Two men pull a trolley with goods in a street market in Eminonu commercial district in Istanbul, Turkey, Wednesday, Sept. 6,…
عاملان ينقلان البضائع على عربة في مدينة اسطنبول التركية- أرشيفية

شكّل تشدّد السلطات التركية مع مخالفي الإقامة من اللاجئين السوريين في تركيا، حالة ذعر بين فئة العمال، الذين باتوا يتجنبون الذهاب إلى أعمالهم، كي لا يتم توقيفهم من قبل دوريات الشرطة. بعضهم بات يعمد إلى تقديم استقالته، تمهيدا للعودة إلى الولاية المذكورة على بطاقة الـ"كيمليك"( بطاقة حماية مؤقتة تصدرها دائرة الهجرة التركية للأجانب القادمين بشكل غير قانوني إلى تركيا ولطالبي اللجوء)، أو البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها للعمل.

تأثرت أعمال أصحاب المهن والتجار الأتراك الذين يعتمدون على اليد العاملة السورية بشكل كبير بالحملات التي تقوم بها الشرطة التركية لأسباب متعددة، بينها رخص العمالة السورية وعدم التزام رب العمل بدفع الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة التركية.

يقول العامل السوري بشار الخيمي (25 عاماً) الذي قدم استقالته مؤخراً من عمله في إسطنبول عائدا إلى ولاية بورصة حيث قيوده، إن العمال السوريين يعملون براتب أقل وساعات عمل أطول من أقرانهم الأتراك ومن دون تأمين، لذا يفضلهم أصحاب الأعمال، ولكن الخوف من الترحيل دفعه للمغادرة، كما دفع ببعض زملائه إلى البقاء حبيسي المنزل.

تأثر الأعمال

أحمد قبوات مسؤول المبيعات في شركة تركية مقرها إسطنبول يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "عدداً لا بأس به من العمال السوريين تركوا عملهم في الشركة حيث يعمل خوفا من القبض عليهم"، وهم بمعظمهم، كما يؤكد قبوات، "من الحمالين وعمال التوصيل وعمال المخازن، وجميعهم لا يحملون بطاقة حماية مؤقتة تابعة لمدينة اسطنبول أو إذن عمل".

كان تأثير ذلك ملحوظاً على الشركة بحسب قبوات "إذ مرت الشركة بفترة من الإرباك، وانخفضت المبيعات، بعدها تم الاستعاضة عن قسم منهم بعمال أتراك يأخذون أضعاف راتب العامل السوري".

من جهته يقول يوسف.د، صاحب مشغل خياطة في إسطنبول، طلب عدم ذكر اسمه الكامل، إنه اضطر لتأمين منامة للعمال داخل المشغل الخاص به، كي لا يتعرضوا للتوقيف أو يقوموا بتقديم استقالتهم، وجميعهم من الشبان العازبين، أما المتزوج منهم فكان له حرية القرار، إما المغامرة بالمجيء إلى العمل والتخفي طوال الطريق، أو الرحيل إلى الولاية التي جاء منها.

ويبين يوسف أن الأعمال تأثرت بشكل واضح بالحملة الأمنية الأخيرة، وقلّ الإنتاج والمدخول لديه في المشغل: " كان لدي 14 عاملاً أصبحوا الآن ستة فقط".

يقطن ستة عمال في مشغل يوسف، وهو يتكفّل بإحضار حاجياتهم من الخارج، ويتم خصمها من رواتبهم، ورغم الضغط النفسي الذي يعانونه، إلا أنه يبقى أفضل من إلقاء القبض عليهم وترحيلهم إلى شمال سوريا، بحسب يوسف.

ويعتبر يوسف أن هذا الإجراء مؤقت ريثما يتم إصدار أذونات عمل لبعضهم، أو يحسم العمال قرارهم بالبقاء أو الرحيل، وعندها سيضطر لاستبدالهم بعمال آخرين.

تأثير غير كبير

يعتبر محمد العبد الله الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أن حملة الترحيل الأخيرة ليست الأولى، إذ جرت حملات أخرى، ولكنها لم تكن بالحدّة نفسها. ويضيف الباحث: "تأثير غياب العمالة السورية على القطاعات الاقتصادية موجود، ولكنه ليس كبير جداً، فلو نظرنا إلى معدل البطالة في تركيا لرأينا أنه يقترب من 25% بحسب الأرقام غير الرسمية، و دون 10 % بحسب الأرقام الرسمية، وهناك كثير من العمال الأتراك الذين تركوا وظائفهم في ظل الفوضى وعدم تنظيم العمالة، وفي حال ترحيل اليد العاملة السورية، هناك عمالة تركية كبيرة جداً ستحل مكانها، وهذا سيجبر أصحاب المعامل على تقديم أجور تتناسب مع الحد الأدنى للأجور".

ويشدد العبد الله على أنه "لا يجب أن نعطي الموضوع أكثر من حقه بالنسبة لتأثيره، هناك مبالغة كبيرة في الحديث عن تأثير العمالة  السورية وتداعياتها على الاقتصاد التركي، صحيح أن هناك تأثير سلبي، ولكن ليس بذلك الحجم الكبير".

ويبيّن الباحث أن الواقع الاقتصادي في تركيا حالياً صعب جداً من حيث ارتفاع معدلات التضخم وهو ما انعكس على العديد من القطاعات، ووفقا لبعض الإحصائيات هناك أكثر من 120 ألف عامل في قطاع النسيج فقدوا أعمالهم خلال الفترة الأخيرة، "وسيكون هناك تأثير كبير على سوق العمل التركي في الفترة القادمة، وغياب العمالة السورية في هذه الفترة لن يكون له الأثر الكبير لأن الاقتصاد بشكل عام متأثّر والأحوال الاقتصادية صعبة".

أكثر القطاعات تأثراً

يرى العبدالله أن أكثر المصالح التي تضررت من عملية ترحيل السوريين وغياب اليد العاملة السورية هي قطاع النسيج والملبوسات الجلدية والملبوسات الجاهزة، كون العمالة السورية تتركز في معظمها في هذه القطاعات، بحسب تقديرات منظمات دولية، إذ أن الجهات الرسمية التركية لم تقدم أرقاماً ونسباً صحيحة لهذه الإحصائيات، بحسب قوله.

كما يؤكد الباحث أن غياب العمالة السورية سيكون ملموساً في قطاعات الإنشاءات وقطاع الزراعة، فهذه  القطاعات التي تحتاج إلى مشقّة كبيرة، يعمل بها السوريون بشكل كبير، مضيفاً: "هناك حاجة لهذه العمالة في هذه القطاعات، ولذلك ربما ستضطر الحكومة لإعادة توطين هؤلاء الأشخاص ليبقوا عاملين فيها".

هرب الاستثمارات

هناك، بحسب عبدالله، أثر إيجابي للسوريين على الاقتصاد التركي وليس سلبياً كما يشاع من قبل بعض مناصري الأحزاب التركية بهدف تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، "فالاستثمارات السورية في تركيا تتجاوز حاجز العشر مليارات دولار، إذ استثمر رجال الأعمال السوريين بشكل كبير سواء بمفردهم أو بالشراكة مع رجال أعمال أتراك، وهذا بشهادة غرف التجارة التركية التي نوهت بدور رجال الأعمال السوريين والشركات السورية التي رفعت مستوى الصادرات وتمكنت من كسب حصة سوقية أكبر في البلاد العربية، ونقلت علاقاتها من تركيا إلى خارجها والعكس".

 كذلك أشار البنك المركزي التركي في دراسة سابقة له، يشير إليها عبدالله، أن "السوريين لم يؤثروا على ارتفاع معدل البطالة في تركيا، كون العمالة السورية بغالبيتها غير رسمية، كما أن السوريين مستهلكين بشكل كبير، ولديهم حركة واضحة في عدد كبير من المدن التركية، وغيابهم سيترك أثراً واضحا على قطاع الإسكان والقطاع الاستهلاكي بشكل عام، ولكن الحملات العنصرية ضدهم ستؤثر على قدرتهم على الصمود في تركيا".

ويؤكد الباحث أن الفترة الماضية "شهدت نزوح نسبة جيدة من المستثمرين إلى مصر ودول الخليج العربي، في ظل المزاج الشعبي المعادي للأجانب والسوريين بشكل خاص، ما أثر بشكل كبير على العديد من المصانع"، ويرى عبدالله أن "المستثمر السوري وصاحب المنشأة الاقتصادية أصبحا يشعران بعدم الراحة وعدم الاستقرار نتيجة لذلك، ويبحثان عن وجهة جديدة".

مواضيع ذات صلة:

أم وأطفالها بعد قصف جوي لقوات النظام السوري على حلب - أرشيفية
أم وأطفالها بعد قصف جوي لقوات النظام السوري على حلب - أرشيفية

لا تزال منى الحميدان تحتفظ بقميص صغير تعدّه "الذكرى الوحيدة" التي بقيت لها من أثر طفلها سعيد (7 سنوات)، الذي قضى في قصف للنظام السوري على غوطة دمشق الشرقية في مارس 2018. 

تقيم الحميدان (46 عاماً) في تركيا حالياً، حيث لجأت إليها عام 2019، أي بعد نحو عام من الخروج القسري لسكان غوطة دمشق الشرقية في مايو 2018، عندما سيطرت قوات النظام السوري عليها.

تطمح كغيرها من ذوي الضحايا السوريين، لا سيما ذوي الأطفال، أن يتحقق الإنصاف القانوني بمثول مجرمي الحرب في بلادها أمام المحاكم الدولية المختصة.

تقول الحميدان لـ"ارفع صوتك" بنبرة يأس: "يبدو أن دماء ابني ومئات آلاف الضحايا السوريين ستبقى دون إنصاف، في ظل غياب المحاسبة والإفلات من العقاب حتى الآن. لا نعلم، ربما في يوم ما يتغيّر هذا".

وتؤكد أن الكثير من معارفها قُتلوا خلال المعارك مع قوات النظام السوري في بلدة حمورية بالغوطة الشرقية، مستذكرة بفخر بعض أقاربها الذي قضوا وهم "يدافعون عن أهلهم أمام آلة البطش" حسب تعبيرها.

"لكن ابني سعيد ومثله آلاف الأطفال قُتلوا دون أي ذنب، وكان ذنبهم الوحيد أن أهالي منطقتهم خرجوا يطالبون بحقوقهم المشروعة التي قابلها النظام بالحديد والنار"، تتابع الحميدان.

يتفق معها أحمد موصلي (43 عاماً)، باعتقاده أن "دماء جميع ضحايا الحرب في سوريا ذهبت هدراً"، مستبعداً لـ"مجرمي الحرب في سوريا أن يُحاسبوا أو يمثلوا أمام المحاكم".

فقد موصلي طفليه الاثنين في غارات جوية للنظام على الأحياء الشرقية لمدينة حلب أواخر سنة 2016. 

يقول لـ"ارفع صوتك"، إنه "ينظر بسخرية لجميع الدعاوى القضائية المرفوعة ضد النظام، لأن المجتمع الدولي هو الذي شجع الأسد وحلفاءه وجميع مرتكبي الانتهاكات في سوريا على ارتكاب المزيد من الجرائم، منذ سقوط أول قتيل والاكتفاء بالتنديد دون اتخاذ أي خطوات رادعة".

سوريا
"دفن الأطفال بملابس العيد".. تقرير: جرائم النظام السوري "تزداد في المناسبات"
كان الطفل السوري، حسين صايغ (13 عاما)، من بين 27 طفلا قضوا في الهجمات التي شنتها القوات الحكومية السورية في شمال غرب البلاد خلال الشهرين الماضيين وحدهما.

ويحكي تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية قصة الفنان الصغير الذي هاجرت أسرته لشمال غرب

أكثر من 30 ألف طفل قتيل

بمناسبة "يوم الطفل العالمي" الذي وافق 20 نوفمبر ٢٠٢٣، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرها السنوي الثاني عشر، حول الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا.

وأكدت مقتل حوالي 30127 طفلاً في سوريا منذ مارس 2011، بينهم 198 بسبب التعذيب، إضافةً إلى 5229 طفلاً ما زالوا معتقلين أو مخفيين قسراً.

وأشار التقرير إلى أن "سوريا صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1993، كما صادقت على البروتوكولين الاختياريين الملحقين بها". أوضح التقرير أن "جميع أطراف النزاع انتهكت حقوق الطفل، إلا أن النظام السوري تفوّق على جميعها من حيث كمّ الجرائم التي مارسها على نحو نمطي ومنهجي".

وحمّل التقرير اللجنة المعنية بحقوق الطفل والمنبثقة عن اتفاقية حقوق الطفل، المسؤوليات القانونية والأخلاقية في متابعة أوضاع حقوق الطفل في سوريا، ووضع حدٍّ للانتهاكات التي يمارسها النظام السوري.

وفي تفصيل أرقام الأطفال، قتل 23022 طفلاً على يد قوات النظام السوري، و2049 على يد القوات الروسية، و958 على يد تنظيم داعش، و74 على يد هيئة تحرير الشام، فيما قتلت قوات سوريا الديمقراطية 260 طفلاً، وجميع فصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني)، قتلت 1009 طفلاً، وقتلت قوات التحالف الدولي 926 آخرين، بينما قُتل 1829 طفلاً على يد جهات أخرى. 

وعلى الرغم من أن التقرير شمل العديد من الانتهاكات التي ارتكبت ضد الأطفال في سوريا، إلا أن ثمة انتهاكات أخرى لم يشملها، وفقاً للمدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، لافتاً إلى أن "التقرير تناول الانتهاكات "الأكثر فظاعة".

ويبين لـ"ارفع صوتك"، أن "تقرير الشبكة حول الانتهاكات ضد الأطفال في سوريا، يغطّي ما نسبته 85% منها، فيما تبقى انتهاكات أخرى لم يصل إليها فريق الشبكة بسبب عدم التبليغ عنها أو عدم التحقق من دقّتها".

يضيف عبد الغني: "سنركز في التقارير المقبلة على عمالة الأطفال وتسرّبهم من المدارس، وتشريدهم القسري".

من جهتها، تقول ربا الأحمد، وهي عضو مجلس إدارة واستشارية قانونية في مجال توثيق الانتهاكات في "شبكة حراس الطفولة"، إن "الانتهاكات الي يتعرّض لها الأطفال في سوريا تشمل حرمانهم من الوصول إلى أساسيات الحياة الكريمة أو ابتعادهم عن مقاعد الدراسة، إضافة إلى الآثار النفسية على الأطفال جرّاء فقدان الوالدين أو أحدهما بسبب الحرب، بالإضافة إلى العنف الأسري أو المجتمعي". 

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "الأطفال هم الفئة الأكثر ضعفاً من بين الفئات التي تتعرض للانتهاكات بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص".

"لذا، بقي باب محاسبة المتسبّبين بهذه الانتهاكات مغلقاً حتى الآن، لعدم توفر الشرط اللازم لمحاكمة المتورطين بالانتهاكات في الدول الأوروبية مثلاً، التي تستلزم رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم بوجود أصحابها، وهو ما لم يتوفّر حتى الآن في ملفات الانتهاكات ضد الأطفال"، تتابع الأحمد.