إحدى الحافلات التي تنقل سوريين عائدين "طوعاً" إلى سوريا من تركيا- تعبيرية
إحدى الحافلات التي تنقل سوريين عائدين "طوعاً" إلى سوريا من تركيا- تعبيرية

"منذ سنتين، وأنا أحاول تفادي حواجز التفتيش التي تقيمها الشرطة التركية، في الأحياء والشوارع المؤدية إلى مكان عملي في مدينة إسطنبول، وألجأ بشكل دائم لسلك طرق فرعية للوصول إلى المنطقة الصناعية في أسنيورت حيث أعمل"، يقول اللاجئ السوري ربيع (26 عاما)، الذي طلب الاكتفاء بذكر اسمه الأول.

ويؤكد لـ"ارفع صوتك"، أنه "حريص على ألا يسلك الأماكن التي تتواجد فيها الشرطة التركية بكثرة، خاصة ميداني أسنيورت الواقع غرب مدينة إسطنبول، وميدان أكسراي وسط المدينة"، مبيناً أن في هذين الميدانيين "تتوقف حافلات الترحيل، وهي حافلات تابعة للشرطة التركية، جهزت لحمل كل مخالف لقوانين وشروط الإقامة، بحسب ما تراه عناصر الشرطة التي تعمد إلى التدقيق بوثائق اللاجئين، وتوقف من لا يحمل وثيقة الحماية المؤقتة (الكيمليك)، أو يعمل خارج مكان إقامته".

وكان ربيع لجأ إلى تركيا قادماً من إدلب شمال سوريا، عام 2016، وحصل على بطاقة الإقامة المؤقتة الصادرة عن ولاية غازي عنتاب، ولكن نظراً لتواجد أقاربه في إسطنبول، الذين أمنّوا له فرصة عمل جيدة، قرر عام 2021 الانتقال والعيش في المدينة، ومع اشتداد حملات التدقيق فضّل عدم التجول، إلا عند الضرورة، وسلك طرقاً فرعية، تجنباً لإيقافه من قبل دوريات الشرطة.

يشرح: "بسبب انتقالي من مكان إقامتي في ولاية عنتاب، أخشى أن أتعرض للتوقيف والترحيل وهذا ما حصل مع العديد من معارفي وأصدقائي الذين تم توقيفهم، ورُحّل بعضهم لعدم حملهم إذن سفر، أو لفقدانهم الكيمليك أو أوراقهم الثبوتية".

ويعتبر ربيع نفسه "محظوظاً" لأنه لم يتم توقيفه حتى الآن، قائلاً "الذين لم يتم ترحيلهم، في أحسن الأحوال أعيدوا إلى الولاية المذكورة في الكيمليك". 

منيرة دياب (55 عاما) المقيمة في إسطنبول أيضاً، تخشى كثيرا على أبنائها الثلاثة (أعمارهم بين 16 و19 عاما)، من عمليات الترحيل، إذ يعملون في مصانع ومعامل بمدينة إسطنبول.

تقول لـ"ارفع صوتك": "أوصيهم بشكل دائم عند الخروج للعمل أو للتنزه، بتجنب ميداني أكسراي وأسنيورت وميدان تقسيم، كي لا يتم القبض عليهم وترحيلهم، لأن بطاقة الحماية المؤقتة مصدرها ولاية أورفة، لكننّا مضطرون للبقاء هنا، فالأعمال أكثر والفرص أعلى وكذلك الدخل أفضل".

الخوف والقلق عنوان حياتها اليومية، وحين تخرج منيرة من بيتها، تسلك مثل ربيع، طرقاً فرعية، تضيف "أتجنب السوق الرئيسي الذي تجري فيه عمليات التدقيق عادة، وهو أحد أبرز التجمعات التجارية الرئيسية في مدينة إسطنبول، ويمر منه أعداد كبيرة من السوريين وصولاً لأعمالهم وأماكن سكنهم".

وتشير منيرة إلى أن هناك "تشديدا كبيرا في الإجراءات من قبل السلطات التركية حدث مؤخرا، كما زادت عمليات إلقاء القبض والترحيل هذه الفترة".

 

"ترحيل حاملي كيمليك"

"الحرص واجب" يقول يمان محمد (20 عاما)، وهو طالب جامعي ويحمل بطاقة حماية مؤقتة مركزها إسطنبول، ومع ذلك هو حريص دائما على حمل أوراقه وإثباتاته في جيبه، وألا ينساها خشية التعرض للتوقيف أو الاحتجاز.

يضيف يمان لـ"ارفع صوتك": "عندما أرى حاجزا أو شرطيا فورا أقوم بالتأكد من أوراقي وتفقد وثيقة الحماية"، مبيناً أن "عمليات ترحيل السوريين من تركيا عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عادت إلى سابق عهدها، وبدأت السلطات تتشدد بشأن شروط الإقامة والمخالفات التي يرتكبها بعض السوريين، وتقوم بترحيل المخالفين منهم على الفور".

يتابع: "هناك البعض ممن تم ترحيلهم قسرا من الطلاب حاملي بطاقة الحماية المؤقتة، الذين تم إجبارهم على التوقيع أو التبصيم بالموافقة على الترحيل وأن عودتهم طوعية".

 

بالأرقام

أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان صدر بداية الشهر الحالي، أن السلطات التركية قامت بترحيل 90 لاجئاً سورياً بشكل قسري، ممن يحملون "الكيمليك"، من داخل أراضيها إلى مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، عن طريق معبر باب السلامة الحدودي بين سوريا وتركيا، بحجة عدم استكمال بيانات إقامتهم، وعدم امتلاكهم أوراق رسمية وثبوتية خاصة بهم.

وقال إن عدد السوريين الذين جرى ترحيلهم من الداخل التركي عبر "باب السلامة" في أقل من أسبوع، ارتفع إلى 390 لاجئاً.

وأضاف المرصد، أن السلطات التركية "تقوم بعمليات الترحيل القسري بحق اللاجئين السوريين والباحثين عن ملاذ آمن، باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرتها في نبع السلام، ودرع الفرات، وغصن الزيتون".

وأكد أيضاً، أنه "بتاريخ 26 حزيران (يونيو) الفائت، رحلت السلطات التركية أكثر من 300 سوري، بعد أن أجبرتهم على الموافقة على العودة الطوعية وتوقيع أوراق رسمية".

في السياق ذاته، تقول الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة، لـ"ارفع صوتك"، إن هناك "خوفاً دائماً بسبب الحملات المناهضة للسوريين في تركيا وضرورة عودتهم إلى بلادهم".

توضح: "تؤثر هذه المخاوف على جميع السوريين، خاصة النساء، فهناك خوف من التنقل داخل تركيا، أو الانتقال لزيارات عائلية في المحافظات الأخرى، ومن التعرض للاعتقال والترحيل في حال مواجهة أي مشكلة".

"بالتالي، يعيش البعض في حالة خوف دائم داخل تركيا، وليس لديه القدرة على المطالبة بحقوقه في حال التعرض لأي مشكلة، ولا يستطيع اللجوء إلى الشرطة بسبب الخوف من الترحيل القسري"، تضيف عطفة.

وتلفت إلى أن هذه المخاوف "تؤثر على الحياة الأسرية والتعامل مع الأطفال والعلاقات العائلية"، فأغلب اللاجئين "استقروا وافتتحوا أعمالًا، وأصبحت لديهم عائلات وأبناء، ولدوا وتربوا على ثقافة هذه البلاد (تركيا)، باستثناء بعض الحالات النادرة التي قد تكون العودة فيها رغبة ذاتية".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".