أرشيفية من مخيم للاجئين السوريين في لبنان- ا ف ب
أرشيفية من مخيم للاجئين السوريين في لبنان- ا ف ب

تضيق الحال يوماً بعد يوم على اللاجئ السوري محمد الحموي في لبنان، حيث وصل الحال بأبنائه الشباب إلى عدم القدرة على التنقل بحرّية والذهاب إلى العمل في بعض أحياء العاصمة بيروت، على وقع اعتداءات متكررة تعرّض لها السوريون هناك، كما يقول لـ"ارفع صوتك".

"محمد" ( 56 عاماً) يقيم في بيروت منذ عام 2015، ولديه ولدان ( 17،22) عاماً، يعملان في مطعم لتأمين احتياجات العائلة المؤلفة من 6 أفراد، غير أن الحوادث الأخيرة ألقت بظلالها على حياتهم.

يضيف "لا يمكن لولديّ الوصول بأمان إلى مكان عملهما، وأخشى على حياتهما أو تعرضهما لاعتداء عنيف".

 

جذور الاعتداءات الأخيرة

بدأت القصة في مساء الخامس من أكتوبر الحالي، في منطقة الدورة قرب كنيسة "مار مارون" في بيروت، وامتدّت خلال ساعات إلى عدد من الأحياء في العاصمة ومناطق أخرى، حين وقع شجار بين سائق دراجة نارية وصاحب معمل خياطة استعان بعمّاله السوريين، ليتحوّل الشجار إلى موجة غضب عارمة هاجم فيها شبان لبنانيون مكان إقامة الشبان السوريين، واعتدوا عليهم بالضرب المُبرح.

إثر الحادثة، امتدت عدة أعمال عنف ضد السوريين في لبنان، شملت اعتداءات عليهم بعد إيقافهم في الشارع ثم مطالبتهم بترك البلاد، أو مهاجمة بيوتهم ومحالهم التجارية، أو حتى المحال التي يعملون فيها.

كما قامت عناصر مسلحة، بما فيهم عناصر من "جنود الرب"، بالاعتداء على المارة من اللاجئين بواسطة العصي والقضبان الحديدية، ما نتج عنه إصابة نحو 10 لاجئين بجروح وكسور، بينهم حالة خطرة.

وقامت تلك العناصر المسلحة أيضاً بتخريب ممتلكات اللاجئين وطردهم تعسفا من منازلهم. 

وقامت مجموعات أخرى تنتمي لحزب القوات اللبنانية بالاعتداء على لاجئين واقتحام منازلهم، وتم تنفيذ مداهمات من قبل الجيش اللبناني في منازل لاجئين، واعتقال ما لا يقل عن 8 منهم.

قبل هذه الحادثة بيومين، تعرّض لاجئون سوريون لاعتداء جماعي من قبل مجموعة من الشبان اللبنانيين في حي الأشرفية بالعاصمة بيروت، بحسب ما نشرت شبكة "أخبار الساحة" اللبنانية، وبعدها تكررت حالات الاعتداء على لاجئين سوريين في عدة مناطق ببيروت، ما أجبر كثيراً منهم على التزام بيوتهم وعدم الذهاب إلى أعمالهم.

هذا الأمر، يفاقم المصاعب التي يعيشها السوريون  أساساً، على وقع أزمات اقتصادية واجتماعية تضرب لبنان.

 

تورّط حكومي

مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) المعني بتوثيق الانتهاكات، أصدر بياناً في 6 أكتوبر الحالي، قال فيه إنه "يتابع بعناية القرارات الحكومية والتدابير الأمنية والبيانات الرسمية وغير الرسمية والحملات الإعلامية التحريضية المستهدفة للاجئين السوريين في لبنان. شملت هذه الحملات عمليات مداهمة واعتقالاً تعسفي، وتعريض حالات للتعذيب داخل مراكز الاحتجاز (موثّقة بتقارير الطب الشرعي) وترحيل بعضهم قسرًا، وطرداً تعسفياً، وقد شهدت تصاعدًا حادًا في الفترة التي بدأت من أبريل الماضي على جميع أراضي لبنان". 

وقال بيان "وصول" إن هذه الحملات الإعلامية الممنهجة والمستمرة من قبل السياسيين اللبنانيين وإلقاءهم اللوم على الأوضاع المتردية في لبنان بسبب وجود اللاجئين في البلاد، أدّت إلى تصاعد حدة الاحتقان الشعبي. 

وقال المركز إنه وثق منذ أبريل الماضي المئات من الانتهاكات المرتكبة بحق اللاجئين من قبل الجيش اللبناني، تطبيقاً للقرار الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع في أبريل 2019، القاضي بترحيل السوريين الذين دخلوا بطريقة غير قانونية إلى البلاد بعد 24 من شهر القرار.

وشملت الانتهاكات "اعتقالات تعسفية وعمليات ترحيل قسرية، وإساءة معاملة، وتعذيباً، والمضايقات"، بحسب المركز، الذي طالب الحكومة اللبنانية "بالتحقيق في حملة التحريض الممنهجة ضد اللاجئين، ووقف جميع العمليات الأمنية والعسكرية والترحيلات القسرية بحقهم، والتشدد في مراقبة ومحاسبة مثيري العنف وخطابات الكراهية الصادرة عن بعض الجهات والأطراف اللبنانية الرسمية والحزبية والإعلامية، ومراعاة القوانين والاتفاقيات المحلية والدولية، والتي تتطلب التعامل مع اللاجئين بأسلوب يحفظ حقهم وكرامتهم".

 

"شمّاعة اللاجئين السوريين"

الصحافي السوري زياد الريس يوضح لـ"ارفع صوتك"، أن الحكومة اللبنانية "باتت مكبّلة بسبب تغوّل وهيمنة حزب الله على كثير من القوى الأخرى ومفاصل القرار في البلاد"، واعتبر أن ما يحصل هو أن السياسيين في لبنان "يعلّقون كل نواحي الفشل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد على شمّاعة اللاجئين السوريين".

يضيف: "لا يوجد حالياً لدى الساسة في لبنان مشروع واضح لإنقاذ البلد، سوى أن يقولوا إن الوضع القائم هو بسبب اللاجئين السوريين".

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت في تقرير أصدرته يونيو الماضي، إن الجيش اللبناني رحّل آلاف السوريين بإجراءات موجزة -بينهم أطفال مصحوبون بذويهم- إلى سوريا، بين أبريل ومايو 2023.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".