تترك التطورات الأخيرة في شمال سوريا أسئلة كثيرة حيال المشروع الذي بدأت الحكومة التركية تنفيذه بشأن إعادة السوريين إلى بلادهم ضمن مسمى "العودة الطوعية".
ورغم أن هذه العودة غالبا لا تكون طوعية كما هو متعارف عليه، فإن نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشاتاكلي قال إن أعداد اللاجئين العائدين إلى "المناطق المحررة" في الشمال السوري في تزايد مستمر. وأضاف: "عدد سكان المناطق المحررة في سوريا تضاعف من مليون و300 ألف إلى مليونين و100 ألف، منهم 526 ألفا عادوا من تركيا. العدد في تزايد مستمر ضمن استراتيجية تركيا لتأمين عودة كريمة وطوعية للسوريين إلى بلادهم".
تصريحات المسؤول التركي جاءت خلال جولة له برفقة صحفيين في مدينة إعزاز السورية. وتزامنت مع اندلاع اشتباكات هي الأعنف منذ سنوات بين الفصائل السورية.
وازداد الحديث عن المشروع التركي بإعادة السوريين إلى بلادهم بالتزامن مع التجاذبات السياسية الحادة بين الحكومة وأحزاب المعارضة قبل الانتخابات في يونيو 2023.
ولم تكن تركيا هي أول من يعمل على إعادة السوريين إلى بلادهم. ففي لبنان أيضا خرج الرئيس ميشال عون ليؤكد أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ستبدأ بالفعل.
عودة إلى الموت؟
منذ سنوات، ورغم توقف المعارك بين النظام وفصائل المعارضة، إلا أن عودة كثير من الكثير من السوريين إلى مناطقهم تبدو مستحيلة. فالمناطق التي يسيطر عليها النظام السوري لا يمكن لأغلب السوريين، الذين دخلوا تركيا أو لبنان أثناء الحرب، العودة إليها، إلا من خلال إقامة تسويات مع النظام.
ومع ذلك، فإن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر في سبتمبر الماضي، قالت إن النظام السوري منع مئات المواطنين السوريين من العودة من لبنان إلى وطنهم، مشيرة إلى تسجيل 62 حالة اعتقال/اختفاء قسري في صفوف العائدين من لبنان منذ بداية 2020.
التقرير الأخير يأتي بعد تقرير مماثل أصدرته الشبكة نفسها في أغسطس تحذر فيه السوريين من العودة إلى سوريا، حيث قالت إن "النظام السوري لا يزال يشكل تهديداً عنيفاً بربرياً، وإن على اللاجئين السوريين عدم العودة مطلقاً إلى سوريا". وأشار التقرير إلى اختفاء ما لا يقل عن 638 لاجئاً عائداً قسرياً، ومقتل 15 بسبب التعذيب.
أما المناطق الأخرى التي تقع تحت سيطرة الفصائل المعارضة، فهي تشهد معارك وقصفا مستمرا بين بعضها البعض، أو من خلال قصف قوات النظام السوري لها. هذا عدا عن الاعتقالات، التي رصدت في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وكذلك في مناطق سيطرة فصائل "الجيش الوطني" المتحالفة مع تركيا، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
العائدون في مرمي الخطر
في أحدث تصريح لمنظمة العفو الدولية بشأن نوايا لبنان إعادة اللاجئين السوريين، وتعقيبا على الأنباء التي تفيد أنَّ مديرية الأمن العام اللبناني ستبدأ في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في إطار "عملية طوعية"، قالت المنظمة إنَّ السلطات اللبنانية بتسهيلها المتحمس لعمليات العودة هذه تُعرّض اللاجئين السوريين عن علم لخطر التعرض لأشكال بشعة من الانتهاكات والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا.
وتابعت المنظمة: "على لبنان احترام التزاماته بموجب القانون الدولي، ووقف خططه لإعادة اللاجئين السوريين بشكل جماعي في خضم الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في البلاد. يجب على المجتمع الدولي مواصلة دعم أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان لمنع أي تصاعد إضافي في عمليات العودة غير الآمنة".
لكن وبعد أن نشرت منظمة العفو تحذيراتها، خرج وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، ليشدد أن حكومة بلاده لن ترضخ للحملات الرامية لإيقاف خطط لبنان لإعادة اللاجئين السوريين بشكل جماعي إلى بلادهم. وقال إن "80% من أراضي سوريا باتت آمنة وجاهزة تماما لاستقبال المواطنين العائدين، ولا يوجد أي عائق على الإطلاق يحول دون العودة".
ترحيل قانوني؟
يقول أستاذ القانون الدولي سلامي كوران لموقع ارفع صوتك: "لا يوجد تعريف دولي أو عالمي للعودة الطوعية. لكن كل دولة تحتضن لاجئين تعرض عليهم العودة إلى بلادهم، فتعلن عن العودة الطوعية مقابل تقديم مغريات معينة. وهنا يقوم اللاجئ بالموافقة وتسجيل رغبته بالعودة، وأنه غير مرغم على ذلك. ولكن الأهم يجب أن تكون العودة إلى مكان إقامته ولبلده التي جاء منها، كما يجب أن تكون العودة إلى مكان إقامة يتوفر فيه الأمان ولا يشكل خطرا على حياته".
ويتابع الحقوقي التركي: "تريد الحكومة التركية إعادة اللاجئين السوريين لمناطق آمنة وبمقابل مساكن تقوم بتشييدها، والمشكلة تكمن هنا بتصنيف تركيا لمناطق الشمال السوري بأنها مناطق آمنة، كما أن العودة لن تكون إلى مسكن اللاجئ الأصلي، إذا اعتبرنا أن العائد طوعيا من خارج مناطق الشمال، كأن يكون منزله في مدينة حلب، وحماة، وحمص، ودمشق وغيرها".
ويعتبر كوران أن "الإجراءات التي تقوم بها تركيا ولبنان تعتبر مخالفة للقانون الدولي، وهو ما يدفع كثيرا من السوريين لموجات هجرة جديدة".
ويشدد سلامي كوران: "أنا لا أحث الناس على الذهاب للموت. ولكن أنصحهم باتخاذ خطوات قانونية كالتسجيل عن طريق مكاتب الأمم المتحدة على إعادة التوطين في بلدان أخرى ككندا وأوروبا وأستراليا وما إلى ذلك".
حسابات سياسية
يقول المحلل السياسي المختص بالشؤون التركية سعيد الحاج لموقع "ارفع صوتك": "لبنان وتركيا من بين الدول التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، ومشروع العودة الطوعية الذي يعملان عليه يهدف بالدرجة الأولى إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لقضية اللجوء عليهما. مشروع العودة الطوعية ليس جديداً، بل يعمل عليه البلدان منذ سنوات، لكنّه اكتسب زخماً أكبر في الآونة الأخيرة".
ويضيف الحاج: "قضية اللجوء السوري في سوريا تحوّلت إلى نقاش سياسي داخلي بين الحكومة والمعارضة مع اقتراب الانتخابات، وهذه القضية تضغط على أردوغان لتطوير مشروع العودة الطوعية والتسريع به. أما في لبنان، فيبدو الوضع أكثر تعقيداً بسبب الأزمة الاقتصادية التي تُعانيها البلاد والقلق من أن يؤدي استقرار طويل الأمد للاجئين السوريين إلى تغييرات ديموغرافية في بلد متنوع طائفياً ويتعامل بحساسية كبيرة مع مسألة اللجوء".
وبين الحاج بأن الأمم المتحدة "سبق وانتقدت مشروع العودة الطوعية في لبنان بسبب القلق على مستقبل اللاجئين وتعرّضهم للاضطهاد في حال العودة إلى سوريا. لكنّ الأبعاد السياسية والاقتصادية في هذه القضية تطغى على تعاطي الدولة اللبنانية في مقاربتها. فهنالك التزامات إنسانية تفرضها الأمم المتحدة على الدول المستضيفة للاجئين لضمان تأمين سبل عيش مناسبة لهم وحمايتهم من العودة القسرية، لكنّ الدعم المالي الذي تُقدّمه الأمم المتحدة لتركيا ولبنان ضعيف مقارنة بالحاجة والأعباء الاقتصادية".
ويقول الحاج إنه، وبالنّظر إلى المشروع الذي يعمل عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة مليون لاجئ في الفترة المقبلة، "فإن هذا العدد الكبير يستلزم توسيع المناطق الآمنة وإزالة التهديدات التي تتعرض لها، كما يُمكن النظر إلى الانفتاح التركي على الحوار مع النظام السوري على أنّه إحدى الأدوات التي تعمل عليها أنقرة لتأمين عودة طوعية لمليون سوري كما أعلنت عنه الحكومة".
ويوضح المحلل التركي: "النظام السوري يستفيد من عودة اللاجئين في إعادة انفتاح الدول المحيطة عليه. لكنّ في الواقع، فإن هذه العودة تزيد من الأعباء الاقتصادية التي يواجهها لا سيما أنها لا تٌصاحب بعملية إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد السوري مُجدداً. وبفعل ارتباط عملية إعادة الإعمار بالظروف السياسية المحيطة بالموقف الدولي من النّظام، فإنه في المنظور لا تلوح في الأفق أية بوادر على إمكانية تحقيق خرق على هذا الصعيد".
ويختم الحاج: "تتعامل تركيا ولبنان مع قضية اللاجئين على أنّها مُشكلة يتوجب معالجتها وأعتقد أن كلا من أنقرة وبيروت ماضيتان في هذه العملية في الفترة المقبلة".
وبحسب إحصائيات المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية، فقد بلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا بموجب بطاقة الحماية الموقتة نحو 3 ملايين و600 ألف لاجئ. أما عن أعداد اللاجئين السوريين المتواجدين في لبنان، فتقدرهم السلطات اللبنانية بمليون ونصف لاجئ.