انتهت في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي المهلة التي حددتها وزارة الداخلية التركية للسوريين المتواجدين في إسطنبول لتسوية أوضاعهم أو عودتهم إلى المدن التي يحملون بطاقات لجوء صادرة عنها(بطاقة الكيمليك).
ومع انتهاء المهلة، عاد عدد كبير من السوريين المقيمين في إسطنبول إلى مدنهم المسجلين فيها، في حين ذهب البعض الآخر عن طريق آخر وهو التهريب عبر الحدود إلى اليونان بحراً، أو إلى بلغاريا براً، وبقي عدد آخر في إسطنبول ليعيشوا مخاطرة البقاء في المدينة، رغم الظروف الأمنية التي تحيط بهم، واحتماليات تعرضهم للملاحقة والعقوبات من دائرة الهجرة التركية.
وكانت رئاسة الهجرة التركية قد حددت منذ شهرين مهلة حتى يوم 24 سبتمبر لمغادرة السوريين المخالفين ولاية إسطنبول، وشددت دائرة الهجرة على أن هذه المدة لن يتم تمديدها، وستبدأ عناصر الشرطة بعمليات التفتيش لأجل غير مسمّى.
وكانت الوزارة قد أشارت منذ أيام في بيان لها إلى اقتراب انتهاء المهلة المحددة، ونبهت إلى ضرورة عودة الأجانب المسجلين في ولايات أخرى، ولكنهم يقيمون في إسطنبول/ إلى عودتهم لولاياتهم بحلول 24 أيلول.
وأوضح البيان أن هؤلاء الأجانب ممن يحملون الجنسية السورية، إذا تقدموا بطلب قبل انتهاء المهلة المحددة لهم، فسيتم إصدار تصريح طريق لهم للعودة إلى المحافظات التي تم تسجيلهم فيها.
في حين أشار البيان إلى السماح للأجانب من الجنسية السورية ممن انتقلوا إلى إسطنبول نتيجة الزلزال الذي ضرب مدنهم، وحصلوا مسبقاً على تصريح البقاء، يٌسمح لهم بالبقاء في إسطنبول حتى إشعار آخر.
وأفاد البيان أنه سيتم نقل السوريين الذين لم يلتزموا بالعودة إلى مدنهم إلى مراكز الإيواء المؤقتة، وفرض العقوبات والالتزامات الإدارية بحقهم، بموجب قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458.
نحو اليونان
يقول عمار الحلواني، وهو لاجئ سوري من مدينة ريف دمشق ويقيم في إسطنبول منذ سبع سنوات، إنه خرج من ولاية إسطنبول منذ عدة أيام، واتجه إلى مدينة مرمريس، التي سيذهب منها وعن طريق التهريب إلى إحدى الجزر اليونانية، ومنها إلى العاصمة أثينا، ومن ثم إلى أوروبا.
ويضيف عمار: "بدأت الحملة الأمنية منذ ثلاثة شهور، ومنذ ذلك الوقت، لم أخرج من البيت إلا للضرورة القصوى، كنت أظن أن هذه الحملة كما غيرها من الحملات، إلا أن عمليات الترحيل إلى شمال سوريا وإلى محافظات تركية أخرى كانت كبيرة جدا، وأصبحتُ أعيش في خوف وقلق كبيرين، لذلك قدمت طلب عودة لمدينة كهرمان مرعش التي تعود بطاقة الكيمليك الخاصة بي لها، وعلى أساسها ذهبت إلى مدينة مرمريس، وأنوي الذهاب بطريقة غير شرعية خلال أيام عبر اليخت إلى اليونان، كما وعدني المهرب أنا ومجموعة من أصدقائي".
وترك عمار عمله الذي يعمل فيه منذ خمس سنوات، في أحد المصانع التابعة لرجل أعمال سوري في المنطقة الصناعية، وعلى الرغم من عرض التاجر السوري رفع رواتب السوريين الذين تركوا العمل في معمله، إلا أن عمار وزملاءه في العمل لم يجرؤوا أبدا على المخاطرة والذهاب للعمل بشكل يومي.
ويقول عمار، "إنها مخاطرة كبيرة أن أذهب بشكل يومي وأستخدم المواصلات التي تقودني إلى المصنع، فهناك حواجز تفتيش كثيرة في مدينة إسطنبول، وخاصة في الساحات الرئيسية، وإذا اخترت الذهاب من طرق أخرى، فإن ذلك سيكلفني وقتاً ومالاً، لذلك بقيت في المنزل مدة طويلة، واليوم أنوي الذهاب إلى حياة جديدة، وأبدأ من الصفر، مثل كثيرين غيري، التدقيق الأمني والتضخم الكبير الحاصل في تركيا سببان رئيسيان لمغادرة تركيا بالنسبة لي".
عودة "طوعية"
عاد مازن العلي المقيم في إسطنبول منذ عشرة أعوام إلى مدينة غازي عنتاب قبل انتهاء المهلة بأربعة أيام، ولكنه لم يجد منزلاً له ولعائلته لغاية كتابة هذا التقرير، بسبب الأسعار المرتفعة في إيجارات المنازل في المدينة، التي أصبحت ملجأ للسوريين والأتراك بعد حدوث زلزال كهرمان مرعش، ما رفع الطلب على إيجارات المنازل.
يقول مازن في حديثه مع "ارفع صوتك" إن "إسطنبول هي الشريان الرئيسي للحياة في تركيا، ولم أكن أتوقع يوماً أن أتركها. عدد كبير من أصدقائي بقوا فيها وسيغامرون في البقاء فيها كونهم عازبين، أما أنا فلدي أطفالي وعائلتي ولا أستطيع المخاطرة بمصيرهم، أقيم اليوم في منزل واحد من أصدقائي، وأبحث عن عمل ومنزل يناسبني، ولن أستطيع البحث عن مدارس مناسبة قبل ان أثبّت عنواني".
ويضيف "نُلام ونحوّل إلى كبش فداء للمسؤولين عن تدهور الاقتصاد. التمييز يتزايد. أصبح من المستحيل بالنسبة لنا أن نعيش هنا".
العنصرية والتضخم
بدوره يقول أحمد عباسي إنه عاد إلى مدينته جرابلس شمال سوريا منذ قرابة الشهر، وأنه عانى من العنصرية بشكل كبير في مدينة إسطنبول هو وعائلته، "عانى أطفالي كثيرا في المدرسة مع الطلاب اللذين كانوا يوجهون لهم كلاماً عنصرياً، متأثرين بأهلهم، كما عانيت من العنصرية في مكان عملي وفي المواصلات العامة، ولم أعد أطيق البقاء في هذا الجو العام المشحون بشكل دائم، كل يوم نقرأ في الأخبار ونشاهد فيديوهات عنصرية، وأعتقد أن هذا شيء ممنهج من المعارضة التركية، وأعتقد أنه سيزيد بشكل كبير قبيل انتخابات البلدية المقبلة".
وبحسب أحمد، الذي كان لديه مشروع إنتاج الشوكولا في المدينة الصناعية، أن "التضخم أثّر بشكل كبير على عمله، وأن معظم عماله تركوا عملهم، ولم يعد يستطيع التحكم بالأسعار نتيجة التقلب الكبير بسعر صرف الليرة التركية".
ويضيف أحمد، "الخطاب العنصري وصل إلى أعلى درجاته في تركيا، هناك من يلومنا على تدهور الاقتصاد في البلاد وانهيار الليرة التركية، وهناك عدد كبير من الأجانب تعرضوا لمواقف عنصرية بسبب اعتقاد الأتراك أنهم سوريون، ليتبين لاحقاً أنهم عرب أو أوربيون من جنسيات غير سورية".
ومنذ عام 2016، يُمنع السوريون الواقعون تحت الحماية المؤقتة من مغادرة الولايات المسجلين فيها، بدون الحصول على إذن سفر للخروج منها.
ويبلغ عدد السوريين تحت قانون الحماية المؤقتة في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، بحسب بيانات دائرة الهجرة التركية، القسم الأكبر منهم في إسطنبول، تليها ولاية غازي عنتاب بأكثر من 500 ألف لاجئ سوري.
وفي شهر يوليو الفائت، قال وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا أنه أصدر تعليمات بملاحقة المهاجرين غير النظاميين في عموم البلاد.
وأعلن الوزير في وقت لاحق أن الحملة أسفرت عن إلقاء القبض على أكثر من 75 ألفاً من المهاجرين غير النظاميين، وتم ترحيل أكثر من 33 ألفاً من المخالفين خارج تركيا.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن في الثامن عشر من سبتمبر الماضي، عن عودة قرابة 600 ألف سوري طوعياً إلى بلادهم، وسيصل عددهم إلى مليون و600 ألف بعد إتمام مشروع بناء المساكن الدائمة شمال سوريا.