نفّذت إسرائيل غارة جوية ضد مخيم جباليا الواقع شمالي قطاع غزة راح ضحيتها أكثر من 400 شخص، حسب ما أعلنت السلطات الصحية في القطاع.
تأتي تلك الغارة وسط تصاعد الحرب بين إسرائيل وحماس. وهي الحرب التي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 8 آلاف فلسطيني حتى اللحظة، وأكثر من 1440 إسرائيليا، عقب الهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر.
وعلى إثر الغارة الأخيرة أصبح مخيم جباليا حديث العالم. وتتالت ردود الفعل المستنكرة، فيما بررت تل أبيب غارتها باستهداف أعضاء من لحماس.
نشأة المخيم
تقع مدينة "جباليا" شمال قطاع غزة. ويحدّها شرقاً الخط الأخضر الذي يفصلها عن إسرائيل، وشمالاً مدينتا "بيت لاهيا" و"بيت حانون".
لعبت الحروب التي شهدتها المنطقة دوراً كبيراً في تضخّم عدد سكان مدينة جباليا بدءا من حرب عام 1948.
وفي سنة، 1954 أنشئ مخيم للّاجئين داخل المدينة لاستيعاب 5587 عائلة هاجرت إلى غزة. في ذلك، الوقت كان القطاع خاضعاً للإدارة المصرية.
ورغم أن عملية التسكين جرت عشوائياً إلا أن السكان لاحقاً استبدلوا منازلهم معاً حتى يكونوا أقرب إلى معارفهم.
لاحقاً، عُرفت هذه التجمعات بأسماء منسوبة لقراهم مثل "بلوك المجادلة" إشارة إلى أن غالبية سكان هذه المنازل من نازحي المجدل، و"بلوك اليافوية" نسبة إلى يافا وغيرها من المدن.

وبعدما كان عدد سكان جباليا نفسها قرابة 1800 فرداً فقط في 1922 وصل العدد في 1980 إلى 5 آلاف نسمة، بخلاف أكثر من 50 ألفاً لجأوا إلى مخيم جباليا.
وفي 2007 بلغ إجمالي السكان ما يزيد عن 120 ألف فرد.
هذه الكثافة السكانية الضخمة تبرّر الاتساع المطرد في حجم المخيم منذ نشأته، حتى بات اليوم يُصنّف باعتباره أكبر مخيم فلسطيني في الداخل.
لحظات المخيم الأولى
في البداية اقتصرت سُبُل الحياة داخل المخيم على العيش داخل الخيام التي توزعها جمعية "الكويكرز"، الدينية المسيحية، التي مارست نشاطاً كبيراً في إغاثة سكان غزة قبل تشكيل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين من قِبَل الأمم المتحدة (الأونروا).
بعض هذه الخيام كانت تستضيف أكثر من عائلة لا يفصل بينها وبين بعضها إلا ستار قماشي. ولم تكن تلك الخيام صالحة لمقاومة التغيرات المناخية كالمطر والرياح التي كانت تزيد من معاناة قاطنيها.
لذا عملت الأونروا على استبدال الخيام بغرفٍ صغيرة مبنية من الأسمنت. ولاحقاً بدأ النازحون في تحسين هذه المباني عبر إضافة المزيد من الغرف أو تقوية الأسقف.
قامت الأونروا أيضا بتنظيم الأوضاع داخل المخيم وتعيين عمّال نظافة وتأمين بعض الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء ودورات المياه.
ومنذ 1972 تم تشكيل لجان محلية لإدارة مخيم جباليا كانت جزءاً من المجلس المحلي للمدينة.
تحت سيطرة إسرائيل
في العام 1967، خضع قطاع غزة، بما فيه مخيم جباليا، للسيطرة الإسرائيلية. ومثّل المخيم معضلة أمنية للإسرائيليين بسبب الكثافة السكانية داخله، حيث كان يقطن فيه ما يزيد عن 33 ألف فرد.
حاولت إسرائيل ترحيل العديد من سكان المخيم، فأعدت لذاك الغرَض عدة مشاريع حكومية منها مشروع بيت لاهيا الذي رحّلت إليه قرابة 975 عائلة في عام 1970، إضافة إلى مشاريع أخرى مثل "حي البرازيل" و"تل السلطان" في رفح، و"حي الشيخ رضوان" في غزة"، و"حي الأمل" في خان يونس.
وعانَى ساكنو مخيم جباليا من العيش في ظروف صعبة انتشرت فيها البطالة ومعدلات الفقر والإحباطات السياسية ما جعل المخيم نقطة ساخنة دائماً تثير قلق الإسرائيليين.
وطيلة هذه السنوات، نجح التيار الإسلامي في الانتشار داخل المخيم، حتى قبل تأسيس حركة حماس.
في عام 1987، انطلقت "الانتفاضة الأولى" من مخيم جباليا عقب إقدام سائق شاحنة إسرائيلي على صدم 4 عمال فلسطينيين وقتلهم، ما أدّى إلى موجة غضب عارمة بدأت في المخيم ثم عمّت مختلف المدن.
ونصب عددٌ من سكان المخيم عدة كمائن لمجندين إسرائيليين، كانت النواة الأولى لظهور النشاط العسكري لحركة حماس.
انتهت "الانتفاضة" بانخراط الفلسطينيين والإسرائيليين في محادثات سلام لأول مرة انتهت بتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
لكن مع فشل مسلسل السلام، صار المخيم مسرحاً للاشتباكات المتواصلة مع القوات الإسرائيلية بسبب الاحتقان المستمر.
وبات مشهداً معتاداً تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق المخيم أو اقتحام عدة دوريات تابعة للجيش الإسرائيلي شوارع جباليا لتنفيذ عمليات اعتقال بحق عناصر الفصائل الفلسطينية المطلوبين أمنياً.
وفرضت السلطات الإسرائيلية حظر تجول كامل على المخيم أكثر من مرة، مثلما جرى عام 1990. خطوة بررها الإسرائيليون وقتها بأنها "تحسباً لوقوع أحداث عُنف".
ويتهم القادة الفلسطينيون إسرائيل بارتكاب مجازر بحق سكان المخيم في فترات مختلفة: 1967 و1968 و1987 و2003.
ولم تحل خطة فك الارتباط التي نفّذها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، وتضمّنت الانسحاب من غزة، "معضلة جباليا" بشكلٍ نهائي، فتدخّلت إسرائيل عسكرياً في المخيم في 2005، ثم في فبراير 2008 حين قامت بعملية عسكرية جديدة.