تلاميذ يختبئون في التلال بعد استهداف مدرستهم في قضاء كويسنج بإقليم كردستان العراق للقصف الصاروخي الإيراني
تلاميذ يختبئون في التلال بعد استهداف مدرستهم في قضاء كويسنج بإقليم كردستان العراق للقصف الصاروخي الإيراني

يعيش اللاجئون الأكراد الإيرانيون في كردستان العراق أوضاعا صعبة بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة التي استهدفت مخيماتهم، معربين عن خوفهم من تكرار هذه الهجمات وتقويض الاستقرار في الإقليم الذي يحتضنهم منذ أكثر من 3 عقود.

وتعرضت مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومحيط إحدى المدارس ومخيمات اللاجئين في قضاء كويسنجق بمحافظة أربيل، ومقرات حزب الحرية الكردستاني في منطقة شيراوه جنوب أربيل، ومقرات جناحي حزب الكوملة الكردستاني في منطقة زركويز بمحافظة السليمانية، الأربعاء الماضي، إلى قصف مكثف نفذه الحرس الثوري الإيراني بالصواريخ الباليستية والمسيرات.

"الهروب من المدرسة"

شونم همزيي، معلمة في المدرسة الابتدائية، التي تعرض جزء منها للقصف الإيراني وتقع ضمن مخيم اللاجئين الكرد الإيرانيين في قضاء كويسنجق التابعة لمحافظة أربيل.

تروي همزيي لموقع "ارفع صوتك" ما شهدته من أحداث في ظل القصف وكيف تمكنت وهي والأطفال والكادر التدريسي من الهروب من المدرسة قبل أن يطالها القصف.

تقول همزيي "كنت أشرح للتلاميذ دور الأمم المتحدة وواجباتها وحقوق الإنسان وحقوق الطفل، فجأة سمعنا صوت انفجار قوي جدا اهتزت بسببه غرفة الصف وطغى الخوف والرعب على أجوائه، وبدأ التلاميذ يتشبثون بمقاعدهم وقسم منهم التجأ لي وراحوا يعانقونني من شدة الخوف".

قررت همزيي في البداية البقاء في الصف وعدم الخروج لكن توالي الانفجارات الواحد تلو الآخر، دفع بإدارة المدرسة إلى إخراج التلاميذ من الصفوف الكرفانية، التي تشكل جزءا من المدرسة، وانتقل الجميع إلى القسم الآخر من المدرسة تجنبا من القصف المكثف.

تضيف همزيي: "عشنا أجواء من الرعب لا يمكن نسيانها، الصواريخ والمسيرات كانت تسقط في كل مكان، وبعد خروجنا من الصفوف الكرفانية استهدفها القصف مباشرة ودمرها بالكامل، فلو تأخرنا لبضع الوقت لكان غالبية الأطفال الآن في عداد القتلى والمصابين".

لم يسلم القسم الآخر من المدرسة من القصف، لأن توالي الانفجارات وسقوط الصواريخ في محيطها ألحق بها أضرارا كبيرة وتسببت الشظايا وقطع الزجاج المنفجرة بإصابة عدد من الأطفال بجروح، وبالتالي هرب من كان في المدرسة الى الخارج باتجاه السهول والتلال للاختباء بين الصخور.

ورغم حالة الهلع التي عاشتها، إلا أن همزيي وثقت كل لحظة عاشتها في ظل القصف بكاميرة هاتفها، وكانت مصدرا للعديد من المواقع والمؤسسات وصفحات التواصل الاجتماعية التي اكتظت بصورها للمدرسة، وللتلاميذ وهم يهربون نحو التلال خوفا من القصف.

تتابع همزيي: "نعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني، لأن هذه ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها للقصف من قبل إيران، وخلال الفترة الماضية كنا نمضي أوقاتنا في المدرسة بخوف وحذر منتظرين أن تستهدفنا الطائرات والصواريخ الإيرانية في كل لحظة، وحاليا يعيش الأطفال والأهالي حالة من الصدمة النفسية والحزن بسبب ما شهدوه من مأساة ورعب".

 وأعلنت منظمة "هانا" الكردية الإيرانية لحقوق الإنسان في بيان الجمعة، أن "حصيلة القتلى والمصابين إثر القصف الإيراني المكثف لمخيمات اللاجئين ومقرات الأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان ارتفعت إلى 17 قتيلا بينهم نساء وأطفال"، فيما أشارت مصادر صحية في الإقليم إلى أن أعداد الجرحى وصل إلى أكثر من 58 جريحا.

وتتخذ أحزاب وتنظيمات معارضة كردية إيرانية يسارية من إقليم كردستان العراق مقرا لها، وهي أحزاب خاضت تاريخياً تمرداً مسلحاً ضدّ النظام في إيران على الرغم من تراجع أنشطتها العسكرية في السنوات الأخيرة.

لكن هذه التنظيمات لا تزال تنتقد بشدّة الوضع في إيران على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر مشاركة مقاطع فيديو للتظاهرات التي تشهدها إيران حالياً منذ وفاة الشابة مهسا أميني منتصف سبتمبر بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق.

إيرانيات ضحايا التمييز.. "مهسا أميني" ليست الأولى فهل تكون الأخيرة؟
توفيت الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عامًا) بعد أيام من اعتقالها على يد "شرطة الآداب" بزعم ارتدائها الحجاب بشكل "غير لائق"، حادثة فجرت غضب الشارع الإيراني، وجددت الحديث عن أشكال التمييز الممارس على الإيرانيات في شتى مجالات الحياة.

"لم أجد ابني"

سعيدة حقكو، لاجئة كردية إيرانية كانت تسكن في مخيم زركويز للاجئين الإيرانيين في محافظة السليمانية، عندما تعرض المخيم حيث تعيش للقصف الإيراني المكثف الأربعاء الماضي.

توضح حقكو لموقع "ارفع صوتك"، "كنت في منزلي داخل المخيم عندما توالت الانفجارات حولنا فهرعت إلى الخارج للوصول إلى المدرسة ومعرفة مصير طفلي، وعند الوصول كان أهالي المخيم يتجمعون أمام المدرسة، كل شخص يبحث عن أطفاله، لكن لم أجد ابني وكنت أصرخ وأنوح، وبعد ساعتين تمكنت من إيجاد ابني حيث كانت إحدى العائلات قد أخذته مع أطفالها لحمايته من القصف".

تشير حقكو إلى أن بيوتهم وكل ما كانوا يمتلكونه تعرض للحرق والدمار داخل المخيم بسبب القصف وأصبحوا نازحين يعيشون مع أقاربهم في مدينة السليمانية، مضيفة "لم يعد بإمكان أطفالنا الذهاب إلى المدارس حتى القرى التي كانت تحيط بمخيمنا هي الأخرى هجرها سكانها خشية تكرار القصف".

وكشف جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان في بيان، الأربعاء، أن "الحرس الثوري الإيراني هاجم الاقليم بأكثر من 70 صاروخاً بالستياً من طراز "فاتح" وطائرات مسيرة مفخخة من داخل الأراضي الإيرانية على أربع مراحل".

وتقول سيران بانيا، وهي الأخرى لاجئة كردية إيرانية، لموقع "ارفع صوتك": "نعيش أوضاعا صعبة في ظل تكرار القصف والهجمات الإيرانية، نحن لجأنا إلى كردستان هربا من بطش النظام في إيران لنعيش بأمان هنا، لكن الطائرات والقصف والهجمات التي تنفذها إيران ضدنا نحن اللاجئين قوضت استقرارنا وعائلاتنا هنا أيضا".

التنديدات الدولية

فيما تنتقد اللاجئة، دلكش محمود بور، الصمت الدولي مما يتعرض له الأكراد الإيرانيون من انتهاكات، وتوضح لموقع "ارفع صوتك"، "الاستنكارات الدولية للهجمات والانتهاكات الإيرانية لا تنفعنا ولا تغير من أوضاعنا، نحن بحاجة إلى تحرك دولي يوفر لنا الحماية ويحد من الهجمات الإيرانية ضدنا وضد إقليم كردستان".

وعلى مدى الأيام الماضية لم يتوقف القصف المدفعي الإيراني المتزامن مع الغارات الجوية والهجمات بالطائرات المسيرة المفخخة على القرى والبلدات الحدودية في إقليم كردستان المحاذية لإيران بحجة استهداف الأحزاب الكردية المعارضة لإيران، وأسفرت هذه الهجمات عن إلحاق أضرار مادية بالقرى والغابات والمزارع، وتسببت بتهجير المئات من السكان.

وأدانت الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان القصف الإيراني، الذي نفذته وفق بغداد "عشرون طائرة مسيَّرة تحملُ مواد متفجِّرة" وطال "أربع مناطق في إقليم كردستان العراق".

ونددت كل من برلين وواشنطن ولندن بهذا الهجوم.

وأعربت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في العراق عن قلقها إزاء الهجوم، وتحدثت في تغريدة "عن سقوط عدد من الضحايا والجرحى المدنيين منهم لاجئون إيرانيون - ومن بينهم نساء وأطفال"، مشيرة إلى تعرض مخيم لاجئين في كويسنجق شرق أربيل للقصف.

مواضيع ذات صلة:

أم وأطفالها بعد قصف جوي لقوات النظام السوري على حلب - أرشيفية
أم وأطفالها بعد قصف جوي لقوات النظام السوري على حلب - أرشيفية

لا تزال منى الحميدان تحتفظ بقميص صغير تعدّه "الذكرى الوحيدة" التي بقيت لها من أثر طفلها سعيد (7 سنوات)، الذي قضى في قصف للنظام السوري على غوطة دمشق الشرقية في مارس 2018. 

تقيم الحميدان (46 عاماً) في تركيا حالياً، حيث لجأت إليها عام 2019، أي بعد نحو عام من الخروج القسري لسكان غوطة دمشق الشرقية في مايو 2018، عندما سيطرت قوات النظام السوري عليها.

تطمح كغيرها من ذوي الضحايا السوريين، لا سيما ذوي الأطفال، أن يتحقق الإنصاف القانوني بمثول مجرمي الحرب في بلادها أمام المحاكم الدولية المختصة.

تقول الحميدان لـ"ارفع صوتك" بنبرة يأس: "يبدو أن دماء ابني ومئات آلاف الضحايا السوريين ستبقى دون إنصاف، في ظل غياب المحاسبة والإفلات من العقاب حتى الآن. لا نعلم، ربما في يوم ما يتغيّر هذا".

وتؤكد أن الكثير من معارفها قُتلوا خلال المعارك مع قوات النظام السوري في بلدة حمورية بالغوطة الشرقية، مستذكرة بفخر بعض أقاربها الذي قضوا وهم "يدافعون عن أهلهم أمام آلة البطش" حسب تعبيرها.

"لكن ابني سعيد ومثله آلاف الأطفال قُتلوا دون أي ذنب، وكان ذنبهم الوحيد أن أهالي منطقتهم خرجوا يطالبون بحقوقهم المشروعة التي قابلها النظام بالحديد والنار"، تتابع الحميدان.

يتفق معها أحمد موصلي (43 عاماً)، باعتقاده أن "دماء جميع ضحايا الحرب في سوريا ذهبت هدراً"، مستبعداً لـ"مجرمي الحرب في سوريا أن يُحاسبوا أو يمثلوا أمام المحاكم".

فقد موصلي طفليه الاثنين في غارات جوية للنظام على الأحياء الشرقية لمدينة حلب أواخر سنة 2016. 

يقول لـ"ارفع صوتك"، إنه "ينظر بسخرية لجميع الدعاوى القضائية المرفوعة ضد النظام، لأن المجتمع الدولي هو الذي شجع الأسد وحلفاءه وجميع مرتكبي الانتهاكات في سوريا على ارتكاب المزيد من الجرائم، منذ سقوط أول قتيل والاكتفاء بالتنديد دون اتخاذ أي خطوات رادعة".

سوريا
"دفن الأطفال بملابس العيد".. تقرير: جرائم النظام السوري "تزداد في المناسبات"
كان الطفل السوري، حسين صايغ (13 عاما)، من بين 27 طفلا قضوا في الهجمات التي شنتها القوات الحكومية السورية في شمال غرب البلاد خلال الشهرين الماضيين وحدهما.

ويحكي تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية قصة الفنان الصغير الذي هاجرت أسرته لشمال غرب

أكثر من 30 ألف طفل قتيل

بمناسبة "يوم الطفل العالمي" الذي وافق 20 نوفمبر ٢٠٢٣، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرها السنوي الثاني عشر، حول الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا.

وأكدت مقتل حوالي 30127 طفلاً في سوريا منذ مارس 2011، بينهم 198 بسبب التعذيب، إضافةً إلى 5229 طفلاً ما زالوا معتقلين أو مخفيين قسراً.

وأشار التقرير إلى أن "سوريا صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1993، كما صادقت على البروتوكولين الاختياريين الملحقين بها". أوضح التقرير أن "جميع أطراف النزاع انتهكت حقوق الطفل، إلا أن النظام السوري تفوّق على جميعها من حيث كمّ الجرائم التي مارسها على نحو نمطي ومنهجي".

وحمّل التقرير اللجنة المعنية بحقوق الطفل والمنبثقة عن اتفاقية حقوق الطفل، المسؤوليات القانونية والأخلاقية في متابعة أوضاع حقوق الطفل في سوريا، ووضع حدٍّ للانتهاكات التي يمارسها النظام السوري.

وفي تفصيل أرقام الأطفال، قتل 23022 طفلاً على يد قوات النظام السوري، و2049 على يد القوات الروسية، و958 على يد تنظيم داعش، و74 على يد هيئة تحرير الشام، فيما قتلت قوات سوريا الديمقراطية 260 طفلاً، وجميع فصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني)، قتلت 1009 طفلاً، وقتلت قوات التحالف الدولي 926 آخرين، بينما قُتل 1829 طفلاً على يد جهات أخرى. 

وعلى الرغم من أن التقرير شمل العديد من الانتهاكات التي ارتكبت ضد الأطفال في سوريا، إلا أن ثمة انتهاكات أخرى لم يشملها، وفقاً للمدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، لافتاً إلى أن "التقرير تناول الانتهاكات "الأكثر فظاعة".

ويبين لـ"ارفع صوتك"، أن "تقرير الشبكة حول الانتهاكات ضد الأطفال في سوريا، يغطّي ما نسبته 85% منها، فيما تبقى انتهاكات أخرى لم يصل إليها فريق الشبكة بسبب عدم التبليغ عنها أو عدم التحقق من دقّتها".

يضيف عبد الغني: "سنركز في التقارير المقبلة على عمالة الأطفال وتسرّبهم من المدارس، وتشريدهم القسري".

من جهتها، تقول ربا الأحمد، وهي عضو مجلس إدارة واستشارية قانونية في مجال توثيق الانتهاكات في "شبكة حراس الطفولة"، إن "الانتهاكات الي يتعرّض لها الأطفال في سوريا تشمل حرمانهم من الوصول إلى أساسيات الحياة الكريمة أو ابتعادهم عن مقاعد الدراسة، إضافة إلى الآثار النفسية على الأطفال جرّاء فقدان الوالدين أو أحدهما بسبب الحرب، بالإضافة إلى العنف الأسري أو المجتمعي". 

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفاً من بين الفئات التي تتعرض للانتهاكات بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص".

"لذا، بقي باب محاسبة المتسبّبين بهذه الانتهاكات مغلقاً حتى الآن، لعدم توفر الشرط اللازم لمحاكمة المتورطين بالانتهاكات في الدول الأوروبية مثلاً، التي تستلزم رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم بوجود أصحابها، وهو ما لم يتوفّر حتى الآن في ملفات الانتهاكات ضد الأطفال"، تتابع الأحمد.