جانب من عمليات إعادة الإعمار في مناطق تركية متضررة من الزلزال- تعبيرية
جانب من عمليات إعادة الإعمار في مناطق تركية متضررة من الزلزال- تعبيرية

"لقمتنا مُغمّسة بالخطورة والتعب، لكنها بالنسبة لي باتت الخيار الأفضل رغم كل شيء"، يصف اللاجئ السوري عبد الحميد سلامة واقع عمله في الإنشاءات بتركيا، الذي يجتذب عدداً كبيراً من الشباب لأسباب اقتصادية بحتة.

عبد الحميد ( 29 عاماً) ينحدر من محافظة حلب، وكان قبل الحرب واللجوء إلى تركيا يعمل مساعد طبّاخ في مطعم محلّي، يقول لـ"ارفع صوتك" إنه بعد وصوله إلى تركيا عام 2017 عمل في مجال صنعته السابقة مدة ثلاثة أعوام، وكانت مصدر رزق له ولعائلته التي لا تزال تقيم في ريف المحافظة الشمالي، وهو مسؤول عن تأمين الدخل لأمه وأبيه وأختيه.

ولكن أن أحد أصدقائه في السكن بولاية إسطنبول، يعمل في مجال الإنشاءات، ويتلقى أجراً يومياً أعلى بكثير من الأجرة التي يحصل عليها هو في المطعم، كما يقول عبد الحميد.

يتابع: "في عام 2020 قررتُ الانتقال إلى الإنشاءات، وساعدني صديقي في الحصول على عمل بشكل سريع، وما زلت أعمل منذ 3 سنوات".

ويوضح عبد الحميد، أن عمله الجديد "بات مقصدا الكثير من الشباب السوريين وسط عزوف المواطنين الأتراك عن هذه الأعمال الصعبة، لذلك بات أصحاب الورش ومتعهّدي البناء والتجهيزات يرغبون بالتعاقد اليومي مع عمال سوريين".

عوامل الجذب في مجال العمل بالإنشاءات كثيرة، بحسب عبد الحميد، ففي حين يتقاضى العامل في المطاعم أو معامل النسيج أجرة يومية لا تتجاوز في الغالب 500 أو 600 ليرة تركية (في إسطنبول)، فإن العامل في الإنشاءات تزيد أجرته اليومية عن ذلك بقدر كبير، فإذا كان عاملاً عادياً يعمل في الحمل والتعزيل والمساعدة العامة، فأجرته اليومية تصل إلى 800 ليرة يومياً، ويرتفع المبلغ بحسب طبيعة العمل، لتصل اليومية بالنسبة لقدماء المصلحة وأصحاب الاختصاصات فيها إلى 1100 ليرة أحياناً، وهذا من الصعب توفره في كثير من المهن التي يعمل فيها السوريون.

ويشرح عبد الحميد: "سوق العمل في الإنشاءات مفتوح ولا يتوقف تحت أي ظرف. حين عملت في المطاعم تأثر عملنا في موجة وباء كورونا، حت أن صاحب المطعم أعطانا إجازة مفتوحة بلا أجر، ما سبّب لي إرهاقاً اقتصادياً كبيراً اضطررت معه إلى الاستدانة لدفع تكاليف السكن والمعيشة وإرسال مبالغ لأهلي في سوريا".

"أما في الإنشاءات فسوق العمل لا يتأثر بشيء، حركة العمران قائمة طيلة أشهر السنة، وأصحاب الورشات والمتعهدين يبحثون دائماً عن اليد العاملة"، يضيف عبد الحميد.

ويشير إلى أن سبب ازدياد الطلب على العمال السوريين في قطاع الإنشاءات، كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا في فبراير الماضي، حيث انتقلت ورش عمل كثيرة من كافة الولايات إلى ولايات كهرمان مرعش وغازي عنتاب وهاتاي وملاطيا وسواها من المدن التي ضربها الزلزال، وبدأت فيها حركة العمران.

ويؤكد عبد الحميد أن "العامل يذهب إلى تلك الولايات ويحصل على سكن جماعي شبه مجاني إضافة إلى أجرته اليومية".

وسبب آخر لازدياد الطلب، كما يقول "متعلق بالحملة الأمنية التي شنّتها السلطات التركية ضد المهاجرين غير الشرعيين، وأدت إلى حصول نقص كبير في اليد العاملة، وزيادة الطلب على العمال النظاميين، الذين باتت ظروف عملهم أفضل بطبيعة الحال، من حيث اختيار العمل المناسب والأجرة المناسبة".

مقابل كل هذه العوامل الجاذبة للعمل في الإنشاءات، يروي عبد الحميد عوامل مضادة، تجعل من هذه المهنة غير مفضلة بالنسبة لبعض العمال، أبرزها "الإرهاق الكبير في العمل، بسبب ساعات العمل الطويلة، التي تتضمن الحفر والحمل والتنظيف والتعزيل، ما يتطلب بنية قوية وصبراً وتحملاً".

يزيد عبد الحميد: "هذا بالإضافة إلى عامل أكثر أهمية، يتعلق بالخطورة الموجودة في هذا النوع من الأعمال، التي تتطلب البقاء في أماكن مرتفعة، وأحياناً دون وجود شروط السلامة والأمان المطلوبة، ما يعرّض الكثير من العمال لحوادث مؤذية، وقد تؤدي بعض الأحيان إلى الإصابات المميتة والقاتلة".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".