عناصر شرطة تركيا في مدينة إسطنبول- تعبيرية
عناصر شرطة تركيا في مدينة إسطنبول- تعبيرية

"سنبقى نقاوم للبقاء في إسطنبول.. لا يوجد لدينا خيارات ثانية أبداً"، بهذا التعبير يلخّص الشاب السوري مصطفى البيلوني حال الآلاف من اللاجئين بعد نهاية المهلة الإدارية التي منحتها السلطات التركية للمخالفين في المدينة.

في أغسطس الفائت، أبلغت إدارة الهجرة في إسطنبول المُخالفين من اللاجئين السوريين بأن لديهم مهلة حتى 24 سبتمبر، لتسوية أوضاعهم في المدينة التي تقول أحزاب المعارضة إنها باتت "مكتظة" باللاجئين بشكل غير مسبوق، فيما يحاول حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وضع حلول لهذا الملف.

الرئيس طيب رجب أردوغان يطمح أيضاً بأن يفوز حزبه بإسطنبول في انتخابات البلديات المقررة بعد خمسة شهور، فهي العاصمة الاقتصادية والمالية للبلاد.

ويعيش في إسطنبول نحو 500 ألف لاجئ سوري يمتلكون قيوداً نظامية تحت بند "الحماية المؤقتة"، فيما يعيش عشرات الآلاف بشكل "مخالف"، إما بلا قيود، أو بقيود صادرة عن ولايات ثانية لا يجد فيها السوريون أعمالاً تضمن لهم مورد رزق مناسباً. 

مصطفى ( 34 عاماً)، لاجئ سوري من مدينة حلب، يقيم بشكل مخالف في إسطنبول، لأن قيوده صادرة عن ولاية مرسين جنوب البلاد.

يقول لـ"ارفع صوتك"، إن الولاية التي سجّل قيوده فيها، تفتقر لفرص العمل، حيث بقي فيها مع عائلته (زوجته وطفلان) لمدة عامين دون أن يجد عملاً يناسبه، ليقرر بعدها الانتقال إلى إسطنبول.

ومنذ نحو أربعة أعوام، يعمل مصطفى في ورشة لإنتاج الأحذية في إسطنبول. يقول: "نحن لا نحبّ إسطنبول لأنها سياحية، وليس لدينا أقارب فيها، كل ما في الأمر أننا نبحث عن عمل نعيش منه، لأن خروجنا منها يعني أننا أصبحنا بلا عمل.. سأكون مع عائلتي في الشارع".

ويستبعد أن يركب طريق الهجرة كما فعل الكثير غيره من السوريين "لأنه لا يمتلك المال الكافي"، كما إنه لا يرغب في العودة إلى سوريا "لأنه سيكون انتحاراً" وفق تعبيره.

وقبل نهاية المهلة، كانت الشرطة التركية تُعيد اللاجئين المخالفين إلى الولايات التي سجلوا فيها،  وترحيل من لا يملكون أية قيود، أما بعد نهاية المهلة، فيواجه المخالف في إسطنبول عقوبة الترحيل إلى سوريا مع فرض غرامة مالية، في حال كان لديه قيود من ولاية ثانية.

أمام هذا الواقع، فضّل بعض السوريين الذهاب طوعياً إلى ولاياتهم، للخلاص من سيناريوهات الهروب من البوليس في الشوارع والأزقة، بينما تمسّك آخرون بالبقاء في المدينة رغم المخاطر العالية.

إحدى الحافلات التي تنقل سوريين عائدين "طوعاً" إلى سوريا من تركيا- تعبيرية
سوريون "خائفون" في شوارع إسطنبول الفرعية
"منذ سنتين، وأنا أحاول تفادي حواجز التفتيش التي تقيمها الشرطة التركية، في الأحياء والشوارع المؤدية إلى مكان عملي في مدينة إسطنبول، وألجأ بشكل دائم لسلك طرق فرعية للوصول إلى المنطقة الصناعية في أسنيورت حيث أعمل"، يقول اللاجئ السوري ربيع (26 عاما)، الذي طلب الاكتفاء بذكر اسمه الأول.

وتمتلئ مجموعات في مواقع التواصل بمنشورات السوريين في إسطنبول، الذين يطرحون أسئلة للمتابعين عن واقع "الحملة الأمنية" بشكل يومي، قبل الخروج من البيت، يعرض أحدهم مكان سكنه ويسأل عن وجود دوريات للشرطة تقوم بـ"تفتيش" سجلّ اللاجئ في مسار طريقه إلى العمل، فتأتي الإجابات إما تحذّره من الخروج من هذا الطريق، أو تخبره بأن الوضع حالياً "آمن".

شيفان حمو (24 عاماً)، لاجئ سوري من مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، يقيم كذلك في إسطنبول بشكل مخالف، لأنه قيوده الأصلية في ولاية ماردين جنوب البلاد، ويعمل في مصنع ألبسة يحوي عشرات السوريين المقيمين في مناطق مختلفة، ويوجد بينهم الكثير من المخالفين.

يقول إنهم يذهبون إلى العمل بشكل حذر جداً، ويروي قصصاً طريفة تحصل معهم أثناء محاولة الوصول إلى المصنع الذي يعملون فيه.

يبين شيفان لـ"ارفع صوتك": "كان الأمر بحاجة إلى مجموعة خاصة على واتساب، تضمّ اللاجئين المخالفين وغيرهم، وبشكل يومي وبالتناوب يقوم أحدنا ممن لديه قيد نظامي بمهمة استكشاف الطريق، لإعطاء الأمر بالتحرك أو سلوك طرق بديلة أو البقاء في البيت ريثما تغادر دورية الشرطة".

"نتعامل مع طريق الذهاب إلى العمل كأنه طريق تهريب للوصول إلى دولة أخرى، حيث يمكن في غرفة الواتس (تطبيق واتساب) أن ترى عبارات من قبيل (الطريق ذهب.. دوريات الحرس تملأ المكان وعليكم الانتظار، حاولوا الوصول بحراً لأن الطريق البرّي مليء بالمشاكل.."، يتابع شيفان.

ويؤكد أن "الأمر متعب جداً، ومرهق للأعصاب"، مردفاً "نحن الآن نخاف من مواجهة أي شرطي في الطريق كأننا أصحاب قضايا جنائية، أو ملاحقون لجرائم معقّدة، لكن.. هذا هو واقعنا، لا نعرف كم من الوقت سيتسمرّ الحال على ما هو عليه، لكن ليس في يدنا أي حيلة".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".