إنقاذ لاجئين سوريين بعد غرق مركب تهريب قرب قبرص التركية في 21 مارس 2020
إنقاذ لاجئين سوريين بعد غرق مركب تهريب قرب قبرص التركية في 21 مارس 2020

برفقة عددٍ من الشبان، معظمهم من السوريين، أبحر الشاب السوري "مجد" قبل ثلاثة أسابيع على متن قارب "هجرة غير شرعية"، قاصدا الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية، بعدما بات "على يقين" أنه "لم يعد له خبزة في تركيا"، بعد أن وصل إليها قبل خمس سنوات، وحصل فيها على "بطاقة الحماية المؤقتة"، المعروفة باسم "الكمليك".

لم يكن هذا الخيار بالنسبة للشاب السوري "عن رفاهية"، بل أقدم عليه "مضطرا"، لسلسلة من الاعتبارات. ويقول لموقع "الحرة": "لم نخرج إلى أوروبا من أجل ركوب السيارات الفخمة!. نريد حماية دائمة أو بالأصح استقرار وراحة بال". 

يبلغ "مجد" من العمر 31 عاما، وعلى مدى السنوات الخمس التي قضاها مقيما في مدينة إسطنبول عمل بالمهنة التي يجيدها كـ"محرر للفيديو"، ومخرج تسجيلات مصورة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وقبل عامين كان قد اتخذ قرارا بالزواج، لكن ورغم ذلك بقي "خيار الإنجاب" معلقا، وفق الشاب الذي يضيف أن "حالة عدم الاستقرار" التي كانت تراوده كانت الأساس وراء اتخاذ قرار ركوب القارب إلى أوروبا، إضافة إلى أسباب أخرى، منها تنامي خطاب "الكراهية والعنصرية" في تركيا ضد السوريين، فضلا عن الإجراءات التي "قيّدت"، حسب تعبيره، الأشخاص الذين يحملون "الكملك"، وهو منهم.

صورة نشرها خفر السواحل اليوناني في يونيو 2022 لمهاجرين تم إنقاذهم قرب جزيرة ميكونوس

وبات ملاحظا، خلال الأشهر الثلاثة الماضية تصدر الحديث المتعلق بـ"الهجرة إلى أوروبا" على نحو كبير داخل أوساط اللاجئين السوريين في تركيا، وجاء ذلك في الوقت الذي تصاعد فيه خطاب الكراهية من جانب شخصيات في أحزاب المعارضة.

كما جاء مع اتجاه الحكومة التركية إلى اتخاذ إجراءات "أكثر صرامة"، بخصوص ملف اللاجئين، واتجاهها للتأكيد على مضيها في مشروع "العودة الطوعية" إلى سوريا، وما تبع ذلك من إعلان الشروع بإنشاء "المنطقة الآمنة"، وصولا إلى الخطاب الأخير الذي اعتبره نشطاء ومراقبون "تحولا"، بشأن طبيعة العلاقة مع النظام السوري.

وتستضيف تركيا أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري منذ اندلاع الحرب في جارتها الجنوبية في عام 2011، ويتوزعون على جميع ولاياتها.

وينقسم هؤلاء بين أولئك الذين يحملون "بطاقة الحماية المؤقتة"، وهم النسبة الأعظم، إضافة إلى حملة بطاقة "الإقامة السياحية" أو "إقامة العمل"، وممن أصبحوا أتراكا، بعد منحهم الجنسية بصورة استثنائية.

 

"هجرة ثالثة"

وبينما وصل الشاب "مجد" إلى العاصمة اليونانية أثينا، كمحطة أولى للانتقال إلى إحدى الدول الأوروبية الأخرى، ينتظر الأربعيني "سالم" اتصالا من "المهّرب"، الذي سيتولى تنسيق عملية عبوره إلى اليونان مع عدد من رفاقه، من خلال طرق غير شرعية، عبر البر.

وتختلف "مزايا" طرق البحر عن البر، من ناحية الأموال التي يدفعها الشخص القاصد العبور إلى أوروبا، فضلا عن مزايا أخرى تتعلق بعامل "الضمان" والسلامة من أن يتحولوا إلى هدف للاعتقال، سواء من جانب حرس الحدود اليوناني أو التركي.

ونادرا ما يكشف الشخص الذي وصل إلى أوروبا "بطريقة غير شرعية" تفاصيل الطريق التي سلكها، في مسعى منه "لحماية أقرانه" ممن يرغبون بالهجرة خلال الأيام المقبلة.

وذلك ما تحفظ عليه الشابان "مجد" و"سالم" خلال حديثهم لـ"الحرة"، بقولهم: "لا نريد أن تنكشف الطرق. هناك أناس كثر يريدون الهجرة. نحن وصلنا بسلام ومن غير اللائق أن نحرم هذه النعمة على غيرنا". 

الناشط الحقوقي المهتم بأوضاع السوريين في تركيا، طه الغازي يؤكد أن هناك بالفعل "موجة هجرة ثالثة إلى الدول الأوروبية، من جانب السوريين المقيمين في تركيا".

وهذه "الموجة" هي الثالثة من نوعها، منذ عام 2011، ويوضح الغازي لموقع "الحرة": "الأولى حصلت بين عامي 2015 و2016. والثانية في 2019 و2020 عندما قدمت الحكومة التركية تسهيلات لمن يرغب بالعبور". 

ورغم أن "الموضوع الموسمي (صيفا، شتاء) له تأثير غير مباشر" كسبب لاتجاه السوريين في تركيا للهجرة من جديد، إلا أن الناشط الحقوقي تحدث عن أسباب أخرى، منها "تنامي خطاب الكراهية والتمييز العنصري، وهو ما أثر بشكل كبير على المجتمع السوري".

وخلال الفترة الأخيرة "لم يتوقف الأمر عند الكراهية والعنصرية، وإنما تعدّى إلى وقوع وقائع جرمية، سواء في إسطنبول أو ما حصل في إزمير. هذا الأمر خلق بيئة عدم استقرار نفسي ومجتمعي للسوريين في البلاد".

وجاء ذلك، حسب تعبير الغازي بالتوازي "مع غياب دور الحكومة الفعلي عن وضع حد للشخصيات ذات الخطاب العنصري، وغياب القوانين التي تجرم خطاب الكراهية والعنصرية"، فضلا عن "إصدار قرارات تعسفية باتت تشكل حالة تضييق على السوريين". 

ومن هذه القرارات إغلاق عدد من الأحياء أمام السوريين الراغبين بالإقامة فيها، وما تبع ذلك من إجراءات تقييد بحق من يحمل "بطاقة الحماية المؤقتة، وإلغاء قيود الآلاف". 

وسعت عدد من أحزاب المعارضة إلى الاستفادة من قضية اللاجئين السوريين، منذ بداية العام الحالي، حيث اتجهت شخصيات منها للإعلان عن نيتها إعادة السوريين إلى بلادهم، وأنه يجب عليهم مغادرة البلاد.

في المقابل كان هناك مسار آخر اتخذته الحكومة، معلنةً عن مشروع يستهدف "العودة الطوعية" لحوالي مليون لاجئ، إلى "منطقة آمنة" يتم إنشاؤها على الحدود الشمالية لسوريا.

وما بين هذين المسارين بدأت شخصيات معارضة حملات تحريض وكراهية، أسفرت في الكثير من الأحيان عن وقائع جرمية، راح ضحيتها شبان سوريين. وعلى رأس هذه الشخصيات أوميت أوزداغ زعيم "حزب النصر".

من جانب آخر يرى الناشط الحقوقي الغازي أن "الحكومة التركية وبإعلانها عن مشروع العودة الطوعية زرعت الخوف والشك في نفوس اللاجئين. هؤلاء باتت تراودهم أسئلة من قبيل إلى أين سنعود؟ إلى الشمال السوري غير الآمن؟".

علاوة على ذلك، يضيف الغازي أن "عمليات الترحيل زادت خلال الأشهر الماضية بشكل كبير، لتكون سببا إضافيا إلى ما يحصل في الوقت الحالي".

وذلك ما تشير إليه كلمات الشاب "مجد": "نعيش ببطاقة حماية مؤقتة. بأي لحظة قد تكون في إدلب. الشيء يعتمد على البوليس والشرطة". 

ويضيف: "غالبية الشبان الذين كانوا معي استدانوا الأموال لكي يخرجوا إلى أوروبا. الشخص الذي عاش في الحرب ليس لديه أي خوف الآن لخوض البحر مجددا"، في إشارة منه إلى تفضيل "خيار خطير" على "واقع أسوأ". 

 

"حتى الانتخابات"

ولا توجد أي ملامح واضحة حتى الآن حيال ملف السوريين في تركيا، والتطورات التي قد تطرأ على وجودهم، فيما يترقب الكثيرون ما ستؤول إليه الأشهر المقبلة التي تفصل عن الانتخابات الرئاسية في تركيا.

يقول الشاب "سالم" الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه كاملا، لأن "سفرته لم تتيسّر حتى الآن": "هناك اعتقاد بأن الأمور ستتغير بعد الانتخابات. لكن المشهد الغامض لا يدفعني للانتظار أكثر". 

سيترك "سالم" زوجته وابنه بعمر الستة أشهر، على أن يقدّم طلب "لم شمل"، بعد أن يصل بسلام إلى السويد، التي يرغب بالإقامة فيها، بناء على "مزايا أخبره إخوته بها"، المقيمين هناك منذ خمس سنوات.

 ولا يرى الشاب في حديثه لـ"الحرة" أن "الكراهية وحالة عدم الاستقرار "هي السبب الرئيسي الذي يدفع الشبان للهجرة مجددا"، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي "السيء" له دور أكبر أيضا.

ومنذ وصوله إلى البلاد في عام 2014 اتجه الشاب للعمل في مصنعٍ للنسيج في إحدى مناطق إسطنبول، ويضيف: "راتبي الشهري لم يتغير كثيرا. 500 ليرة تركية فقط طول هذه السنوات. اليوم بات إيجار منزلي 4 آلاف ليرة. أي ثلاثة أرباع ما أحصل عليه". 

ومع ارتفاع مستويات التضخم المصحوب بالانخفاض السريع في قيمة الليرة التركية، كان خطاب "الكراهية" قد تصاعد باضطراب.

ولطالما حمل سياسيون وشخصيات من المعارضة "السوريين" بوصول تركيا إلى هذا الوضع الاقتصادي، زاعمين أن "الحكومة التركية صرفت عليهم مليارات الدولارات، منذ بداية الحرب في بلادهم".

بدوره يشير الناشط الحقوقي، طه الغازي إلى أن "موجة اللجوء الحالية للسوريين أثرت على قطاع الصناعات، وهو ما بدا مؤخرا في ولاية كوجالي ومعامل الحقائب والقطاعات النسيجية”> 

ويقول الغازي: "هذا التأثر لن يكون ظهوره آنيا وكبيرا في الوقت الحالي، بل بعد فترة. ستزداد كلفة الإنتاج، لأن السوري كان له الدور الأكبر في خفض تكاليف الإنتاج، بسبب رخص اليد العاملة". 

 

"مخاطرة على الحدّين"

ووسط الحديث المتصاعد حول "الهجرة الثالثة"، نشرت شبكات إخبارية سورية على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الشهرين الماضيين أخبارا عن وفاة شبان، في أثناء رحلة عبورهم إلى اليونان.

ومن بين الضحايا "حسام حسن الصالح الزيدان"، "عبود مطلب الزيدان"، "عمار خطاب". 

وفي حديثه لموقع "الحرة" قال الشاب "سالم" إنه سمع الأخبار المتعلقة بوفاة الشبان الثلاثة في أوقات متفرقة، لكن ذلك "لا يدفعه للعزوف عن قرار الهجرة"، بقوله: "هي مخاطرة على الحدين، لكن لكل شخص قدر محتوم، وساعة سيموت فيها". 

ويلقى العديد من طالبي اللجوء السوريين حتفهم في أثناء مغادرتهم تركيا إلى اليونان سواء في البر أو البحر، وغالبا ما تكون الوفاة بسبب الغرق إما في البحر المتوسط أو في نهر "إفروس" على الحدود البرية بين تركيا واليونان، أو بسبب البرد الشديد.

مخاطرات أخرى تحدث عنها الشاب "مجد"، وترتبط بالفترة التي ستتبع عملية إلقاء القبض على من يحاول العبور، سواء من جانب اليونان أو الجانب التركي.

ويوضح حديثه بالقول: "طريق البحر يستمر 16 ساعة ودون أي أمان. يمكن أن تغرق أو تحتجز في اليونان ضمن مخيمات، وفي حال ألقي القبض على الشخص في تركيا فستكون أمام مشكلة أكبر. الإقامة ستلغى على اختلاف نوعها. ستتدمر حياتك".

شادي الأيوبي وهو صحفي مقيم في أثينا ومطلع على واقع اللجوء السوري إلى أوروبا، منذ البدايات يشير إلى أن الحديث عن "موجات الهجرة الثالثة" بات متصاعدا في الوقت الحالي.

ويقول لموقع "الحرة": "السوريون في صدارة هذه الموجة، وهناك عراقيين وأفارقة وآسيويين". 

وللسلطات اليونانية والحكومة اليمينية في الوقت الحالي "رؤية مختلفة" عن اليسارية السابقة، إذ يشير الأيوبي إلى "إجراءات مشددة وخطاب مختلف عن السابق". 

وفي 16 من شهر أغسطس الحالي عثرت السلطات اليونانية على مجموعة من 38 مهاجرا، من بينهم امرأة حامل أوشكت على الولادة، تقطعت بهم السبل في جزيرة "صغيرة مجهولة" على طول الحدود التركية اليونانية.

وقال المهاجرون السوريون، وهم 22 رجلا وتسع نساء وسبعة أطفال، إنهم كانوا في جزيرة على نهر إيفروس منذ منتصف يوليو، فيما أشارت منظمات حقوق إنسان إلى وفاة طفلة.

يضيف الصحفي الأيوبي: "بقي هؤلاء فترة طويلة، بينما نفت اليونان لأول مرة أن تكون الجزيرة تابعة لها".

وتدعي منظمات حقوق الإنسان أن الآلاف من طالبي اللجوء منعتهم السلطات اليونانية قبل منحهم فرصة تقديم طلب اللجوء. كما تسبب ذلك في خلافات داخل الاتحاد الأوروبي بعد أن ادعى مسؤول بارز العام الماضي أن البلاد تنتهك الحقوق الأساسية الأوروبية.

ويقول بعض اللاجئين إنهم أُعيدوا قسرا إلى المياه التركية، ولطالما نفت الحكومة اليونانية هذه الادعاءات، مؤكدة على أنها تمتثل للقانون الأوروبي والدولي.

وتحدث الصحفي شادي الأيوبي أن "هناك اتهامات كثيرة من منظمات إنسانية منها يونانية للسلطات بأنها تقدم على عمليات إبعاد في البحر".

ويضيف: "الحكومة اليونانية الحالية لا تبالي. هي تقول إنها تحمي الحدود اليونانية والأوروبية. اختفى اسم المهاجرين واللاجئين وأصبحوا بالنسبة لها مهاجرين غير شرعيين". 

ووفق الصحفي فإن "ظروف الهجرة في 2015 لم تعد كما كانت. اليوم توجد أزمة طاقة وجفاف بينما يتصاعد اليمين المتطرف. لا يوجد في أوروبا رفاهية لإظهار وجه إنساني للاجئين"، حسب تعبيره.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".