة خاصة بي وأشعر بالاستقرار مع عائلتي، ولكن كل عامين في موعد الانتخابات، يزداد الضغط على السوريين وتصدر قرارات جديدة".
وفي مدينة كلس على الحدود التركية السورية، يقيم اللاجئ السوري محمود، الذي يُطلب منه إذن سفر في كل مرة ينتقل لمدينة أخرى.
يقول لـ"ارفع صوتك": "أحياناً أسافر دون إذن السفر، فمن غير المنطق أن أطلب إذناً للسفر من أجل الذهاب لمدينة تبعد عني فقط 100 كم، واليوم فرضت الحكومة التركية على سائقي التكسي طلب إظهار إذن السفر لهم من قبل زبائنهم، بصراحة سأشعر كأن من يطلب مني ذلك هو عنصر أمن، وهذا بحد ذاته يخيفني وسأشعر بشيء من عدم الراحة النفسية جراء حدوثه".
"الحكومة والمعارضة متفقان ضمنيا"
تعقيباً على ما ذُكر، يقول الناشط الحقوقي طه الغازي، لـ"ارفع صوتك"، إن اللاجئ السوري اليوم "بين مطرقة خطاب الكراهية والعنصرية عند المعارضة، وبسندان القرارات التعسفية والقسرية الصادرة عن رئاسة الهجرة".
ويضيف "من حق الحكومة التركية أن تنظم واقع الوجود الأجنبي وواقع اللجوء في تركيا ولكن ليس بهذه الطريقة" مردفاً "مثلا قرار منح الصلاحية لسائقي التكسي أجل التحقق من إذن السفر أو بطاقة الحماية المؤقتة من زبائنهم، أثناء الانتقال بين الولايات، هو قرار غير منطقي، لأن السائق مدني وهذه صلاحية أمنية".
"وهذا القرار سيتم استغلاله من قبل بعض سائقي التكاسي داخل الولايات، فمن سيحمي اللاجئ؟" يتساءل غازي، متابعاً "بكل بساطة يمكن لسائق التكسي تهديد الشخص غير الحامل وثيقة سفر وابتزازه لدفع المال مقابل عدم التبليغ عنه، وأعتقد أن هذا الأمر سيفتح باب تجارة جديد بواقع اللاجئين".
وبالنسبة لتخفيف عدد الأجانب في الأحياء، يرى الغازي أنه "سيضر باللاجئين والأجانب"، مضيفاً "أين سيذهب اللاجئون والأجانب الموجودون في الأحياء ونسبتهم تفوق 20%والى أين سينتقلون؟ فالحي الذي سينتقلون إليه سيكونون فيه أيضا نسبة مضافة إلى 20%، كما أن انتقالهم قد يصطدم بقرار إغلاق تثبيت قيود السكن في هذه الأحياء، وكأن هذه النسبة من العائلات والأسر باتت بلا مكان سكن أو إقامة".
أما عن قرار عدم منح الإقامة للأشخاص القادمين حديثا إلى تركيا، يصفه الغازي بأنه "مجحف بحق الأجانب ككل، والسوريين بشكل خاص، ويتوازى مع نقطتين، الأولى، انتخابات 2023، والثانية مشروع العودة الطوعية".
ويبيّن: "اليوم تبرر الحكومة التركية هذا الموضوع عبر بعض وسائل إعلامها، بأنها نتيجة خطاب المعارضة رضخت وشددت على الوجود الأجنبي والسوري في تركيا، ولكن هذا للأسف بحد ذاته هروب وشراكة بما آل إليه واقع اللاجئين السوريين في تركيا".
ويقول الغازي: "من المعيب جدا أن تتخذ الحكومة من خطاب المعارضة ذريعة لاتخاذ قرارات مجحفة بحق اللاجئين كأنها في صف المعارضة، بينما يجب أن تقوم بإيقاف خطاب الكراهية والعنصرية، وتقف إلى جانب اللاجئ السوري الذي بات يقتنع شيئا فشيئا، أن تياري الحكومة والمعارضة متفقان ضمنيا في كل ما آل إليه واقعه".
ماذا بعد؟
يتوقع الغازي أن "تزداد القرارات التعسفية والقسرية الصادرة من دائرة الهجرة كلما اقتربت فترة الانتخابات، كما ستتصاعد الاعتداءات ذات الطابع العنصري سواء اللفظي أو الجسدي بحق اللاجئين السوريين، كما حصل خلال الأشهر الماضية في مقتل نايف النايف وشريف الأحمد".
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "لا بد للحكومة التركية من معالجة هذا الأمر ومتابعة كل من يحرض ويروّج خطاب الكراهية والعنصرية وعدم الاكتفاء بنفي بعض الأكاذيب التي تروجها تيارات المعارضة، أو الوقوف إلى جانب اللاجئ السوري بالدعم المعنوي، فهذا أمر غير كاف".
وبخصوص الإقامات السياحية، يحذر الغازي من "حصول تشديد كبير جدا، إذ تم منع العديد من أصحاب الإقامات السياحية من التجديد وهم من أصحاب الأعمال والمستثمرين، الذين باتوا يفكرون بنقل أعمالهم إلى مصر ودول أوروبا الشرقية، بسبب تنامي خطاب الكراهية والعنصرية والاعتداءات التي تطال اللاجئين السوريين والعرب، إضافة إلى التعقيدات الإدارية التي يعاني منها المستثمر السوري والعربي من خلال القرارات التعسفية غير الناظمة".