"منذ أن كنتُ طفلاً، كانت تراودني فكرة خلق عالم جديد كامل من العدم، من خلال الكتابة، وتحديد نقطة البداية لشخصيات ذلك العالم، ومرافقتهم في مغامراتهم واكتشاف مستقبلهم". يبدو أن حلم الطفولة الذي رافق الشاب السوري أحمد عموري، قد تحقق أخيراً.
تغيّر كل شيء في حياة أحمد (34 عاماً)، مثله مثل جميع السوريين، بعد نشوب الحرب في بلده، ومع هوايته في كتابة القصص، تركت الحرب أثراً كبيراً في مخيلته ونظرته للحياة، وبدأت قصصه تسرد حكايات أشخاص تغيرت حياتهم بفعل الحرب، وكيف تأثّروا بها وتعاملوا معها.
يقول لـ"ارفع صوتك": "كان قرار الرحيل إلى السويد من أصعب القرارات التي اتخذتها في حياتي. لم أكن أتخيل يوماً أن أترك بلدي وأصدقائي، لكنني أدركت أن الوضع في سوريا يتّجه نحو مستقبل مجهول ومظلم، ويجب أن أتخذ خطوة شجاعة نحو مستقبل أفضل".
أحمد المنحدر من محافظة حماة في وسط سوريا، يروي كيف أثّرت رحلة اللجوء القاسية في وجدانه، لدرجة أنه قرر توثيق تلك المشاعر والأفكار في قصص قصيرة. يضيف: "أطلقت العنان لمشاعري لتتخذ صور شخصيات تصارع الأحاسيس التي لم يسبق لي أن شعرت بها مسبقاً، ما أتاح لي فرصة للتعبير عن نفسي بطريقة جديدة ومعمّقة".
منحته السويد فرصة ثانية في الحياة، وبفضل إجادته التامة للغة الإنجليزية، تمكّن من تكوين صداقات قوية مع السويديين، الذين وجد بينهم مكاناً يتيح له الهدوء والتأمل، ما سمح له بتكوين مزيج فريد من الخبرات الصعبة التي مرّ بها في سوريا، والحياة في البلد الجديد.
يتابع أحمد: "هذا المزيج الثري أتاح لي فرصة خلق لون أدبي خاص بي، يتميز بالعمق والصدق. أصبحت قصصي مرآة لثيمات عالمية، تتجاوز حدود قضية شعب واحد، ما يتيح للقارئ مهما كان عرقه أو خلفيته، أن يجد نفسه في صفحاتها".
وإضافة إلى كتابته قصصاً عن اللاجئين ومعاناتهم، امتدّ أفقه الفكري ليشمل مجموعة متنوعة من الثيمات والألوان الأدبية. "فمن خلال رحلتي في عالم الأدب، استطعت أن أغمر نفسي في خلق قصص تنقل القارئ إلى عوالم مختلفة، مليئة بالغموض والإثارة النفسية"، على حد تعبيره.
يوضح أحمد: "تتيح لي هذه القصص فرصة استكشاف جوانب مختلفة من النفس البشرية، وتقديم تجارب متعددة الأوجه تتناول موضوعات عالمية تتجاوز الزمان والمكان. ومن خلال هذا التنوع في كتاباتي، أسعى لإقامة جسر يربط بين مختلف الثقافات والتجارب، الأمر الذي يُتيح للقارئ فرصة للتعاطف والتفكير العميق، والاستمتاع برحلة أدبية غنية ومتعددة الأبعاد".
مع مرور الوقت وصقل موهبته الكتابية، بدأت جهود أحمد تؤتي أُكُلها، حيث فاز بجائزة "أفرابيا" في عامي 2017 و2018 عن قصتي "سوزي الصغيرة" و"سيزيف"، ولكن النجاح لم يتوقف هناك، ففي عام 2022، تقدّم لمسابقة كتابة سيناريو الأفلام في السويد، وتمكن من الفوز بالمركز الأول. "كانت هذه الجائزة بمثابة تتويج لرحلتي الأدبية، خاصة أنها كانت أول جائزة أحرزها عن نص كتبته بلغة غير لغتي الأم، ما أثبت أن الأدب لا يعرف حدوداً للغة أو الثقافة"، يؤكد أحمد.
وفي خضم هذه الرحلة، لم يكتف أحمد بنقل تجربته الشخصية عبر الكلمات. يبيّن: "خلال فترة اندماجي في المجتمع السويدي، عملت بجهد وإصرار لأكون عضوًا فعالًا فيه، معربا عن رغبتي في تقديم صورة إيجابية عني كفرد سوري ملتزم بإثراء مجتمعي الجديد، فأكملت دراستي الجامعية وعملت على تعديل شهاداتي السورية، وحصلت على ترخيص لتدريس اللغة الإنجليزية والعربية".
أصبحت قصصه جزءا من المنهاج التعليمي في السويد. يقول أحمد: "من بين اللحظات التي تميزت بالجمال والفخر في حياتي، حين بدأت الآنسة (معلمة) إيلاف دعدوش، بتدريس قصصي في المراحل الثانوية الثلاثة ضمن مادة اللغة الأم. كانت هذه بداية مشرقة، حيث تبعها العديد من المعلمين في مدن أخرى، ما أتاح لقصصي أن تصل إلى جمهور أوسع وتلقى تقديرا واحتراما".
وفي هذه الأثناء، يجري العمل بكثافة على مشروع الفيلم الذي فاز بالمسابقة، بعنوان "بطانية حمراء- A Red Blanket". يتولى إخراج الفيلم جيمي فال بيتسرون Jimi Vall Peterson، الذي يُعد واحداً من أبرز المخرجين في السويد.
يتناول الفيلم قصة طفلة صغيرة اضطرت لمغادرة وطنها بسبب الحروب الدموية، ورحلتها المؤلمة المليئة بالتحدّيات في البحث عن ذاتها داخل أرض غريبة.
ويركز على آثار الحرب النفسية على الأطفال، وتحديات فقدان الهوية التي يمكن أن تواجهها الأجيال الصاعدة بسبب النزاعات المستمرة.