A person buys vegetables at a market as a banner with an image of Egyptian President Abdel Fattah el-Sisi is seen in the background, in Cairo
تعاني مصر من أزمة اقتصادية خانقة انعكست على أحوال اللاجئين السوريين إليها- تعبيرية

"الراحة النفسية هنا موجودة، لكن موارد الرزق قليلة"، يعبّر الشاب السوري منذر الدالي بهذه الكلمات عن أوضاع كثير من مواطنيه السوريين الذي قصدوا مصر مؤخّراً بأعداد كبيرة، على خلفية الأوضاع السيّئة في بلادهم أو في بلدان اللجوء المجاورة.

منذر (38 عاماً) يتحدّر من مدينة حلب، ولجأ إلى تركيا مع عائلته أواخر العام 2016، وعمل فور وصوله في ورشة لـ"الموبياليا"(دهان الخشب)، ثم انتقل بعد عامين للعمل في مجال السياحة مع شركة سوريّة في إسطنبول.

يقول منذر لـ"ارفع صوتك" إنه شعر بالاستقرار المادي نوعاً ما بعد عمله في مجال السياحة، ما شجّعه في العام 2019 على الزواج في محاولة للاستقرار وتأسيس حياة جديدة، إلا أن الرياح -بحسب تعبيره- تجري دائماً بما لا يشتهي السوريون.

"بدأت الأمور تتغيّر قبل شهور من الانتخابات التركية، وارتفعت موجات التضييق على السوريين، إلا أني كنتُ أتجاهل كل ذلك، في سبيل البقاء في مكاني والحفاظ على عملي"، يضيف منذر: "لكن الأمور بدأت تسوء مع انخفاض كبير في معدلات السياحة بتركيا منذ شهر يوليو تقريباً، بسبب إحجام كثير من السياح العرب عن القدوم إلى تركيا على خلفية الاعتداءات التي طالت بعضهم.. بدأتُ أنفق من مدخراتي القليلة، إلى أن اتخذت قراراً مصيرياً بالانتقال إلى مصر وفق نصيحة بعض الأصدقاء، وقمت بإرسال عائلتي إلى شمال سوريا".

 

"شعرت كأنني في سوريا"... ولكن!

 

يستأنف منذر حديثه بأن كان "متفائلاً جداً" بالذهاب إلى مصر، على أمل أن يجد عملاً جيداً ثم يجلب عائلته (زوجته وطفله) من سوريا.

ويقول إنه قصد مدينة الإسكندرية حيث يقيم بعض أصدقائه، وإنه شعر بأريحية كبيرة هناك، خصوصاً فيما يتعلق باللغة: "أتكلم العربية بلا حرج، وأجد ترحيباً رائعاً من جيراننا المصريين.. شعرتُ بالفعل كأني في سوريا"، إلا أن المعضلة التي بدأت تواجه منذر بعد نحو أسبوعين من وصوله هو شبح عدم الحصول على عمل، أو إيجاد عمل بأجور ضئيلة جداً.

أمضى منذر نحو شهر ونصف منذ وصوله، ويقول إن حماسته بدأت تتراجع تدريجياً مع قلة فرص العمل، وإن أحد أصدقائه دبّر له مكاناً شاغراً في ورشة نسيج يملكها سوري، إلا أن المشكلة عند منذر لا تزال قائمة، حيث "الأجر الذي أتقاضاه بالكاد يكفي مصروفي الشخصي رغم أني أعيش وحيداً، فكيف إذا قررتُ جلب عائلتي إلى هنا؟".

وتمثّل قصة منذر واحدة من نماذج كثيرة للاجئين سوريين تلقّوا نصائح بالذهاب إلى مصر مع حملات التضييق عليهم سواء في تركيا أو لبنان، إلا أنهم صُدموا بواقع يختلف عمّا توقّعوه، فرغم الترحيب الشعبي بهم وعدم الإحساس بالغربة، وفق ما يقولون، إلا أن مسألة فرص العمل تشكّل هاجساً جعل البعض منهم يتمنى لو لم يتخذ هذه الخطوة، مع ما تمر به البلاد من ضائقة معيشية أثرت بشكل واسع على المصريين أنفسهم، وانعكست على طبقة اللاجئين الأكثر هشاشة وضعفاً.

ويشرح منذر أن الطبقة التي تجد في مصر خياراً مناسباً جداً هم أصحاب رؤوس الأموال، الذين افتتحوا مشاريع كالمطاعم وورشات النسيج، أو الذين وصلوا منذ سنوات وتركّزوا في أعمال ثابتة بأجور معقولة، أما الوافدون الجدد، فغالباً لن يجدوا ما يتوقعونه، وفقاً لتعبيره.

ويعيش في مصر نحو مليون ونصف مليون سوري، بحسب المنظمة الدولية للهجرة في مصر (في احصاء يعود إلى يوليو 2022) بينهم نحو 148 ألف لاجئ مسجّلين في مفوّضية اللاجئين، يعاني غالبيتهم من ظروف اقتصادية صعبة، وعدم وجود تأمين صحي يغطي تكاليف علاجهم، وتشير التقارير إلى أن أعداد السوريين في مصر ارتفعت بشكل لافت بين شهري يوليو وأكتوبر من هذا العام.

 

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".