شكّل تشدّد السلطات التركية مع مخالفي الإقامة من اللاجئين السوريين في تركيا، حالة ذعر بين فئة العمال، الذين باتوا يتجنبون الذهاب إلى أعمالهم، كي لا يتم توقيفهم من قبل دوريات الشرطة. بعضهم بات يعمد إلى تقديم استقالته، تمهيدا للعودة إلى الولاية المذكورة على بطاقة الـ"كيمليك"( بطاقة حماية مؤقتة تصدرها دائرة الهجرة التركية للأجانب القادمين بشكل غير قانوني إلى تركيا ولطالبي اللجوء)، أو البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها للعمل.
تأثرت أعمال أصحاب المهن والتجار الأتراك الذين يعتمدون على اليد العاملة السورية بشكل كبير بالحملات التي تقوم بها الشرطة التركية لأسباب متعددة، بينها رخص العمالة السورية وعدم التزام رب العمل بدفع الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة التركية.
يقول العامل السوري بشار الخيمي (25 عاماً) الذي قدم استقالته مؤخراً من عمله في إسطنبول عائدا إلى ولاية بورصة حيث قيوده، إن العمال السوريين يعملون براتب أقل وساعات عمل أطول من أقرانهم الأتراك ومن دون تأمين، لذا يفضلهم أصحاب الأعمال، ولكن الخوف من الترحيل دفعه للمغادرة، كما دفع ببعض زملائه إلى البقاء حبيسي المنزل.

تأثر الأعمال
أحمد قبوات مسؤول المبيعات في شركة تركية مقرها إسطنبول يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "عدداً لا بأس به من العمال السوريين تركوا عملهم في الشركة حيث يعمل خوفا من القبض عليهم"، وهم بمعظمهم، كما يؤكد قبوات، "من الحمالين وعمال التوصيل وعمال المخازن، وجميعهم لا يحملون بطاقة حماية مؤقتة تابعة لمدينة اسطنبول أو إذن عمل".
كان تأثير ذلك ملحوظاً على الشركة بحسب قبوات "إذ مرت الشركة بفترة من الإرباك، وانخفضت المبيعات، بعدها تم الاستعاضة عن قسم منهم بعمال أتراك يأخذون أضعاف راتب العامل السوري".
من جهته يقول يوسف.د، صاحب مشغل خياطة في إسطنبول، طلب عدم ذكر اسمه الكامل، إنه اضطر لتأمين منامة للعمال داخل المشغل الخاص به، كي لا يتعرضوا للتوقيف أو يقوموا بتقديم استقالتهم، وجميعهم من الشبان العازبين، أما المتزوج منهم فكان له حرية القرار، إما المغامرة بالمجيء إلى العمل والتخفي طوال الطريق، أو الرحيل إلى الولاية التي جاء منها.
ويبين يوسف أن الأعمال تأثرت بشكل واضح بالحملة الأمنية الأخيرة، وقلّ الإنتاج والمدخول لديه في المشغل: " كان لدي 14 عاملاً أصبحوا الآن ستة فقط".
يقطن ستة عمال في مشغل يوسف، وهو يتكفّل بإحضار حاجياتهم من الخارج، ويتم خصمها من رواتبهم، ورغم الضغط النفسي الذي يعانونه، إلا أنه يبقى أفضل من إلقاء القبض عليهم وترحيلهم إلى شمال سوريا، بحسب يوسف.
ويعتبر يوسف أن هذا الإجراء مؤقت ريثما يتم إصدار أذونات عمل لبعضهم، أو يحسم العمال قرارهم بالبقاء أو الرحيل، وعندها سيضطر لاستبدالهم بعمال آخرين.
تأثير غير كبير
يعتبر محمد العبد الله الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أن حملة الترحيل الأخيرة ليست الأولى، إذ جرت حملات أخرى، ولكنها لم تكن بالحدّة نفسها. ويضيف الباحث: "تأثير غياب العمالة السورية على القطاعات الاقتصادية موجود، ولكنه ليس كبير جداً، فلو نظرنا إلى معدل البطالة في تركيا لرأينا أنه يقترب من 25% بحسب الأرقام غير الرسمية، و دون 10 % بحسب الأرقام الرسمية، وهناك كثير من العمال الأتراك الذين تركوا وظائفهم في ظل الفوضى وعدم تنظيم العمالة، وفي حال ترحيل اليد العاملة السورية، هناك عمالة تركية كبيرة جداً ستحل مكانها، وهذا سيجبر أصحاب المعامل على تقديم أجور تتناسب مع الحد الأدنى للأجور".
ويشدد العبد الله على أنه "لا يجب أن نعطي الموضوع أكثر من حقه بالنسبة لتأثيره، هناك مبالغة كبيرة في الحديث عن تأثير العمالة السورية وتداعياتها على الاقتصاد التركي، صحيح أن هناك تأثير سلبي، ولكن ليس بذلك الحجم الكبير".
ويبيّن الباحث أن الواقع الاقتصادي في تركيا حالياً صعب جداً من حيث ارتفاع معدلات التضخم وهو ما انعكس على العديد من القطاعات، ووفقا لبعض الإحصائيات هناك أكثر من 120 ألف عامل في قطاع النسيج فقدوا أعمالهم خلال الفترة الأخيرة، "وسيكون هناك تأثير كبير على سوق العمل التركي في الفترة القادمة، وغياب العمالة السورية في هذه الفترة لن يكون له الأثر الكبير لأن الاقتصاد بشكل عام متأثّر والأحوال الاقتصادية صعبة".
أكثر القطاعات تأثراً
يرى العبدالله أن أكثر المصالح التي تضررت من عملية ترحيل السوريين وغياب اليد العاملة السورية هي قطاع النسيج والملبوسات الجلدية والملبوسات الجاهزة، كون العمالة السورية تتركز في معظمها في هذه القطاعات، بحسب تقديرات منظمات دولية، إذ أن الجهات الرسمية التركية لم تقدم أرقاماً ونسباً صحيحة لهذه الإحصائيات، بحسب قوله.
كما يؤكد الباحث أن غياب العمالة السورية سيكون ملموساً في قطاعات الإنشاءات وقطاع الزراعة، فهذه القطاعات التي تحتاج إلى مشقّة كبيرة، يعمل بها السوريون بشكل كبير، مضيفاً: "هناك حاجة لهذه العمالة في هذه القطاعات، ولذلك ربما ستضطر الحكومة لإعادة توطين هؤلاء الأشخاص ليبقوا عاملين فيها".
هرب الاستثمارات
هناك، بحسب عبدالله، أثر إيجابي للسوريين على الاقتصاد التركي وليس سلبياً كما يشاع من قبل بعض مناصري الأحزاب التركية بهدف تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، "فالاستثمارات السورية في تركيا تتجاوز حاجز العشر مليارات دولار، إذ استثمر رجال الأعمال السوريين بشكل كبير سواء بمفردهم أو بالشراكة مع رجال أعمال أتراك، وهذا بشهادة غرف التجارة التركية التي نوهت بدور رجال الأعمال السوريين والشركات السورية التي رفعت مستوى الصادرات وتمكنت من كسب حصة سوقية أكبر في البلاد العربية، ونقلت علاقاتها من تركيا إلى خارجها والعكس".
كذلك أشار البنك المركزي التركي في دراسة سابقة له، يشير إليها عبدالله، أن "السوريين لم يؤثروا على ارتفاع معدل البطالة في تركيا، كون العمالة السورية بغالبيتها غير رسمية، كما أن السوريين مستهلكين بشكل كبير، ولديهم حركة واضحة في عدد كبير من المدن التركية، وغيابهم سيترك أثراً واضحا على قطاع الإسكان والقطاع الاستهلاكي بشكل عام، ولكن الحملات العنصرية ضدهم ستؤثر على قدرتهم على الصمود في تركيا".
ويؤكد الباحث أن الفترة الماضية "شهدت نزوح نسبة جيدة من المستثمرين إلى مصر ودول الخليج العربي، في ظل المزاج الشعبي المعادي للأجانب والسوريين بشكل خاص، ما أثر بشكل كبير على العديد من المصانع"، ويرى عبدالله أن "المستثمر السوري وصاحب المنشأة الاقتصادية أصبحا يشعران بعدم الراحة وعدم الاستقرار نتيجة لذلك، ويبحثان عن وجهة جديدة".