يمكن أن يكلف الحصول على موعد في القنصلية السورية في إسطنبول اللاجئ مبلغ 1000 دولار.
يمكن أن يكلف الحصول على موعد في القنصلية السورية في إسطنبول اللاجئ مبلغ 1000 دولار.

"عليك تصديق المعاملة من قنصلية بلادك، وتصديقها من القائم مقام والعودة لإتمام معاملتك"، جملة يواجهها كل سوري يريد إجراء معاملة في الدوائر الحكومية التركية وخصوصا في إدارات الهجرة والنفوس. لكن هذا ليس الطلب الأول، هناك طلب آخر يسبقه: "عليك تجديد جواز السفر أو استصدار بيان عائلي أو بيان زواج وما شابه".

طلب من هذا النوع سيكلف اللاجئ رحلة شاقة وكثيرا من الوقت والمال. وكثيرون لن يجدوا فرصة لتمرير معاملتهم بسرعة، بسبب الظروف الاقتصادية الحرجة التي يعيشها معظم السوريين في تركيا.

فئة واسعة من السوريين تحمل إقامة سياحية، وهي بطاقة تثبت قانونية البقاء في تركيا، ومن يحملها لم يستطع استصدار بطاقة الحماية المؤقتة، لأسباب تتعلق بتوقف استصدار بطاقات الحماية أصلا، أو خوفا من القيود التي تفرضها البطاقة نفسها، حيث إن من يحمل بطاقة الحماية المؤقتة لا يمكنه التنقل إلا بإذن سفر، كما أنه لا يستطيع الانتقال إلى مدينة آخرى في تركيا. أما الذي يحق له الحصول على إقامة سياحية، فعليه أن يكون قد دخل البلاد بطريقة قانونية، وعليه تجديد الإقامة كل عام، بشرط أن تتوفر مدة صلاحية في جواز السفر تتناسب مع مدة الإقامة. وهذا يعني أن السوري عليه تجديد جواز السفر كل عامين من أجل إمكانية تجديد إقامته السياحية.

يقول عبد الله، الذي يحمل إقامة سياحية: "منذ 4 أشهر أحاول تجديد جواز السفر. وبعد امتناع القنصلية عن منحي موعدا لعملية التجديد، طلب أحد السماسرة مبلغ 1000 دولار أميركي لحجز الموعد فقط، دون التكاليف التي تطلبها القنصلية والتي تبلغ 800 دولار، فاضطررت إلى الاعتماد على سمسار آخر يقوم بتجديد الجوازات داخل سوريا، لتقليص بعض التكاليف".

ويضيف عبد الله: "بعد الانتهاء من عملية التجديد، ذهبت إلى دائرة الهجرة رغم انتهاء الموعد الممنوح لسريان إقامتي، إلا أن الدائرة طلبت مني تصديق الجواز من القنصلية وقائم المقام، وأعطتني فترة سماح مدة شهر. قمت بعد ذلك بحجز موعد عن طريق اتساب وفق آلية أطلقتها القنصلية السورية في إسطنبول، إلا أنني انتظرت نحو شهر، ولم تصلني رسالة تحدد لي الموعد، فلجأت إلى أحد السماسرة لأن فترات السماح التي منحت لي من قبل دائرة الهجرة، شارفت على الانتهاء، وطلب السمسار 400 دولار أميركي لشراء موعد التصديق فقط".

يختم عبد الله حديثه: "المشكلة تم حلها بدفع ما يقارب 2000 دولار بين استصدار جواز سفر صالح لمدة عامين ونصف، ومن ثم وتصديقه، لكن المفارقة أنه وبعد شهرين من هذه العملية، لم تصل أي رسالة من القنصلية تحدد موعدا للتصديق أي أن هناك تجاهل تام لمن يطلب موعد".

 

آلية حجز المواعيد

 

في شهر يونيو الماضي، أطلقت القنصلية خدمة لحجز مواعيد عبر "واتساب" وخصصت رقما هاتفيا لها، وذلك بعد أن كانت عملية الججز تتم عبر موقع القنصلية. ورغم أن حجز موعد لاستصدار جواز سفر في السابق كان شبه مستحيل، إلا أن حجز مواعيد تصديق الوثائق، كان يُجاب عليه أحيانا حتى لو متأخرا. أما الآن فجميع المواعيد ستضطرك إلى اللجوء إلى "السماسرة".

ونظراً لأن هناك شرطا من قبل القنصلية يرسل إلى صاحب الطلب تلقائيا عند حجز الموعد، يحذره بعدم إضافة أي طلب أو استفسار على الموعد، لأن ذلك سيلغي الطلب فورا، وهذا يعني بطبيعة الحال إغلاق الباب أمام أي استفسار أو اعتراض.

 

من يتقاضى أموال حجز المواعيد؟

 

أيمن جوهر، وهو اسم مستعار لسمسار يساعد في الحصول على مواعيد في القنصلية السورية في تركيا، طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، كي لا يُعرف من قبل الشبكة التي تدير عمليات حجز المواعيد، قال لـ"ارفع صوتك": "آلية بيع المواعيد الخاصة بالأوراق الثبوتية والجوازات مرّت بمرحلتين: الأولى قبل 4 سنوات، والثانية التي يتم العمل من خلالها في الوقت الحالي. ففي السابق، كانت العملية تمر من خلال 3 أشخاص فقط، الأول يدير حجز المواعيد، أما الثاني فهو يرتبط مع السمسار الذي يعتبر الطرف الثالث في هذه العملية والذي يقوم بالتنسيق مع الزبون وأخذ المال منه مقال حجز الموعد".

يضيف جوهر: "في السابق، كان سعر حجز موعد الوكالات وتصديق الوثائق لا يتجاوز 30 دولار، في حين كان سعر حجز الموعد للحصول على جواز سفر (دون احتساب تكاليف استصدار جواز) تبلغ حوالي 250 دولارا".

يتابع السمسار: "أما المرحلة الثانية، وهي التي تطبق حاليا بعد إطلاق القنصلية السورية رقم "واتساب" الذي لن يتم الرد عليه غالبا، فإن الشخص الذي يريد حجز موعد للوكالات والتصديق، عليه أن يشتريه بمبلغ يتراوح بين 300 و400 دولار. وهذا المبلغ يندرج تحت إطار "التصديق البطيء" ويجب على صاحبه الانتظار فترة ليست بالطويلة للحصول على الأوراق. أما التصديق السريع والغيابي الذي لا يضطر صاحبه إلى الذهاب للقنصلية أو الانتظار، فوصلت أسعار مواعيده إلى 700 دولار، في حين بلغت أسعار حجز موعد استصدار جواز سفر بين 800 و1000 دولار. وكل تلك الأسعار، تعود نسبة كبيرة منها لشخص واحد هو من يتولى عملية إرسال الرسائل عبر واتساب، فيما يتقاسم المكلف بالتنسيق والسمسار النسبة الأصغر من المبلغ". وبحسب جوهر، فإن الشخصية الرئيسة التي تدير هذه العملية موجودة في دمشق، وهي شخصية أمنية لا يعرفها حتى السماسرة.

 

التصديق ضروري

 

 المستشار القانوني حسام محمد يشرح الأسباب التي أوجدت الإجراء الحكومي في إلزام السوريين بتصديق الوثائق. ويقول لموقع ارفع صوتك: "كانت طريقة التجديد منذ 6 سنوات عن طريق وضع لصاقة تمديد على جواز السفر ومع ازدياد عدد الجوازات المزورة وانتشار جوازات الائتلاف السوري المعارض كان على الحكومة التركية الحد من هذه الجوازات غير المعترف بها أو تلك المزورة. ومن هنا بدأت الحكومة بإلزام السوريين بتصديق جواز السفر أو الوثائق من القنصلية السورية".

ويضيف المستشار القانوني أن دائرة الهجرة، وبالتنسيق مع اللجنة السورية التركية المشتركة، أوجدت ما يسمى بالإقامة الإنسانية وهي بديل عن الإقامة السياحية وتمنح لمن لم يستطع تجديد جواز سفره. ولكن آلية الحصول عليها تعتبر شبه معقدة وتستهلك أكثر من 9 شهور في الوقت الحالي ليتم إصدارها.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".